..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أحوال الأمم ما قبل الانتصارات الكبرى - دروس من التاريخ (2)

عباس شريفة

١٠ إبريل ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5753

أحوال الأمم ما قبل الانتصارات الكبرى - دروس من التاريخ (2)
شريفة 0000 ابو تيم.png

شـــــارك المادة

لا شك أن المتفحص لدروس التاريخ بعناية يلحظ أن الأمم التي ورثت الأرض من أعدائها إنما حققت معادلة متكاملة في الأخلاق والعلم والمعرفة والتنظيم، تمايزت بها عن الأمم المغلوبة حتى توّجت هذه الانتصارات الجزئية بانتصار مفصلي غيّر مجرى التاريخ وحققت معنى الاستخلاف والتداول الحضاري.

قد تكون الهزائم الصغرى أحيانا ضرورية خلال مسيرة الأمة نحو الانتصارات الكبرى، لتحصين الصفوف وتلافي الثغرات وتصحيح المسير وتصويب الهدف ومضاعفة الحذر واكتساب المناعة من فتن الدنيا، فالقراءة المعتبرة للانتكاسات الصغرى هي عامل مهم في حصد الانتصارات الكبرى، كما كان حال المسلمين في استيعاب دروس أحد.

هنا لا بد لنا أن نتجاوز القراءة البتراء للتاريخ، التي تعنى بسرد الأحداث دون  الوقوف على الدلائل والدروس والعبر وربط النتائج بالمقدمات .

ولعل من أهم هذه العوامل ما يسمى بالعقيدة القتالية التي يحملها أبناء الأمة التي تبحث عن وراثة الأرض، فليس المهم أن نقرأ حطين وعين جالوت ووادي لكة  دون دراسة عوامل النصر فيها.

لم يكن الفتح الإسلامي معجزة بمعنى المعجزة الخارقة للعادة، وإنما خارقة بما استطاعت تلك النفوس أن تخرق عوائد النفس البشرية، و بما حملته من عقيدة قتالية ربانية أخلاقية تميزت بها عن غيرها، وهي الفكرة والعقيدة التي من أجلها شرع القتال ومن أجلها استرخصت الدماء والأرواح .

فعند خروج سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من صرار متجهاً إلى العراق، قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “يا سعد، لا يغرنك أن قيل: إنك خال رسول الله؛ فإنه ليس لله نسب إلاّ الطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت النبي منذ بعث حتى فارقنا، فالزمه فإنّ ذلك الأمر، هذه عظتي إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك، وكنت من الخاسرين”.

ولعل من عبر عن هذه العقيدة القتالية للمسلمين بشكله الجلي هو الصحابي ربعي بن عامر رضي الله عنه عندما قال لرستم قائد الفرس: (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدّنيا إلى سعة الدنيا والأخرة).

هذه العقيدة القتالية الرسالية كان لا بد لها أن تفرز سلوكاً راقياً لدى شباب الأمة، واقرأ ما قاله رسل المقوقس إلى عمرو بن العاص بعد أن لبثوا يومين في جيش المسلمين- بعد أن عادوا إليه:

“رأينا قوماً الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحد منهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، جلوسهم على التراب، وأميرهم كواحد منهم، ما يعرف كبيرهم من وضيعهم، ولا السيد فيهم من العبد، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها أحد، يغسلون أطرافهم بالماء، ويخشعون في صلاتهم، فرسان في النهار رهبان في الليل”.

فكانت النتيجة كما تنبأ بها المقوقس والذي قال بعدما سمع كلام رسله “والذي يحلف به، لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد”.

لقد كان لحركات التجديد الروحي والفكري والإحياء السني والوحدة السياسية التي قام بها الزنكيون والأيوبيون  دورها الفاعل في مواجهة الصليبين بحرب استمرت قرنين من الزمن انتهت بطردهم من بلاد المسلمين.

ولم تكن عين جالوت  لترد عادية  لمجرد أن صاح قطز في الجيش “وا إسلاماه” لولا أن رد العز بن عبد السلام مظالم المال العام  قبل أن يستنفر الجند، فباع كل الوزراء المماليك في سوق النخاسة ورد ثمنهم إلى بيت مال المسلمين لتجهيز جيش المسلمين قبل أن يسمح بمد الأيادي إلى الأموال الخاصة.

وبهذا تكونت هذه العقيدة القتالية، والتي شكلت الطاقة الدافعة للأمة من سياسة شرعية راشدة، رشدت استهلاك طاقتها، وتحكمت بمسيرتها، وحفظتها من حرف البنادق إلى الاتجاه الخطأ، فأصبحت بمثابة العقل الضابط الذي يحكم تلك الطاقة نحو الانتصار والتمكين.

 

 

العهد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع