أحمد رحال
تصدير المادة
المشاهدات : 3260
شـــــارك المادة
ما حدث في جنوب حلب والحرب التي خاضها الثوار هناك والتكتيكات التي اتبعتها فصائل الثورة, يٌمكن أن تفتخر بتدريسها أرقى المعاهد والكليات العسكرية في العالم.لم تكن حرباً لجيوش نظامية, ولم تك حرب عصابات, بل كانت أسلوباً جديد خلط بين كل فنون القتال ليخرج بحلة جديدة قلبت المفاهيم وأطاحت بكل المبادئ العسكرية وشتت دفاعات “الأسد” وحلفائه وفرضت نصراً ثورياً استطاع قلب الطاولة على كل من تربص بحلب شراً, فهوت على أم رأسه بضربات متزنة جعلته يتفرق فراداً وجماعات غائباً عن صوابه ليسأل ما الذي حدث وكيف؟؟؟
تكتيكياً يمكن قراءة الأحداث العسكرية بقراءة كلاسيكية تقول:
ثورياً كانت هناك تحضيرات متكاملة في الخطوط الخلفية مع تكتم شديد ومتقن شمل كل أنواع التأمين العسكري والميداني, من تأمين لوجيستي إلى قتالي إلى الشحن المعنوي, يرافقه استطلاع ميداني أحكم نقاط القوة والضعف وحدد محاور التحرك وطرق الاقتحام وراقب كل المتغيرات والتبدلات على مسرح الأعمال القتالية, مع تمويه وإخفاء باحتلال خطوط الانطلاق ومحاور التقدم, مع تكتيك لا تسلكه إلا الجيوش النظامية المتمكنة وذات القدرات الأكبر (بعكس الواقع وحسب نسبة القوى والوسائط بين الثوار وميليشيات الأسد وحلفائه), فأن تقتحم في قلب عدوك فهي الجرأة بحد ذاتها, لكنها الجرأة المبنية على الثقة المفعمة بالإرادة والقدرات وليس المقامرة, ومن ثم التوسع نحو المجنبات لكنس ما تبقى من ميلشيات العدو وتمشيط وتنظيف المواقع ومن ثم تأمين ثغرة للوصول إلى حي “الشيخ سعيد”, إنها المعادلة الخارقة للخطة التي اتبعها الثوار وأبدعوا بتنفيذها.
عملية فك الحصار عن المناطق المحاصرة وفق المراحل الثلاث الأولى من خطة هدفها الإستراتيجي تحرير مدينة حلب, والتي أنجزها الثوار في ستة أيام وكان مخططاً لها عدة أسابيع, مما يدلل وبوضوح على دقة التنفيذ وانضباطية المقاتلين وحرفية عملهم, وبنفس الوقت يعطي صورة واضحة عن الانهيار السريع في الخطوط الدفاعية لكل المرتزقة التي استقدمها “بشار الأسد” وأيضاً تٌبرز التفكك والتهلل الذي لحق بمنظومة القيادة والسيطرة التي هرب ضباطها قبل عناصرها, ومعها بدأ سيل الاتهامات بين مكوناتها, حزب الله اتهم ميليشيات “الأسد” بالتخاذل, وإيران اتهمت البقية بالهروب والجبن, ورغم تفرقهم وتشتتهم فالشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه هو نكران الهزيمة والتضليل الإعلامي الذي اتبعوه لإخفاء خذلانهم رغم أن عشرات بل مئات القتلى التي تم ترحيلها للضاحية الجنوبية وطهران والساحل السوري كشفت كذبهم, حتى فبركات مسرحياتهم الإعلامية استقبلتها حاضنتهم الشعبية بالمسخرة ووصفتهم بالنفاق والكذب.
مع انزياح شمس اليوم السادس كانت كامل تلال المنطقة الجنوبية الحلبية محررة, ومعها الكتلة النارية من المدفعية التي كانت تشكل نقطة ثقل النظام في حلب عبر كلية المدفعية وكتيبة البيانات وكلية التسليح والكلية الفنية الجوية, فكلها أصبحت من غنائم الثوار مادياً وجغرافياً, وكان قد سبقها سيطرة “جيش الفتح” و”غرفة فتح حلب” على تلة المحروقات وقرية الشرفة والعامرية وحي وكراجات الراموسة ومشروع (1070)شقة.
الهجمات المعاكسة التي حاول نظام “الأسد” القيام بها مع حلفائه لتحقيق نصر حتى لو جزئياً أو إعلامياً كلها باءت بالفشل, فالهجوم الذي شنه من معمل الإسمنت (وهو آخر المواقع التي يحتفظ بها جنوب المنطقة المحررة) باتجاه تلة المحروقات تلقى فيها درساً لن ينساه وحتى الطيران الروسي الذي أراد إنقاذ الموقف واستخدام القنابل الفوسفورية فقد أصاب معمل الإسمنت الذي اشتعلت النيران بخزانات وقوده (الفيول) نتيجة هذا القصف وكذلك بفضل رمايات الثوار عليه, أما الهجمات التي شنها “حزب الله” من “أكاديمية الأسد للعلوم العسكرية” والتي استهدفت “الدباغات” و”سوق الجبس” و”مشروع1070″ فقد تعرضت لكمين محكم من قبل الثوار أطاحت بقيادات من “حزب الله” وكان مصيرها فشلاً ذريعاً زاد من عدد قتلاهم وسبب مزيداً من الإحراج أمام حاضنتهم.
وقبل أن تهدأ غبار المعركة وتتجلى عن حجم الانتصار الذي حققه ثوار الثورة السورية في جنوب حلب والتي توجت بفك الحصار “عسكرياً” عن المدينة, أعلنت غرفة عملياتهم مباشرة عن بدء المرحلة الرابعة والتي تعتبر أحد المراحل الست التي تحقق الهدف الاستراتيجي المتمثل بتحرير حلب حسب خطة عمليات الثوار.
المرحلة الرابعة التي بدأت بإعلان مناطق حي “صلاح الدين” و”ضاحية الحمدانية” و”مشروع 3000″ شقة كمناطق عسكرية, وهذا الإعلان كان بمثابة بدء خطة التحضيرات وليس بدء العمليات القتالية, فالمنطقة تحتاج لإعادة تموضعات وإعادة تحضير وتوزيع قوى وبناء خطوط الدفاع واستطلاع متجدد, وهذا يفسر الهدوء النسبي الذي طال المنطقة والذي فسره البعض توقفاً للأعمال القتالية, ومنهم من ربطه بزيارة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” للعاصمة الروسية “موسكو”.
غرفة عمليات الثوار أعلنت عن مفاجآت وتوعدت بما لا يسر خاطر “الأسد” وحلفائه, وصيرورة الأعمال القتالية السابقة عودتنا إن وعدوا صدقوا, فلهم من السوابق ما أقلق “طهران” و”الضاحية الجنوبية” أكثر مما أقلق عصابات “الأسد” و”موسكو”, والمعارك لها احتمالات ومحاور متعددة, فقد تكون شمالية عبر محور “الكاستيللو” وقد تكون جنوبية عبر المنطقة العسكرية التي تم إعلانها لاقتلاع أكاديمية “الأسد”, وقد تكون من ضمن حلب وداخل أحيائها, وكل تلك المحاور قادرة أن تكون أرضها مسرحاً لأعمال قتالية قادمة, ووحدها غرفة عمليات الثوار من تحدد وقت ومكان وتكتيك البدء والانطلاق.
الحشود تتوالى إلى حلب, والتعزيزات تتزايد عدة وعتاداً, ميليشيات النظام عززت بكتائبها التي سحبتها من كثير من المناطق على حساب الجبهات “النائمة” كالجبهة الجنوبية (مثلاً), وكذلك “حزب الله” الذي استقدم الكثير من ميليشياته المتواجدة في القلمون والبقاع, وذكرت وكالة “فارس” أن حزب الله استقدم مجموعة من قواته الخاصة المتمثلة بـ”كتيبة الرضوان” وهي كتيبة النخبة التي يمتلكها والتي وصلت للحمدانية ومثله فعلت حركة “النجباء” العراقية, وكذلك فطائرات الشحن الإيرانية لم تتوقف رحلاتها عبر مطار “النيرب” وهي قادمة مباشرة من “طهران” لتنقل عناصر “الحرس الثوري” الإيراني و”فيلق القدس” وكي تحمل جثث قتلاها في طريق العودة إلى إيران, أما “روسيا” فقد زادت من عديد طائراتها العاملة في قاعدة “حميميم” حسب بعض تسريبات المعارضة الروسية وكذلك دعمت عملياتها الجوية عبر القاذفات الإستراتيجية الـ”تو_22″ والتي تقلع من روسيا مباشرة لتصب حمولتها في شمال سوريا وفوق حلب بالتحديد.
الثوار بالتأكيد ليسوا بعيدين عن رصد تلك المتغيرات وهي في مرمى رصدهم واستطلاعهم ووضعوا هذا العمل ضمن قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (173) آل عمران.
وبالتأكيد لدى الثوار ما يواجهون به تلك الحشود غير المسبوقة مع آلاف الثوار والكتائب والفصائل التي توجهت لتشكل مؤازرة وتعزيزات منقطعة النظير وصلت وتصل لجبهات القتال في حلب, ومن كل الأماكن مع انغماسيين ومعدات, مع تحضيرات ومفاجآت أخرى يحتفظ بها الثوار, والمعلومات تقول أنها ستكون مفاجآت من العيار الثقيل في تكتيكها ومكانها لن يحتملها “الأسد” ولا حلفائه وستكون وبالاً عليهم وستجعلهم يندمون على الساعة التي قدموا فيها إلى ساحات حلب.
حتى الآن يفتخر الثوار أنهم أنجزوا مهمتين:
المهمة الأولى: أنهم كسروا الحصار الذي أرادت موسكو وطهران والضاحية الجنوبية من جعله ورقة مساومة على بقاء “الأسد” في السلطة أو جعل حصار حلب ورقة قوة لهم على طاولة المفاوضات إذا ما كانت هناك نسخة جديدة من مؤتمر “جنيف”.
المهمة الثانية: أنهم أوقفوا وأفشلوا “الخيار العسكري” الذي اعتمدته “طهران” لتصفية الثورة السورية تأكيداً لتصريحات “قاسم سليماني” ورغبته بالسيطرة على حلب, ومن خلال توعد “نصر الله” بـ”معركة حلب الكبرى”, بعد أن استطاع الثوار في معركة حلب من قلب الطاولة على رؤوسهم وإثبات قدرة وتمكن وإصرار وبراعة الثوار في المواجهة والقدرة على التحكم بالمعركة وأنهم الرقم الصعب الذي يستحيل تجاوزه بأي قرار يتعلق بمستقبل سورية وشعبها, وهذا أمر اعترفت به “واشنطن” عندما قالت” معركة حلب لا يمكن لأحد الأطراف حسمها” بغمز واضح لموسكو وطهران.
كل المعطيات تقول: القادم أصعب مما فات.
وكل المعطيات تؤكد إصرار الثوار على الحسم.
وكل المعطيات ترجح انتصاراً قادماً للثورة.
فهل تكون هناك وقفة من المجتمع الدولي والدول الفاعلة بالعودة لتطبيق قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة, والذهاب إلى انتقال سياسي حقيقي يبعد “الأسد” وزمرته المجرمة عن سماء وأرض سورية, ونتفرغ لبناء سورية الموحدة بكل مكوناتها وفق القرار الدولي 2118, وبدون أي جولات من مفاوضات عبثية تكون مهمة “بشار الجعفري” في نهايتها تصفير العداد والعودة لنقطة البداية؟؟؟
أم تبقى ساحات القتال هي الفيصل في معارك استنزاف تنتصر فيه إرادة الشعوب التي لا تعرف الكلل والملل؟؟
كلنا بالانتظار …
كلنا شركاء
عمر كوش
محمد أحمد الزغبي
الرشيد
صفاء مهنا
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة