عبد المنعم زين الدين
تصدير المادة
المشاهدات : 3428
شـــــارك المادة
قد يستغرب بعض القرّاء من العنوان، فالعدو قد أنهى احتفالاته بالسيطرة على حلب، والثوار قد خرجوا منها، والأهالي قد هجّروا منها، نعم لكن هل تساءلنا عن نسبة سيطرته من كامل مساحة المحافظة؟ نعم لقد روّج أن الهدف القادم هو إدلب، مع أنه لا يسيطر -حتى بعد تقدمه الأخير- إلا على نسبة 15 بالمائة من محافظة حلب، فلا تزال أحياء منها كجمعية الزهراء، بالإضافة إلى أن ريفها الغربي والشمالي والجنوبي تحت سيطرة الثوار، فيما ريفها الشرقي تحت سيطرة داعش.
لا شك أن طعم الهزيمة مرٌ ومؤلم، وما حصل في حلب لا يمكن اعتباره نصرًا للثوار بحال من الأحوال، وإن كان أيضًا لا يمكن أن يكون نصرًا للعدو، فقد أخذ مدينة مهدّمة بعد مجازر إنسانية، وجرائم إبادة، ختمها بجريمة التهجير القسري لأبناء المدينة، التي أرخت بظلالها على معنويات أهلنا في المناطق المحررة عمومًا، وفي إدلب وريف حلب خاصة.
غير أن الجانب الأهم في الموضوع، هو ما بدأ العدو بترويجه عن نقل المعركة إلى إدلب، وهذا ما صرّح به "دي ميستورا" حين قال: "إن الآلاف الذين غادروا المناطق الخاضعة للمعارضة في حلب الشرقية، ذهب كثير منهم إلى إدلب التي يمكن أن تصبح حلب التالية".
ولعل العدو قد استفاد من تفوقه في الحرب النفسية الإعلامية في حلب، والتي كان لها الأثر الأكبر في التراجع، فقرر متابعة هذه الحرب عبر أبواقه الذين احترفوا استفزاز مشاعر الثوار والأهالي في المناطق المحررة، عبر بثّ مشاهد تتضمن الشماتة بدخول المحتلين إلى معاقل الثوار، والتهديد بمتابعة تقدمهم كما صنع البوق "حسين مرتضى" الذي ظهر مؤخرًا في طيارة "ميك" معطلة وهو يهدد بقصف إدلب ضاحكًا.
المؤسف أن هذه التهديدات الفارغة، لقيت بعض الأصداء عند بعض المتابعين لها في المناطق المحررة، خاصة المحبطين منهم، والذين لم يجيدوا التعامل مع الأزمة السابقة، وقد ظهر هذا في بعض المناقشات التي علّقت على قصف الطيران الروسي اليوم على مناطق في ريف حلب الغربي وإدلب، بأن "العدو بدأ يمهد على إدلب".
مع أن هذه المناطق هي من ريف حلب، ناهيك أن المتابع للأوضاع يدرك أن هذه المناطق لم يتوقف عنها القصف يومًا، إلا في اليومين السابقين بحجة تسهيل إخراج المدنيين من حلب، وعاد الأمر لسابق عهده، من القصف اليومي المألوف، الذي لم يحقق تقدمًا طوال الفترة السابقة.
دعونا في البداية نؤكد أن الخطر على الثورة ككل قائم منذ مدة، وأن جميع البلدات مهددة بالاجتياح والسيطرة في ظل التخاذل الدولي عن لجم الاحتلالين الروسي والإيراني، وهذا ما يجب أن يدفعنا للاستعداد الدائم، والجاهزية التامة للمواجهة، لكن دعونا نؤكد على أن الأمور ليست كما يصورها العدو.
لقد تراجعنا في حلب لأسباب عدة، لا تتوافر في غيرها، أهمها: الحصار مع كثافة السكان وانعدام الموارد، وتزاحم الأبنية والافتقار لمساحات واسعة تمكّن الناس من النزوح، مع ضعف الخبرة القتالية في المعارك الهجومية لعناصر الفصائل داخل المدينة الذين اعتادوا التموضع في المكان، إضافة لانعدام الرعاية الطبية وتحول المصابين إلى مشروع شهادة، مع انعدام وسائل الدفاع المدني التي دُمرت، كل هذه الأسباب غير موجودة في الريف، وهذا ما يجعلنا لا نتفق في إسقاط ما جرى من تراجع في المدينة على الريف وإدلب، خاصة إذا أضفنا تماسك الحاضنة الشعبية في الريف.
وإذا أردنا أن نحافظ على ما في أيدينا من ريف حلب وإدلب، دون أن نسمح للعدو بتوسيع سيطرته فعلينا الالتزام بالأمور الآتية: أولًا: من الناحية العسكرية: على الفصائل ألا تنخدع بوهم التصريحات والمؤتمرات والبيانات والاجتماعات السياسية التي تتحدث عن وقف إطلاق النار، لتصرفنا عن المعارك، وتشغلنا عن الإعداد، فالعدو ماكر خبيث، يضرب في الميدان، ويتلاعب بالسياسة، وعلى الفصائل أن تبادر للهجوم فهو خير وسيلة للدفاع، وأن تختار توقيت المعركة ومكانها الأنسب، قبل أن تُفرض عليها من قِبل العدو، وأن تأخذ زمام المبادرة قبل أن تنشغل بالصدّ والدفاع، كما أن عليها أن تهتم بإعداد الشباب المقاتلين في معسكرات تدريبية متواصلة، وأن تهتم بالتحصين وبناء خطوط دفاعية عدّة، وأن تستفيد من أخطاء المعارك السابقة.
ثانيًا: من الناحية السياسية: على الفصائل ألا تدخل في مفاوضات مع أية جهة، دون أن تعتمد جسمًا سياسيًّا مفاوضًا، ذا خبرة ومصداقية في السياسة، وعليها أن تمتنع عن المقابلات الخاصة التي تبغي الاستفراد بكل فصيل واستضعافه لسلب قراره، وعليها ألا تعول على السياسة دون الميدان، فعلى قدر صمودها ونجاحها في الميدان، تكون قوتها على الطاولة، ومن الخطأ الجسيم الذهاب إلى أي طاولة مفاوضات دون أن تكون فوهة البندقية والمدفع تضرب معاقل العدو وتدك ثكناته، وتهدد مراكزه.
ثالثًا: من الناحية الإعلامية: على الإعلاميين ألا يقعوا في فخّ العدو، الذي يستهدف النيل من معنويات أهلنا، وعزيمة ثوارنا، عبر حربه الإعلامية القذرة، وأن يكونوا حذرين من تبني رواية العدو التي يبالغ فيها بحجم انتصاراته، كما أن عليهم أن يتبنوا سياسة رفع المعنويات، وتشجيع العاملين الصامدين بذكر تضحياتهم وبطولاتهم، وحشد الشباب للمواجهة، وعدم التسليم بخسارة المعركة مسبقًا أسوة بما جرى في حلب، وعليهم ألا يستسلموا لوهن الهزيمة وألا يسوّقوا لقوة العدو، وألا يروجوا مواد إعلامه المستفز، الذي يبغي التثبيط وإحباط الهمم.
رابعًا: من الناحية الشرعية: على الدعاة وطلاب العلم، أن يحشدوا الشباب للنفير في كل القرى والبلدات، وأن يعيدوا روح الثورة والجهاد في نفوس الشباب، في ظل عزوف كثير من الشباب عن حمل السلاح، نتيجة أسباب عدة منها أخطاء الفصائل، والركون للدنيا، والتراجع النفسي، والتعويل على حلول تقدمها الدول لنا، فواجب الدعاة أن يبينوا للشباب خطر القعود، وإثم التخاذل، وأن البديل عن الجهاد هو الذل والهوان، وسيطرة العدو على ديارنا وطردنا منها، وإذلال أهل السنة، وسيطرة الميليشيات الشيعية على مساجدنا ومنابرنا، وتغيير هوية شامنا، فعلينا ألا ننتظر قدوم العدو إلى ديارنا، فما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذُلوا.
خامسًا: من الناحية الاجتماعية: علينا أن نزيد من تماسك الحاضنة الشعبية مع الثوار، فالمصير مشترك، والجميع في مركب واحد، وعلى الهيئات المدنية والمنظمات والفعاليات والجمعيات أن تؤمن أكبر قدر من وسائل الصمود، من توفير الملاجئ في كل حي وقرية، وإعداد كوادر مدنية احتياطية، في الإسعاف والعلاج وغيره، وأن تساعد الثوار في مهمة التحصين، وتأمين خطوط الدفاع.
لا شك أننا إن عملنا بهذه النصائح، فسنتجاوز أهم منعطف في الثورة، وسنكون أقوياء نفرض شروطنا على الدول، وفي هذا الإطار لا بد من الإسراع في وحدة الفصائل ضمن جسم واحد، يضمن لها القوة، واستثمار الإمكانات، وقوة الموقف إزاء الضغوط، مع وحدة القرار، وكسب الحاضنة الغاضبة من فرقة الفصائل.
فالعدو أضعف مما يسوّق لنفسه، خسائره لا تكاد تحصى، وداعموه في ورطة، يريدون الخروج منها، وقد أدركوا أنه زائل لا محالة، وما يقومون به إنما هو تأخير للسقوط، كي يضمنوا أكبر قدر من الإفادة من وجوده كورقة ضاغطة لضمان المصالح.
مدونات الجزيرة
مجاهد مأمون ديرانية
أبو عزام الأنصاري
نور الدين قرة علي
حسن قاطرجي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة