خير الله خير الله
تصدير المادة
المشاهدات : 4902
شـــــارك المادة
لا يفوت بنيامين نتنياهو، الذي سيزور موسكو قريبا، مناسبة لتأكيد رؤيته للحدود التي يريدها لاسرائيل. تشمل هذه الحدود قسما من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس، ومرتفعات الجولان. لم يعد مشروع نتنياهو، ولم يكن يوما سرّا. الجديد ان كلّ ما يفعله الآن، في ضوء التطورات التي تشهدها سورية، يأتي بتنسيق مع روسيا الموجودة عسكريا على الارض السورية.
لم يرد «بيبي»، كما يسمّيه الاسرائيليون، في أيّ يوم مفاوضات جدّية مع الجانب الفلسطيني. كان همّه، ولا يزال، منصبّا على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية من أجل خلق واقع جديد على الأرض من جهة وتطويق القدس من كل جانب من جهة أخرى.
قضى نتنياهو على خيار الدولتين، الذي نادى به المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتّحدة، منذ زمن. اعترض دائما على كلّ ما من شأنه التمهيد لتسوية معقولة ومقبولة تؤمن الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
الأكيد أن قوى فلسطينية مدعومة من الخارج مارست لعبة التطرّف والعمليات الانتحارية في مرحلة معيّنة من أجل وصول نتنياهو إلى السلطة في 1996 خلفا لإسحق رابين. مارست هذه القوى اللعبة المفضلة لليمين الإسرائيلي، وهي لعبة تقوم على مقولة أن «لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه».
انتهز «بيبي» مرور ما يزيد على خمس سنوات على الحرب الدائرة في سورية، وهي حرب يخوضها نظام أقلّوي في مواجهة مع شعبه، من أجل عقد جلسة لمجلس الوزراء في إحدى المستوطنات المقامة في الجولان المحتل منذ نصف قرن إلّا سنة واحدة. نعم منذ نصف قرن عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع وقبل وصوله إلى الاستفراد بالسلطة في العام 1970.
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي من الجولان أنه سيبقى إسرائيليا «إلى الأبد».
بقي الجولان تحت سيادة الدولة السورية المستقلّة أقلّ من ربع قرن، وهو تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ نصف قرن.
لماذا لم يفعل النظام السوري شيئا من أجل استعادة أرضه المحتلة طوال كلّ هذه المدّة؟
حسنا، كانت هناك حرب اكتوبر في العام 1973. اعتبرها النظام السوري انتصارا عسكريا، في حين وصلت القوات الإسرائيلية نتيجة تلك الحرب إلى أبواب دمشق.
كان أمام النظام السوري منذ انتهاء تلك الحرب، التي استثمرها سياسيا إلى أبعد حدود، خياران. إمّا استعادة الأرض بالقوّة وإمّا الدخول في مفاوضات كي يعود الجولان إلى أهله. فضّل النظام السوري حال اللاحرب واللاسلم. كان النظام السوري في كلّ وقت عاجزا عن الحرب وعاجزا عن السلم. فضّل المتاجرة بالجولان على أيّ شيء آخر. فضّل في الوقت ذاته اعتبار الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على إسرائيل. لذلك كان هناك دائما اتفاق ضمني بين النظام وإسرائيل على إبقاء جبهة جنوب لبنان جرحا مفتوحا يستفيد منه الجانبان في حين لم يعد عصفور يمرّ في سماء الجولان منذ توقيع اتفاق فكّ الاشتباك السوري ـ الإسرائيلي في العام 1974 برعاية «العزيز» هنري كيسينجر وزير الخارجية الأميركي وقتذاك.
رفض النظام السوري في كلّ وقت الدخول في مفاوضات جدّية من أجل استعادة الجولان. وهذا ما كان يناسب إسرائيل التي لم تعترض يوما في العمق على السياسة التي يتبعها هذا النظام. ففي مؤتمر مدريد للسلام الذي انعقد في أواخر اكتوبر 1991، بعد ثمانية أشهر من انتهاء الاحتلال العراقي للكويت، كانت هناك محاولة جدّية برعاية أميركا والاتحاد السوفياتي والاتحاد الاوروبي من أجل التوصل إلى تسوية شاملة.
كان الموقف السوري في ذلك المؤتمر من النوع المضحك ـ المبكي، إذ أقدم فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري وقتذاك، على عمل ذي طابع مسرحي يستهدف إظهار إسحاق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان يرأس وفد بلاده بأنّه ذو تاريخ إرهابي.
هل تاريخ شامير الذي كان عضوا في عصابة «ايرغون» سرّ عسكري لا يعرف عنه أحد شيئا باستثناء فاروق الشرع… أم أن همّ وزير الخارجية السوري كان محصورا في ذلك اليوم في الاستحواذ على رضا حافظ الأسد من جهة وتوجيه رسالة إلى إسرائيل من جهة أخرى؟
فحوى تلك الرسالة الموجّهة من وزير خارجية النظام إلى كلّ من يعنيه الأمر أن سورية غير مهتمّة باستعادة الجولان وأن الأولوية هي للمتاجرة بالهضبة المحتلة التي كانت حكومة مناحيم بيغن أعلنت في الثمانينات ضمّها رسميا بعد موافقة الكنيست على ذلك.
تبيّن في المدى الطويل، أي بعد نصف قرن من احتلال الجولان أن سورية والشعب السوري يدفعان ثمنا غاليا لنظام حكمهم بالحديد والنار وكان يختلق الحجج من أجل بقاء الاحتلال.
كانت إحدى الحجج اللافتة تلك التي استخدمها الأسد الأب في لقائه الأخير مع الرئيس بيل كلينتون في إبريل 2000، أي قبل شهرين من وفاة الأسد. تمسّك الأسد الأب في الاجتماع الذي انعقد في جنيف بانسحاب إسرائيلي إلى خط معيّن على ضفة بحيرة طبريا بحجة أنه كان يصطاد السمك هناك وأنّه لا يستطيع التخلي عن شبر من الأرض. راح عن باله أن مستوى المياه في البحيرة تقلص منذ ما قبل العام 1967.
في كلّ الأحوال، لم تكن إسرائيل ضدّ هذا الطرح، هي التي كانت دائما ضدّ إعادة الجولان، حتّى لو كان ذلك في ظلّ اتفاقات معيّنة. كانت تعرف أن النظام السوري سيجد مبررا لرفض كلّ عرض يعيد لسورية أرضها المحتلّة.
لم يكن الجولان يوما همّا لدى النظام السوري. كان همّه الوحيد البقاء في السلطة والمزايدة على العرب الآخرين وابتزازهم وصولا إلى تمكين الأب من توريث البلد لابنه في السنة 2000.
من الطبيعي أن تقبض إسرائيل حاليا ثمن استثمارها الطويل المدى في نظام لا يتردّد لحظة في خدمتها. خرّب هذا النظام سورية ولبنان. كذلك، أخذ الفلسطينيين من كارثة إلى أخرى بدليل توريطهم في حرب لبنان بين 1975 و1982.
منعهم طوال تلك المرحلة من الإقدام على أيّ خطوة يمكن أن تساعدهم في بلوغ حلم الدولة المستقلّة. جعلهم أسرى شوارع بيروت وازقتها وأداة في إبقاء الجنوب اللبناني جرحا نازفا، بدل استغلال الفرص المتاحة. ليس صحيحا أنّه لم تتوافر فرص أمام الفلسطينيين في مرحلة ما بعد حرب 1973 وفي عهد جيمي كارتر وبعد التوصل إلى اتفاقي كامب ديفيد في العام 1978. أحد الاتفاقين كان خاصا بالفلسطينيين في مرحلة كان عدد المستوطنات في الضفّة الغربية ما زال محدودا. هل من يريد أن يتذكّر ذلك؟
على الصعيد الإسرائيلي، يمكن القول أن النظام السوري أدّى كلّ المطلوب منه، خصوصا عندما لعب دورا أساسيا في تمكين إيران من تعميق الشرخ المذهبي في المنطقة. لذلك، يأتي اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي في الجولان وما تلاه من كلام لبنيامين نتنياهو تطورا أكثر من طبيعي وفي السياق المنطقي لتطور العلاقة بين النظام وإسرائيل، مع ما يعني ذلك من استمرار للاحتلال.
كان هذا الاحتلال في كلّ يوم وطوال أقلّ بقليل من نصف قرن خير معين لنظام أخذ على عاتقه تحويل السوريين عبيدا لديه وسورية مجرّد مزرعة لدى العائلة الحاكمة.
الرأي الكويتية
أنور مالك
بول شاوول
ربيع الحافظ
حسان الحموي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة