يامن الناصر
تصدير المادة
المشاهدات : 3879
شـــــارك المادة
أَرْخي علينا بسدوله قبل أيام يَوْمٌ كان فرقاناً في العصر الحديث ففيه فُتح سوق الجنة وعليه زاد طُلّابُها ومنه تسابق عُشّاق الحرية والكرامة، يومٌ غدا كابوساً لكل طاغوت وظالم، لكسره جدار الوهم، وتحطيمه أسوار الخوف، وفتحه باباً للْعِزَّة، عوداً للوراء وتمثيلاً بالتاريخ لعبرةٍ مستقاةٍ منه وحتى نقرأه جيداً ولا نُجازف بتكرار أخطائه. أسرد إطلالة السيدة اعتماد أم الأمراء والأميرة المدللة من شرفة قصرها الإشبيلي عندما رأت –من بعيد– نسوةً يعملن في الزراعة ويخضن بالوحل والطين بأقدامهن فأعجبها منظّرهنّ، وأرادت تجريبه، فأستأذنت زوجها ملك إشبيلية الشاعر العاشق المعتمد بن عبَّاد – الذي اشّتق أحرف اسمه من اسمها لفرط حبه لها – في أن تخرج إلى ظاهر إشبيلية لتتمتع بالخوض في الطين مع بناتها..! فمنعته رسوم السلطنة وهيبتها من أن يأذن لها. نعود لساحات الهتافات وهي تصدح عاليةً قد بُحَّت حناجر ثوارها وتعبت أكتافهم وشابت مفارقهم وعاركتهم السنون بزيادة جرعة العمر في وجوه المُصطفين لترى الطفل تحسبه شيخاً من هول الحِمل، وثقل الموقف. نظر البعض من شرفة تلفازه على ثورة الياسمين وثورة مصر فأعجبه عبير الحرية وأراد أن يجرب عبقها وهو المكبوت المظلوم والمكتوي من نار التجربة القديمة، ولحب الثورة لأبنائها وخوفها عليهم وعلمها ببطش ظلّام العصر، أرادت أن تُدرّج الأمر لهم وتُبسطه حتى يعرفوا يوم الطين ويقدروا له قدره. كانت اعتماد لازالت تنتظر الإذن، غير أنه تعود أن لا يرفض لها طلباً، فمن فرط شغفه بها، أصدر مرسوماً إلى كل عطار في إشبيلية بأن يسوق كل ما لديه من عطر ومسك وأعواد طيب إلى قصر الملك بثمنٍ يحلم به كل تاجر، فتهافت التجار إليه، كتهافت العطشى لورود الماء وكحنان المُقَلّة لقدوم ولدها. حنّت الساحات العامة لزوارها ورواد المظاهرات وأشتاقت اللافتات لخطاطها والورود والأرز لرشها، فكانت المظاهرات هي التعبير السلمي الأول الرافض لهيمنة نظام القمع والإجرام لاحتكار حق الكلمة والقلم، وتحدياً صارخاً بوجه أعتى وأحقر نظام طائفي وأمني عرفته الأمم، وقفت والجموع مصطفة مرددة شعارات كُتبت فيما بعد بمداد من دم ويراع من لحم وكانت تكلفتها باهظة جداً، تزينت بثوب الثورة ورفعت رايتها الوحيدة آنذاك، وبدأت تجوب المدن والقرى والحواضر والبواد والمدارس والجامعات وكانت شرارتها من المساجد مهللة مُكبرة ومعللة سببها وموحدة غايتها. فأمر ذاك الزوج المُتيّم الخدم بعجن المسك والأعواد بالعطور في باحة قصره الواسعة، فكانت أشبه بالطين والوحل إلا أن ماءه عطر ذو رائحة نفّاذة. بينما تتهيأ اعتماد للنزول، نردُّ على تساؤل المراقب الذي يقول فيه، ما جدوى المظاهرات بعد خمس سنين؟
أعجبني كلام قائد في جيش الشام عندما اختصر التعريف بها وقال: هي الأصل ونحن فرع منها، هذا هو تواضع البندقية للحنجرة والبيان للافتة والخندق للساحة. للمظاهرات فضلٌ على كل من دبّ على وجه المحرر، فبعد الله كانت سبباً في خروج السجناء الذين هم قادة كثير من التنظيمات وكانت سبباً في توصيل رسالاتنا للعالم أجمع من عرب وعجم، وكانت سبباً في عودة القيم المجتمعية التي كانت في شبه انعدام زمن البعث، وكانت سبباً في عودة الناس لسليم فطرتها، وتوعية الأمة لمعركتها الفاصلة التي خاضتها بنفسها أولاً ولاتزال. كانت منبع كل سخاء من دم ومال، حشدت أعداداً لا يمكن لأي تنظيم مهما بلغ أن يجمع عُشرها، فَلَو اجتمعت كل التنظيمات السورية لا يصل عددها لعشر متظاهري ساحات حماة ودير الزُّور فقط، يكفي أن تنادي في أي حارة (يلعن روحك يا حافظ) ستجد الآلاف ينسلون إليك مرددين هتافاتهم رافعين شعاراتهم (الموت ولا المذلة). أخبرني من زار الصين أن بعض الشركات عندها ترديد الشعار الصباحي وتحفيز الموظفين، تساءلت في حيرة من أمري ما فائدة ذلك؟! علمت بعدها أنهم بهذا يضبطون بوصلة الاتجاه وتوحيد الجهود نحو الهدف بين صاحب الشركة والموظف، كما أنه حشد وتعبئة يومية كما العسكرية، فالمشاريع لا تؤتمن في بقائها على أساسياتها من الانحراف، إذ لا بد من تقييم وتصويب كل فترة فلا يمكن لسهم انطلق أن يستمر بنفس السوية، فلا بد من تغيير قناعات وتبديل اجتهادات وتبني آراء جديدة. ولابد من الإشارة هنا لبعض أجهزة الاستقبال عند البعض حيث إنها مشوشة لا تلتقط الذبذبات الموجّهة للفكرة المراد توصيلها التي نوضح فيها أساس الفكرة، إن هناك نظرة خاطئة عند أكثر الإسلاميين وخلط عند الجهاديين منهم خاصة في النظر والموقف من السلمية كتكتيك صراع وأسلوب قوة جديد مُتبع في ثورات الربيع العربي وبين من يتبناها كمذهب ديني أو فكري، ومن يقرأ (تشي غيفارا_ وجين شارب) يفهم أننا نتكلم عن شيء أخر غير سلمية (غاندي_وجودت سعيد)، وهي الآن شكل من أشكال الحشد والتعبئة واستيعاب وتوظيف طاقات مجتمعية مساندة للعسكرة والسياسة، وأمواج تجييش الحاضنة الشعبية وتفاعلها مع الحراك، فخروج المظاهرات هو زيادة التحام ومشاركة مع أهل الجبهات حتى لا يعزل المجاهدون أمام شعوب دول العالم. وأقول –شعوب– لأن رأي شعوب الدول العالمية الكبرى له تأثير كبير في تغير سياسات الثلة الحاكمة في بلادهم، وبالتالي تغير القرار لمصلحة الشعب السوري المظلوم ضد هذا النظام الفاشي، وهذا مكسب سياسي كبير قد لا يتنبه إليه كثير من الناس. – فقوة ثورة الشام كانت ولازالت في قوة شعبيتها والتحام أبنائها، ولا توجد صورة تدل على هذه الشعبوية كالمظاهرات. فمحاولة استهجانها أو التقليل منها هو في الحقيقة ضرب للحاضنة الشعبية وعزلها عن المجاهدين وهذا يصب في مصلحة أعداء الثورة، فليتنبه بعض المشككين من خارج الحدود الذين يقومون بالتحريش على المظاهرات بحجة أنها لم تعد مجدية، أن يكونوا أداة لتنفيذ خطط أعداء الثورة من حيث يشعرون أو لا يشعرون. كما يُستفاد من عودة المظاهرات وعودة الروح للثورة أن الشعب هو الذي يحمي الفصائل وليس العكس كما يظن البعض، وأي فصيل تتخلى عنه حاضنته الشعبية لأي سبب مصيره الزوال. هنا نزلت اعتماد وبناتها ليخضن في الطين المعطر جيئة وذهاباً… وكان يوماً مشهوداً… وتسّرب الخبر وقال نسوة في المدينة – بعد أن بلغ بيوت العامة قبل الخاصة بإشبيلية والأندلس–: عن مكان اعتماد في قلب المعتمد. فحب الثورة هو الانتساب لها والقتال ضمن مبادئها وتبني رايتها وأسسها التي انطلقت منها لتحصيل الحرية والكرامة، والابتعاد عن صبغها بلون واحد، وتذعير الناس عليها، وتأليب الأحلاف ضدها. إن من يخجل من كلمة ثورة وثائر ويترفع عن ميادين التظاهر، وينسى الثائر الأول الأعزل يومها بتظاهره كان بمثابة العملية الاستشهادية في يومنا هذا، فلا تبخسوا الناس أشياءهم، ستكتب شهادتهم ويُسألون. ولم يكن إسراف المعتمد ليمر دون عقوبة إلهية فقد جاء (ابن تاشفين) والمرابطون، وأنقدوا الأندلس من القشتاليين وملوك الطوائف أيضاً، ثم أخذوا المعتمد واعتماد إلى الإقامة الجبرية في ذُل و هوان حتى، قيل أخبار ابن عبَّاد تُذيب الأكباد. فهاهي أخبار الثورة الشامية كانت ضد طاغية غدت ضد عدة دول وأشكالٍ من الطغاة وطارت أخبارها في أرجاء المعمورة بين مؤيدٍ لها وخاذل، لم تستسغ اعتماد حياة الفاقة والذل، وقتها رأت (الطين الحقيقي) وحصل أن تجادلت مع زوجها الملك الأسير المعتمد يوماً وتشاحنا فقالت له منذ عرفتك ما رأيت خيراً قط، فقال لها بدهشة وألم: ولا حتى يوم الطين...؟! فخجلت هنا وسكتت عن الكلام المُباح. وبعد حياة كثرت حولها الجدالات ماتت اعتماد ومات المعتمد، ومن عجائب الأيام أنه نُودي على جنازته (الصلاة عَلى الغريب) فسبحان من لا يزول ملكه. في نهاية حياته مات معه انتماؤه للإمارة وودّع معه طائفته المحصورة المعزولة عن الأمة المنغلقة عن الشعب المُكافح. ويُحكى في الأسطورة أن فلاحا فرنسياً يدعى نيكولاس شوفين استحثته وطنيته للتطوع في جيش نابليون بونابرت من أجل الدفاع عن بلاده، وبعد إصابته في المعركة، تم منحه راتباً تقاعدياً لم يكن كافياً لتغطية حاجاته. ورغم ذلك، وبعد الإطاحة بنابليون استمر شوفين بولائه وتعصبه الأعمى للشخص الذي لم يعتن به حق العناية. ومن اسمه، تطوّر مصطلح الشوفينية، وبات يستخدم في وصف كل توجه عنصري مغالٍ ازدرائي للآخرين وأي شوفينية تنظيمية مقابل الانتماء الثوري مرفوضة، ”من تنكر لثورته لن يذكر يوم الطين الثوري وعبق مسك دمها“
مركز عزام للدراسات
أبو عبد الملك الشرعي
فداء السيد
مجاهد مأمون ديرانية
عبد الرحمن عبد الله الجميلي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة