محمد مصطفى علوش
تصدير المادة
المشاهدات : 3097
شـــــارك المادة
يبدو أن تصريح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف قبل نحو أسبوعين أن موسكو تأمل بأن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية، وهو المطلب الذي يطالب به الأكراد لم يأت في سياق المناكفة الروسية لتركيا ضمن سلسلة من الاستفزازات المستمرة منذ ثلاثة أشهر. يؤيد هذا التصور كلام رئيس الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية رياض حجاب الذي قال إن المعارضة رفضت مقترحاً روسيا بتحويل سوريا إلى دولة فيدرالية. الرؤية الغربية بشكل عام سواء كانت قادمة مما كان يعرف يوماً بالمعسكر الشرقي أو منطلقة من المعسكر الغربي على ضفتي الأطلسي، فإن الحلول التي تحملها دائما إلى مشاكل الشرق الأوسط المستعصية هي التقسيم. في لبنان جربنا شيئاً من هذا القبيل خلال الحرب الأهلية لكن المخطط لم يفلح لاعتبارات لا مجال لذكرها الآن.
الولايات المتحدة كرّرت النموذج نفسه مع العراق ما بعد الاحتلال عام 2003. المشروع ما زال متعثرا، فلا العرب السنة يقبلون به وهم من يمثلون رأس الحربة في مواجهة المشروع الأمريكي في العراق، ولا الشيعة المهيمنون على الحياة السياسية يرتضونه حلاً. وحدهم الكرد في العراق وسوريا يدعمون عملية الفدرلة، كخطوة أولى نحو الاستقلال التام وتأسيس دولة كردستان الكبرى. لكن سوء حظ الكرد في الشرق الأوسط أنهم مقسّمون على جغرافية هي جزء لا يتجزأ من دول أربع، سوريا، العراق، تركيا وإيران.
وإذا كانت الأحوال السياسية التي يمرّ بها العراق وسوريا لا تسمح لهما بمواجهة مشاريع الفدرلة والتقسيم، فإن إيران وتركيا، وهما اللاعبان الكبيران في المنطقة، لن يسمحا بتمرير هكذا مشروع لأنه سيكون على حساب دولتيهما أكثر ممّا سيكون على حساب العرب أنفسهم. إقليمياً هناك مستفيد وحيد آخر، لطالما كانت إسرائيل صاحبة طروحات التقسيم. ومشروع الفدرلة المطروح روسيا-أمريكيا تراه حلما طال انتظاره. في دراسة صدرت الاثنين الفائت لـ"مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" الذي يرأس مجلس إدارته دوري غولد، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية، تتحمس حكومة بنيامين نتنياهو لفكرة تقسيم سوريا لأنها تقلص مستوى المخاطر الاستراتيجية على إسرائيل مستقبلا. الدراسة التي تؤكد رغبة أمريكية روسية مشتركة لتقسيم سوريا تحثّ الحكومة الإسرائيلية للدّفع نحو تقسيم سوريا وفق المعايير الأمريكية، وليس الروسية التي قد تفضي إلى تحسين مكانة إيران هناك. وإذا كانت زيارة داود أوغلو إلى طهران مفاجئة تماما بقدر إعلان الرئيس روحاني بأنه يستعدّ لزيارة أنقرة قريبا، فإن التصريحات التي صدرت عن كلا المسؤولين لم تكن مفاجئة طالما أنّ ما ذلّل العقبات، وهدّأ من وتيرة القصف الإعلامي المتبادل بين الجارين هو استشعار عظم الخطر المحدق بهما. أبرز نتائج زيارة أوغلو لطهران اتفاق البلدين على إدارة خلافاتهما المتعلقة بأزمات المنطقة، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الاقتصادية والسياسية، لاسيَّما مع وجود نقاط مشتركة إقليمياً، أهمها معارضة البلدين لـ "تقسيم سوريا". لا شك أن التقارب التركي الإيراني الأخير ناتج عن مخاوف الطرفين من مسألة نشوء كيان كردي في الشمال السوري، ما قد يؤثر بدوره على كلا البلدين بإثارة طموحات الأكراد فيهما. إيران متوجسة قطعا من الوجود الروسي في سوريا. لم يعد الأمر سراً ولا لغزاً.
روسيا تقطف جهود إيران في سوريا وتتصرف بأنها السيد الأمر الناهي في أي حلّ سوري، حتى وإن تحدث الروس طويلا عن تنسيق مع الإيرانيين. يبقى الأمر مصروفاً في إتيكيت العمل الدبلوماسي. شيء مما سبق يظهر على لسان الرئيس روحاني "أبلغنا جميع الأصدقاء والجيران وروسيا والآخرين، صراحة، أن سيادة بلدان المنطقة على أراضيها، مبدأ يحظى بتأكيدنا، سواء فيما يتعلق بالعراق أو سوريا أو أي بلد في المنطقة، فالسيادة الوطنية ووحدة التراب أمر مهم بالنسبة لنا". الأتراك متوجسون هم بدورهم من الأمريكان وأجدادهم التاريخيين الأوروبيين. فلقد ذاق الترك والفرس مرارة التقسيم الذي فرضه الغرب عليهم وعلى العرب بالتنسيق مع روسيا القيصرية. لا مجال بتاتا لتكرار الأمر. قد لا يكون السيناريو أكثر من مقترح مطروح، لكن من ذاق طعم الحرق يوماً سيبقى يتحسسه في كل مرة يرى فيها ناراً متقدة. فهل الخوف من مشروع تقسيم جديد قد يقرّب وجهات النظر التركية الإيرانية ويسحب البساط من تحت القوى الدولية في حلّ قضايا المنطقة سوريا والعراق واليمن؟ نجاح الأمر مرهون بمدى نضوج الدبلوماسية التركية الإيرانية ومعهما الدبلوماسية العربية، تحديداً السعودية منها.
الشرق القطرية
علي حماده
سالم الفلاحات
غازي دحمان
عبد الجواد الراشد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة