..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

شعوبنا المنكوبة ووحدة الأمة

محمد عبد الله عايض الغبان

١٧ إبريل ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4978

شعوبنا المنكوبة ووحدة الأمة
الثورة 00.jpg

شـــــارك المادة

منذ بزوغ فجر الإسلام تلاشت الفوارق العرقية والطبقية والقبلية والمناطقية السائدة في المجتمع العربي، وتكونت على إثر هذا التمزق والتشرذم أمة الإسلام ذات القلب الواحد والهدف الواحد والجسد الواحد والأرض الواحدة "إن هذه أمتكم أمة واحدة" وصار الشعار "هو سماكم المسلمين من قبل" فبه توالي الأمة وتعادي وبه تقاتل وتدافع، ومنه تستمد أحكامها وقيمها، فهو الرابطة العظمى التي تضمحل دونها أي رابطة، وكل الأعراق والأجناس منضوية تحت هذه الرابطة، وإن تعارض معها أو حال بينها وبينه بعض التصرفات الجاهلية قضي عليها في مهدها، والجميع خاضع وممتن لهذه الوحدة الربانية، وحيثما حل أحد من أفراد الأمة في أي بقعة من ديار المسلمين شرقا أو غربا شمالا أو جنوبا فهي وطنه وداره، لا يشعر بغربة أو ضيم، وله من الحقوق ما لسكانها، وعليه من الواجبات ما عليهم، ومكانته محفوظة بحسب جهده، فإن كان عالما فمع العلماء، وإن كان فاضلا فمع الفضلاء، أو تاجرا أو صانعا فمع فئته، وإن برز في شيء حفظ له حقه، وإن استحق الريادة والقيادة قاد المجتمع بكل خصائص القيادة دون انتقاص أو تذمر، وهذا معلوم بالضرورة، ولا يعتبره المسلمون منة أو تنازلا، بل هو استحقاق يقدَّم به على غيره، فهذا الإمام البخاري مثلا إذا حل في بغداد أو في المدينة أو في مكة فهو إمامها دون منازع، بل كان الناس يحرصون على استقطاب العلماء والحكماء وذوي الفضل لبلدانهم وأقطارهم لنشر العلم والإصلاح بينهم، ويولونه عليهم إن كان أهلا لذلك ولو تباعدت الأقطار، وينسبون إليها إذا حلوا فيها أسوة بأهلها.

وفي فترات التمزق والتشرذم ضعفت هذه الرابطة بسبب خلافات حكام وأمراء الأقاليم والمدن، ويظهر ذلك جليا في بلاد الأندلس حين اضطرب أمرهم، وتفرقت كلمتهم حتى طمع الأعداء فيهم فاستاصلوا شأفتهم بالتدرج مدينة مدينة وبلدة بلدة حتى أصبح الحديث عنهم وعن مآسيهم تسير به الركبان، فانطمست معالم الدين بعد أن كان شامخا في كل بلاد الأندلس، وقُضي على حضارة المسلمين في بلاد أوربا، وقتل المسلمون فيها شر قتلة، ومن بقي منهم أجبر على التنصر، ومن فر منهم إلى بلاد المسلمين لقي بعضهم فيها الأذى والنهب والسرقة لضعف الرابطة الإيمانية حينذاك، وفشو الجهل والعصبيات، ومع ذلك كان لهم ترحيب واسع وقبول في البلدان التي هاجروا إليها، وأصبحوا جزءا من كيانها، واستمر الحال في شتى بقاع المسلمين يعامل فيها المسلم كأحد افراد البلد الذي حل فيه تجارة وسكنا وزواجا وحقوقا وواجبات، ولا يخلو مكان وزمان من نعرات هنا وهناك.

وفي العصر الحديث حل بأمتنا الاستعمار الصليبي الذي عصف بها ومزقها شر تمزيق، فقسمها إلى دويلات وفق اتفاق المستعمرين في (سايكس بيكو) واصطنع حدودا مادية ومعنوية، فتعمق الشرخ في أمتنا،وصارت هذه الحدود حجرا محجورا، يبذل في حمايتها الغالي والنفيس، ويختلفون فيها على شبر من الأرض دون أي اكتراث بمعايير أخرى إلا ما صنعه لهم المستعمر، وحل الولاء والبراء للتراب محل الدين في مجمل الأمر.

وترتب على ذلك أن كل قطر نكب أو استعمر وغزي من قبل الأعداء فإنه يواجه مصيبته بمفرده ويقاسي أهله المرارة والأذى والقتل والتشريد والإهانة، ولا يجدون مكانا للفرار، ولا ناصرا قريبا أو بعيدا، إلا ما جادت به القرائح على استحياء، وفي نطاق لا يفي بالحاجة، ولنا في قضية فلسطين المثل الواضح، شعب مشرد وأرض محتلة ومعاناة دائمة عبرعقود من الزمن، ثم حل العراق ثانيا بتواطؤ خسيس من الصليبين وأعداء الأمة التاريخين الرافضة الباطنية الحالمين بأمجاد الإمبراطورية الفارسية، ومن قبله مصيبة لبنان، وهاهو الشعب السوري اليوم يُمسح به الأرض، وتكالب عليه أعداء الداخل والخارج، وهو هائم داخل بلده وخارجه، تتقاذفه الأموج في كل اتجاه، ويُساوم على دينه ليمهد له الطريق إلى يلاد الغرب، وهي مصيبة أخرى تلاحقه، لا تقل ضررا عما يعانيه داخل بلده من الباطنية وحزب الشيطان وطاغوت الصفويين، ويعاني مآسيه بمفرده إلا عونا لا يفي بالحاجة من أهل الضمائر الحية، وإن حل في أي بلد عربي أو مسلم فهو لاجيء وغريب.

هذا هو حالنا في عصر المدنية والانفتاح، وهو ما خطط له أعداء الانسانية بمكر ودهاء في الاتفاقية الاستعمارية سالفة الذكر وسيئته، ونحن نحافظ عليها بامتياز، وأعداؤنا في أتم السعادة لأنهم نجحوا في تمزيقنا دون عناء كبير، والكرة كما يقال في ملعبنا، ولا ينجينا من هذا الوضع البائس إلا توحيد صفوفنا وجهودنا وقوتنا على نور من الله القائل: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" والقائل: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" وهو بلا شك طريق طويل بحاجة إلى جهود متناسقة من حكامنا وعلمائنا وذوي الفكر منا، بل ومن عامة شعوبنا حتى تعود اللحمة إلى الجسد الواحد الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ويجب أن نعلم جميعا أننا مستهدفون أرضا وإنسانا ودينا، ومن سلم اليوم قد يأتي عليه الدور وإن تأخر، وحينها لا يجدينا المثل السائر (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) ويد الله مع الجماعة، والعاقل من اتعظ بغيره، ولعل بادرة خيربدت تلوح في الأفق من خلال عاصفة الحزم والأمل، وسيتبعها إن شاء الله تعالى جهود أعم وأعمق، وصدق ربنا "إن تنصروا الله ينصركم"، والله المستعان.

 

 

مشاركات نور سورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع