..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

عزيزي فلاديمير… سورية تتفسّخ

غازي دحمان

٢ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3125

عزيزي فلاديمير… سورية تتفسّخ
000 بوتين واوباما.jpg

شـــــارك المادة

متأخراً، أكثر من اللزوم، وصل خبر تفسّخ سورية إلى مسمع الرئيس الأميركي، باراك أوباما. استغرق المنادي وقتاً دام خمس سنوات ليعبر المحيط الأطلسي، أو ربما جاء أميركا بالعكس عبر المحيط الهادي، بعد أن عبر براري آسيا، ويصل إلى عتبة حديقة البيت الأبيض، معلنا أن بلداً في المشرق العربي، واسمه سورية، يتفسخ بسرعة. حينذاك، لم يضيع أوباما الوقت، ويبدو أنه لم ينتظر الاستفسار عن الأمر من مستشاريه، ومن المختصين في شؤون الشرق.

اتصل مباشرة وعبر الخط الساخن بنظيره الروسي، والدهشة تعقد لسانه، وبالكاد استطاع إكمال حروف جملته الصاعقة “سورية تتفسخ يا عزيزي فلاديمير”.
وبعيداً عن تحليل الموقف والحالة العاطفية التي كان عليها أوباما، لحظة إبلاغه فلاديمير بوتين هذا الخبر، ثمّة ما يلفت بالصياغة الكلامية لهذا البلاغ، إذ من المنطقي أن تكون العبارات أكثر عقلانية، وتتفق مع سياق الأزمة وتطوراتها وتحولاتها، كأن يقول مثلاً “الأمور تتطور بشكل خطير في سورية” أو “أنّ التداعيات التي سيرتبها فشل عملية التفاوض ستكون خطيرة”. بذلك، يكون التقدير متناسباً بدرجة كبيرة مع الوقائع، فالمنطقي أن فشل المفاوضات يؤدي إلى تدحرج الأوضاع، نحو درجة أسوأ، لكنه لا يصل هكذا وبشكل فجائي إلى حد تفسيخ البلد دفعة واحدة.
تكشف هذه المبالغة العاطفية والكلامية عن استهتار كبير بالملف السوري ومجرياته، وعن استعجال في تصدير الموقف، فالرئيس الأميركي لا يكلف نفسه حتى العناء في اختيار المصطلحات المناسبة لتوصيف الحدث. وبالتالي، فإن أي كلام حاضر في البال قد يكفي للتعبير، الأمر كله يدخل في إطار بيع المواقف، فتوقيت صدور التصريح يظهر أنّ الرجل أراد إرسال رسالة إلى دول الخليج التي كانت طائرته تتجهز للإقلاع صوبها. إنه مهتم ومتابع للأزمة السورية، ويكن تجاهها فائضاً من القلق والإحساس بالمسؤولية، فلا يزاودن أحدٌ عليه، وكأنه يقول: سجل إني مهتم بالموضوع السوري، في حين كشفت تعبيراته عن انقطاع مديد، بحجم غفوة طويلة وسبات عميق، ذلك أن سورية دخلت مرحلة التفسخ من زمن طويل.
ليس ذلك وحسب، بل لم تحصل عملية تفسّخ سورية مصادفة، ولا بشكل فجائي، بل تمّت وفق عملية ممنهجة ومنظّمة، أخذت مداها، وكل مدماك كان ينهار من بنية سورية كانت واشنطن وموسكو على علم بتوقيت انهياره، وكانتا تستثمران سياسياً وإستراتيجياً في ذلك الانهيار، كل وفق حساباته ومخططاته.

في كل مراحل الانهيار، كان أوباما يدّعي أنه يستحيل وقف هذا الانهيار، تلك ثورة أطباء ومهندسين وصيادلة، لا يمكن المغامرة والاستثمار فيها لوقف الانهيار. ولذلك، قمع أوباما حتى المحاولات التي أجراها مستشاروه وموظفون في الخارجية و”سي. أي. أي”، لتقييم الوضع في سورية واقتراح خيارات وبدائل للتعامل معه، وانتهى الأمر بوقف أوباما عمل تلك اللجان التي تذكّره بالوضع السوري ومخاطره وتداعياته الداخلية والإقليمية.
ويلفت غوردن براون، المستشار السابق لأوباما لشؤون الشرق الأوسط، في مقابلته مع مجلة“ذا اتلانتك” إلى أن أوباما، وفي أثناء الأزمة الكيماوية، وتخطي بشار الأسد الخطوط الحمراء التي وضعها، قرّر أن يتحدّى ” قوانين اللعبة” المعمول بها أميركياً، ويجرب أن لا ينفذ تهديده، ويحل الأزمة الخاصة بالخطوط الحمر، عبر استخدام تكتيكات سياسية مختلفة، على الرغم من أن تلك المعالجة ترتّب عليها تشريع قتل مئات آلاف السوريين، وتهجير الملايين، وتشريع تحويل سورية إلى مختبر علني لأسلحة روسيا وتدريبات جيوش إيران، إلا أن أوباما يفتخر بنجاحه بتلك التجربة، ويعتبرها إحدى أهم إنجازاته، في وضع يشبه كثيراً الطرفة الشعبية المتداولة في المشرق العربي، والتي تقول إن رجلاً من العامة ذهب إلى إمام المسجد، وسأله يا إمام هل تصح الصلاة بدون وضوء، فأجابه الإمام بالنفي القطعي. عندها قال الرجل للإمام: وما رأيك أنني جربتها وصحّت.
الغريب، وبعيداً عن كل ما فعله أوباما، والذي ربما لا يرى فيه سبباً لتفسخ سورية، أنه لا يرى زميله بوتين مشمراً عن ساعديه، ويقوم بتقطيع الذبيحة السورية وتوزيعها حباً وكرامة، فهذه القطعة للغالي صالح مسلم، لكي يصنع عليها فيدراليته، وتلك للحليف الإيراني، تصلح جسر عبور بين العراق ولبنان، أما الجولان فقد طلبها العزيز نتنياهو بلسانه، تلك ليست مواصفات بلد يتفسخ، على الأقل في هذه الحالة تتفق المكونات على حدودها الجديدة، وعلى شكل العلاقة المستقبلية وطبيعة الالتزامات المترتبة على كل طرف، إنما هذه عملية نحر لأضحيةٍ في عز النهار، وعلى عينك أيها العالم.
ثم إن التفسخ عملية سياسية في آخر المطاف، تولّدها رغبات واتجاهات سياسية، وتحكمها اعتبارات قومية وطائفية، وأيضاً تنظّمها إتفاقيات وتفاهمات معينة، صحيح أنه من حيث المظهر تبدو وكأنها عملية عشوائية، لكنها تتفق عند الحد الأدنى، وهو حدود الدم وانتشار المكون، أما ما يحصل في سورية فهو عملية ”زعرنة” موصوفة، إذ ماذا تعني محاولات التفلت الروسية للقضاء على مكونات المعارضة التي هي ليست سوى ممثل للبيئات التي تريد روسيا تدميرها بحجرها وناسها؟
يا عزيزي فلاديمير، نجحت لعبتنا في سورية، وكان توافقنا مثالياً، وأنا جربت وأنت تدربت، وأريد أن نهنئ أنفسنا على هذا النجاح، تقديري ومودتي، هذه الرسالة الصحيحة التي كان على باراك إبلاغها لفلاديمير، وليس عبر الهاتف، بل عبر احتفالية في حديقة البيت الأبيض، لكنه مكر السياسة، يا عزيزي.

 

 

 

العربي الجديد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع