..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

خطة "ب" الحقيقية لسوريا: يغلب من يسبق

باسل الحاج جاسم

٢ مارس ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2994

خطة
unnamed-129.jpg

شـــــارك المادة

قد يكون الحديث عن فشل محتمل للهدنة في سوريا، ليس بالموضوعي، لأن التشكيك بانهيارها بالأساس، بدأ قبل دخولها حيز التنفيذ، ومن الأطراف التي اتفقت عليها (موسكو- واشنطن)، ولم تختلف كثيرا الأوضاع خلال تطبيق الهدنة، وما قبل تطبيقها.

جاءت الهدنة التي يصح تسميتها "بالهدنة الروسية"، لإيقاف الاندفاع التركي، ضد ميليشيات كردية على حدودها، والاستفادة من التقدم العسكري الذي حققه حلفاء موسكو على الأرض (نظام الأسد، وميليشات صالح مسلم)، وبغطاء جوي من الأولى، الاستفادة من تلك المكاسب في أي مفاوضات قادمة، فأحد أهم أسباب بوتين الرئيسية من تدخله في سوريا، رسالة للعالم مفادها أن روسيا لا تزال قوة يعتد بها على الساحة الدولية، لا سيما بعد الإطاحة بحلفاء مثل صدام حسين ومعمر القذافي.

وما يزيد الأمور تعقيدا أن طهران وموسكو تتحركان في سوريا مع بعضهما لتحقيق نفس الهدف ولدعم حلفائهم، بينما الولايات المتحدة موقفها ليس فقط لا مبالي، بل سلبي التأثير مقابل نشاط الآخرين.

تراهن موسكو على خططها السياسية في إنجاح خططها العسكرية لتحسين شروطها وشروط حليفها الأسد، وميليشيات صالح مسلم حليفها الجديد على الأرض السورية، والمتابع للتحركات الروسية الخارجية، يجدها تتحرك كلاعب القمار، ترمي بأوراقها ثم تنظر ماذا يحدث وتتصرف، قبل شهر أو أقل من ضمها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، لو تحدث أحد عن سيناريو كهذا، لكان حديثه ضربًا من الخيال، وكان تدخلها العسكري المباشر في سوريا بشكل مفاجئ كذلك، وأخرجها من عزلة حقيقية بعد تدخلها في أوكرانيا.

لم تدخل روسيا في الآونة الأخيرة بلدا، إلا وقسمته، ابتداء من جورجيا، مرورا بأوكرانيا، وهي اليوم في سوريا، تسير على نفس الخطى، وذلك واضحا من خلال خارطة تحرك قواتها الجوية، وقصفها لمناطق معينة، إن كان في ريف اللاذقية، للمناطق التي تقطنها قومية تركمانية، لتهجيرهم، ورسم حدود الكيان العلوي، وقصف المناطق الواقعة غرب نهر الفرات، وتهجير المكون الرئيسي السوري (العربي السني)، بتأمين الغطاء الجوي لميليشيات صالح مسلم، للسيطرة على هذه المناطق العربية، وتحقيق التواصل الجغرافي بين مناطق يقطنها أكراد، لرسم حدود الكيان الكردي كذلك.

الأسد بالنسبة لموسكو "جوكر" تلعب به وعليه، ويبدو واضحا من التصريحات المتضاربة بين الحين والآخر، والصادرة من دمشق، وموسكو، والرسائل التي تريد إيصالها للآخرين، ولا سيما اللاعبين الإقليميين والدوليين، بأن التفاوض مع الكرملين هو الذي يثمر بنتيجة.

ومن أسباب دخول موسكو، سوريا المعلنة تعزيز سلطة الأسد، ولكنها اليوم تقامر بورقة الانفصالية، بذلك تقوّض ليس سلطة الأسد، وإنما تهدد بتمزيق سوريا، في شق من ذلك الانتقام من تركيا، بسبب إسقاط طائرتها، ولكنها ربما وعن غير قصد تؤجج النزعة الانفصالية، التي إذا بدأت في سوريا، مرورا بتركيا، وإيران، لن تتوقف في روسيا نفسها، فهي تلعب في مناطق يختلط فيها التاريخ مع الجغرافيا، ويتداخل فيها ما هو ديني بما هو عرقي.

تنفيذ موسكو مخططاتها رهن على كيف ستتصرف الأطراف الأخرى (تركيا، والسعودية، وقطر)، المسألة مسألة وقت، من يسرع ويسيطرعلى الأرض أولًا، يمكن أن يكون له كلمة عليا لاحقًا، والمفاوضات الحقيقية والجادة تكون عندما يدخل طرف آخر عسكريًا إلى الأرض السورية، موسكو جاءت لسوريا ليس لحل الأزمة فيها، وإنما لتكون جزء من هذه الأزمة، قائلة للجميع تعالوا نتفاوض، وهي بانتظار الطرف المفاوض المباشر.

وليس من المتوقع في المستقبل القريب أن يكون هناك تأثير مباشر على موقف روسيا الحالي في سوريا، بسبب تراجع الاقتصاد الروسي وتوقعات العجز وما يرافقه من هبوط لأسعار النفط، وانخفاض سعر الروبل الروسي، لكن بالتأكيد سيكون لكل ذلك تأثير، وإنما، في مراحل لاحقة، حين تلامس هذه الأمور حياة المواطن الروسي العادي، والمفارقة أن هذه الأزمات تزيد من شعبية بوتين، حيث أنه في نظر الروس "قلعة الصمود" في وجه الغرب، والمؤامرات الغربية، بعد رفعه شعار لم شمل الأراضي الروسية حين ضم القرم، والدفاع عن المواطنين الروس أينما كانوا، حين اجتاح جورجيا، ومزقها.

والشيء الخطير، في كل ما يتداول في الآونة الأخيرة، هو التصريحات إن كان بالتقسيم أو الفدرالية، من الأمريكيين، والروس، حيث كان كلام كهذا، يقتصر على المتابعين ومراكز الأبحاث، وهي المرة الأولى التي يتحول إلى كلام رسمي، يمكن أن يطرح في أي مفاوضات قادمة، ويجعل الحديث عن اتفاق (كيري - لافروف)، لإعادة تقسيم ما قسمه (سايكس - بيكو) من تركة الدولة العثمانية، يظهر إلى العلن كبديل لفشل ما أطلقوا عليها "هدنة".

يدور الحديث أن الأكراد في سوريا يشكلون القومية الثانية، وفي النظر إلى خارطة التوزع الكردي السوري، جغرافيا وعرقيا، تشير الكثير من المصادر أن نسبتهم تتراوح بين 10% إلى 15%، وقد تكون أقل بقليل أو أكثر بقليل، ولا تمتلك أي تواصل جغرافي بين المناطق التي تقطنها (القامشلي - عين العرب - عفرين)، بالإضافة إلى أنه حتى المناطق التي هي فيها أكثرية، لا تشكل أغلبية مطلقة، على عكس المكون العربي الرئيسي، وهذا يفسر التحرك السريع والمفاجئ، لميليشات كردية بدعم روسي في الآونة الأخيرة في المناطق الواقعة غرب الفرات وفي محيط مدينة حلب، استعدادًا لسيناريو كهذا معد مسبقاً، لتحقيق عمق وامتداد جغرافي.

وبالنظر إلى سوريا من الناحية الإثنية،فاي سيناريو تمزيق،سيدخل البلاد في متاهة، وثلاث دول لا تعود كافية (كردية - سنية -علوية)،وقد نحتاج على الأقل خمس دول، وهذا يظهر أن إسقاط أي سيناريو من أوروبا الشرقية أو القوقاز على سوريا هو خاطئ، وسيفتح أبواب الجحيم على المنطقة بأكملها مرورًا بتركيا إلى إيران ولن يتوقف عند روسيا.

وقد تجد دول إقليمية كتركيا، نفسها مضطرة في نهاية المطاف للقبول بأي طرح فيدرالي، أو تقسيمي، إذا ما جاء نتيجة اتفاق روسي - أمريكي، مع مراعاة حساسيتها في بعض النقاط كإبعاد الانفصاليين الأكراد عن مناطق معينة هي تحددها، مثل حصرهم في المثلث السوري التركي العراقي، وهنا علينا عدم إغفال أنه في الماضي القريب كان إقامة كيان كردي شمال العراق خط أحمر للأمن القومي التركي، إلا أن إقليم شمال العراق، تحول لاحقا، إلى أقرب حليف في المنطقة لأنقرة.

واليوم صحيح أن الحديث يدور حول أن مصير مدينة أعزاز سيحدد مستقبل كل تلك السيناريوهات، ولكن الحقيقة هي أن مصير مدينة حلب، سيرسم ليس فقط مستقبل سوريا، وربما خارطة جديدة للعالم إن كان جغرافيًا أو في إطار التوازنات الدولية القادمة.

والواضح أن للروس خطة "ب" البديلة الخاصة بهم، التي تختلف عن خطة واشنطن "ب" البديلة، ولعل أكثر ما يقلق الروس اليوم، ليس التحرك التركي المرتقب، وإنما كيف ستتحرك المملكة العربية السعودية في تعاملها القريب مع سوريا، بعد أن وصلت طائراتها إلى قاعدة إنجرليك التركية، وأدرجت حزب الله اللبناني (ذراع إيران في المنطقة، وحليف موسكو) في قوائم الإرهاب ضمن مجلس التعاون الخليجي، وأعاد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي إلى الأذهان سيناريو أفغانستان، ومبعث القلق الروسي، تجربتهم المذلة في أفغانستان، ومجرد ذكرها إلى اليوم يقض مضاجعهم.

يبقى القول إن خطة "ب" الحقيقية حيال سوريا: يغلب من يسبق، فالوقت بات جد ضيق، وتداعيات التأخر، قد تعني خسارة سوريا، وليس فقط بعض الأوراق الإقليمية، كما هو حاصل اليوم مع تركيا نتيجة تأخرها.
 

 

ترك برس

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع