مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3286
شـــــارك المادة
أقسمُ بالله لولا أن الأمر جلل وأن مصير سوريا ودماء شهدائها وتضحيات ثوارها باتت في مهب الريح ما باليت بما يقول الرجل ولا كلفت نفسي عناء الرد عليه، وإني أعلم حجم "الترسانة التشبيحية" التي لا ينجو من أذاها مَن يمسّ العتبات الكريمة، لكني أتصور موقفي بين يدي الله وسؤالي عن علمٍ علمتُه فكتمته، فإذا ملكَت هذه الصورةُ عليّ نفسي لم أملك إلا أن أكتب وأنشر ما أدين به الله.
* * *
انتشر في غرف التلغرام سجال صوتي طويل بشأن الاندماج المزعوم (وإنما أسميه مزعوماً لأنه في حقيقته ابتلاع للفصائل وليس اندماجاً بينها، على ما فصّلناه أنا وغيري في مقالات كثيرة سابقة). السجال دار بين المحيسني مؤيداً للاندماج الابتلاعي، والقائد حسام أبي بكر معارضاً له ومؤيداً لاندماج حقيقي يحقق مصلحة الثورة. وقد أوضحَ أن حركة أحرار الشام التزمت باتفاق سابق مع الفصائل، ونقضُ الاتفاق لا يجوز، بل هو خيانة لا يُقْدم عليها صاحب دين ولا يقوم بها رجل يحترم نفسه ورجولته.
قلت: إذا كانت الخِطبة على الخطبة لا تجوز، وإنما يلحق أذاها المرأةَ وأسرة المرأة، وهم آحادُ أفرادٍ فحسب، فما بالكم باتفاق فوق اتفاق يتأثر به عشرات الآلاف من المجاهدين ويلحق أذاه ملايين السوريين؟
ثم أوضح أن الحركة اختارت عدم المُضيّ في المشروع المقترَح مع جبهة النصرة لأنه يستثني عدداً من الفصائل ويستقطب الساحة، ولأن الحركة أوشكت أن تتصدع وتفقد نصفها بسببه، بمعنى أن ينشق عنها نحو اثنَي عشر ألف مقاتل، لأنهم يرون أن الاندماج مع الجبهة التي آوت قَتَلة قائدهم دبوس الغاب وحمت الجُناة وأبت تقديمهم لمحاكمة شرعية، وما تزال تُؤويهم وتحميهم إلى اليوم، يرون أن اندماجاً من هذا النوع جريمة تخالف العقل والشرع والخلق الكريم.
لا يمكن لمن يسمع هذا التعليل إلا أن يقتنع به، بل إنه سيقول: اندماجٌ هذا ثمنُه وهذه نتائجه حرامٌ حرامٌ حرام، أما المحيسني فإنه لا يمكن أن يقول ذلك، لأنه لا يستطيع أن يحرر نفسه من التعصب لفصيله المفضَّل ولا من الولاء لقائده المختار! فلم يجد إلا أن يردّ رداً مضلّلاً حاول أن يُقنع فيه مستمعيه بأن الاندماج مع النصرة مصلحةٌ معتبَرة متحققة وأن عَدَمه مصلحة مرسلة مقدَّرة، ثم قفز إلى النتيجة الحتمية: إننا نَزِنُ المصالح عند التعارض فنختار المتحقّق منها وندع المقدَّر، فصار الاندماج بجبهة النصرة واجباً شرعياً بهذا الاعتبار.
إن ما ذكره المحيسني هو ما يسميه المَناطقة "مصادرة على المطلوب"، بمعنى أن المُحاور يقدم مقدّمة تحوي ضمنياً إثبات ما يسعى إلى إثباته، وهذا نوع من أنواع التضليل العقلي. فهو هنا يفترض أن الاندماج بالنصرة مصلحة متحققة، ويتجاوز هذه الفرضية وكأنها حقيقة مقطوع بها ليسأل: أليس ترك المصلحة المتحققة والعدول عنها إلى المصلحة المقدَّرة مخالفةً شرعية وجنايةً على الثورة؟
ونحن نعود إلى الوراء خطوة قبل هذا السؤال: أثبت أولاً أن هذا الاندماج مصلحة متحققة، ثم أثبت أن انشقاق اثني عشر ألف مقاتل عن الأحرار مصلحة مقدرة. وهل اندماج الفصائل دون النصرة مصلحة مقدرة أم مصلحة متحققة؟ ولماذا تكون التضحية باندماج مع جبهة النصرة خسارةً للثورة ولا تكون التضحية باندماج مع جيش الإسلام خسارةً مماثلة؟ إن جبهة النصرة وجيش الإسلام متقاربان عدداً، إلا أن النصرة تنتشر في الشمال الذي يمكن أن يعيش النظام مئة عام مستغنياً عنه، والجيش في العاصمة التي إن سقطت سقط النظام. فأيهما أهم للثورة؟
وأخيراً نسأل: أي اندماج هذا والجولاني يريد أن يصادر أسلحة الفصائل كلها ويجعلها في يده؟ وأي اندماج وهو يريد أن يسيطر على العمل السياسي؟ إذا سيطر على السلاح وتحكّمَ في السياسيين فماذا بقي من الثورة خارجَ سيطرته وسلطانه؟
لن أذكّر المحيسني بتاريخه مع داعش التي روّج لها وجمع لها المال والرجال ولا بسكوته عن بغي النصرة وجند الأقصى، فهو أعرف مني بتاريخ نفسه، أما حسام فأعرفه وأشهد أنه من خيرة المجاهدين خلقاً ونبلاً وصدقاً واستقامة، وهو -فوق ذلك- ممتلئ بالغَيرة على الشام وأهل الشام وثورة الشام، فلا محل للمزايدة عليه بحال.
لقد انتظرنا وانتظرنا طويلاً موقفاً حازماً للمحيسني من بغي النصرة وجند الأقصى، ثم من إيواء الأولى للثانية ودفاعها عن القتلة والمجرمين. يا ليته يذمّ البغاة والمعتدين بربع ما ذمّ به الفصائل المعارضة لمشروع الابتلاع، أو يُظهر من الحماسة لإحقاق الحق ربع ما أظهره لتسويد الجولاني وتسليمه مقدّرات الثورة ومفاتيح الشام.
قلتها للمحيسني من قبل وأكررها اليوم: قل إنك تريد بيع الثورة لجبهة النصرة وأرحنا من عناء التحليل والتقدير. ونحن نقول: لا، لن نبيعها للنصرة ولا للقاعدة، لن نبيع ثورتنا للسواد من صفحة الكاتب على فايسبوك
طارق الحميد
حازم صاغية
حافظ قرقوط
أحمد أرسلان
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة