أحمد أبازيد
تصدير المادة
المشاهدات : 2910
شـــــارك المادة
في الذكرى الخامسة لتأسيسها 24/1/2017م بدأت “جبهة فتح الشام” (جبهة النصرة سابقاً) حملة واسعة ضد الفصائل الثورية في الشمال السوري، استمرت عدة أيام حتى تم الإعلان عن تشكيل “هيئة تحرير الشام” في 28/1/2017م كاندماج ما بين جبهة فتح الشام وحركة الزنكي ومجموعات أصغر بقيادة هاشم الشيخ قائد حركة أحرار الشام سابقاً، لتعلن الهيئة الجديدة وقف القتال، وإن استمر بوتيرة متقطعة على الأرض.
ولم تكن هذه الحملة الأولى التي تقوم بها جبهة النصرة ضد الفصائل الثورية في الشمال السوري، حيث بدأت الحملة الأولى بعد إعلان الجولاني في تسجيل مسرب إقامة “إمارة إسلامية” نهاية تموز 2014م واستمرت حتى نهاية شباط 2015م ونتج عنها تفكيك عدة فصائل كبيرة (أهمها: جبهة ثوار سوريا، جبهة حق، ألوية الأنصار، حركة حزم) إضافة لتوسيع نفوذ الجبهة وفرض سيطرتها على مسافة كبيرة من الشريط الحدودي مع تركيا وكسر هيمنة تشكيلات الجيش الحر في الشمال، وبدأت الحملة الثانية بعد إعلان الهدنة وموجة المظاهرات الشعبية (ذات الطابع الثوري الأقرب للجيش الحر) في آذار 2016م، فهاجمت جبهة النصرة الفرقة 133 في معرة النعمان ثم جيش التحرير (وكلاهما من تشكيلات الجيش الحر)، ولكنها واجهت هذه المرة ردة فعل شعبية وإعلامية عنيفة، نتج عنها توقف الحملة وتحولات في خطاب النصرة ومحاولة التأكيد على انتمائها للثورة السورية واستخدام مصطلحات وطنية، وقبل الحملة الثالثة شاركت جبهة فتح الشام (ج.ن سابقاً) بالتحالف مع حركة الزنكي ومجموعات أصغر في الهجوم على “تجمع فاستقم” داخل مدينة حلب المحاصرة (2/11/2016م) والسيطرة على مستودعاته. ورغم تكرار حملات جبهة النصرة الميدانية ضد الفصائل الثورية، والاستمرارية الدائمة لحملاتها الإعلامية بتخوين هذه الفصائل، إلا أن الحملة الأخيرة تأتي ضمن أهداف وسياق خاص وضمن محاولات الجولاني المستمرة منذ إعلان فك الارتباط بتنظيم القاعدة لنيل “الاعتراف” -الشعبي والدولي- به كفصيل محلي وسلطة أمر واقع ضمن المعادلة السورية. في 28/7/2016م أعلن زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني عن تأسيس “جبهة فتح الشام” وأن التنظيم الجديد لا علاقة له بأي جهة خارج سوريا، كإعلان عن فك الارتباط بتنظيم القاعدة، وإن كان قد تم إخراج فك الارتباط إعلامياً بإظهار رضا تنظيم القاعدة عنه لتبرير الأمر للعناصر المؤدلجين، وإن كان هذا لا يخدم إقناع الخصوم المحليين أو الدول بحقيقة فك الارتباط، وقد انشقت عدة قيادات قديمة عن الجبهة بعد ذلك احتجاجاً على فك الارتباط ولكن حافظ الجولاني على تماسك تنظيمه.
بعد فك ارتباطه بالقاعدة دعا الجولاني مباشرة إلى مشروع لتوحد الفصائل واندماجها ضمن جسم واحد، باعتبار أن الفصائل كانت ترفض التوحد معه من قبل لارتباطه بتنظيم القاعدة، واستمرت الاجتماعات خلال شهر آب 2016م، وكانت الفصائل الرئيسة المدعوة هي فصائل جيش الفتح مع مجموعات أصغر، وعارض الجولاني وجود جيش الإسلام وصقور الشام في التأسيس، وإن كان قبل بعد ذلك ضمن شروط، وبالمقابل واجه دعوة من أحرار الشام ومن شرعيين (طلبة العلم) إلى مشروع يتضمن توحد كل الفصائل وهو ما عارضه، وفشلت المحاولة الأولى للاندماج ضمن الفصائل المحلية. كان مشروع الاندماج في الحقيقة هو حلّ الجولاني للخروج من “ورطة” ارتباطه السابق بالقاعدة وذلك بأن يورط الفصائل المحلية وداعميها معه في اندماج يفرض أمراً واقعاً ويتصور أنه سيجبر الدول على التعامل معه وقتها. أعلن “جيش الفتح” عن معركة كسر الحصار الأولى عن مدينة في 31/7/2016م ونجحت المعركة بفتح ثغرة إلى الأحياء المحاصرة في 6/8/2016 ولم يلبث النظام خلال قرابة شهر أن استعاد كامل المنطقة التي تقدم عليها جيش الفتح وفصائل الجيش الحر، وكان إعلان المعركة بعد فك الارتباط لإثبات الفاعلية العسكرية لجبهة فتح الشام وقدرتها على تغيير المعادلة، وهو ما لم تستطع أن تثبته أيضاً في معركة كسر الحصار الثانية (28/10/2016) حيث أعاد النظام جميع مواقعه خلال أسبوعين.
وفي أيلول 2016م أعلنت جبهة فتح الشام مقتل قائدها العسكري (أبو عمر سراقب) بغارة جوية للتحالف الدولي رغم أن التحالف لم يعلن عن هذه العملية، وكان أسامة نمورة (المعروف باسم أبو هاجر الحمصي أيضاً) هو الذي قاد حملات جبهة النصرة ضد فصائل الجيش الحر، كما كان القائد العسكري لتحالف جيش الفتح، ولكن مقتل القائد العسكري للحملات وانشقاق عدد من القيادات المتشددة (الأردنية خاصة) لم يكن كافياً لبناء الثقة مع باقي الفصائل وإقناع الدول أن جبهة فتح الشام فصيل محلي معتدل ويحمل مشروعاً مختلفاً عن جبهة النصرة. وفي تشرين الأول 2016م بعد فشل معركة كسر الحصار الأولى وتكثيف روسيا القصف على المدينة وتقدم قوات النظام على مداخلها الشمالية (مخيم حندرات)، قدمت روسيا بالتفاهم مع تركيا مبادرة للفصائل في حلب تتضمن وقف إطلاق النار وفتح معبر تجاري مقابل خروج مقاتلي جبهة فتح الشام من حلب، وهو ما رفضته الجبهة (رغم أن عدد مقاتليها داخل حلب حوالي 200 عنصر فقط) ورفضت الإعلان عن عدم وجودها داخل المدينة أيضاً، وكان رفض الجولاني في حقيقته هو رفض أن يقبل بنفسه معاملته كفصيل “إرهابي” معزول عن الفصائل المحلية الأخرى، ولو كانت نتيجة ذلك على الجميع، وهو ما حصل بعد فشل معركة كسر الحصار الثانية أيضاً وبدء النظام حملته الأخيرة التي أدت لانهيار دفاعات الثوار في المدينة حتى توصلت المفاوضات بين الفصائل وروسيا في أنقرة إلى اتفاقية خروج الفصائل من المدينة مقابل خروج دفعات جرحى من بلدتي كفريا والفوعة (13/12/2016). وخلال تنفيذ الاتفاقية (التي لم تحضر مفاوضاتها أو توقع عليها جبهة فتح الشام بطبيعة الحال)، قامت الجبهة عدة مرات بعرقلة مرور حافلات كفريا والفوعة، ولم تنجح الفصائل الأخرى بأن تمنعها من الأمر، وكانت مناسبة لتظهر الجبهة نفوذها على الأرض وأنها الطرف الأنسب للاتفاق معه.
في 2/11/2016م، وخلال معركة كسر الحصار الثانية، تحالفت جبهة النصرة مع حركة الزنكي وفصائل أصغر في الهجوم على تجمع فاستقم (أكبر تشكيلات الجيش الحر ضمن المدينة) والذي أعلن انضمامه لحركة أحرار الشام تجنباً لاستكمال عملية استئصاله، وتلا الهجمة فرض “مجلس قيادة حلب” والذي قدم واجهة جديدة يغلب عليها الطابع الجهادي للمدينة التي كانت أهم مراكز هيمنة الجيش الحر في الشمال، ثم قامت الجبهة بالتنسيق مع حلفائها بالهجوم على عدة تشكيلات أصغر (جيش الإسلام، فيلق الشام) وترهيب غيرها، وقد كان هذا السيناريو التجريبي مشابهاً لطريقة الجولاني في الحملة الأخيرة قبل إعلان “هيئة تحرير الشام”. بعد سقوط حلب تجددت الدعوة إلى توحد الفصائل المقاتلة، وكان لدى الفصائل الثورية في الشمال (ومعها حركة أحرار الشام) مشروع للتوحد ضمن هوية ثورية وطنية معتدلة، إلا أن الجولاني طرح مشروعاً للاندماج تكون القيادة العامة فيه لقائد أحرار الشام علي العمر، ويكون هو القائد العسكري، ويكون توفيق شهاب الدين (قائد حركة الزنكي) رئيس الشورى وتندمج الفصائل الأخرى ضمن هذه الهيكلية، ويكون من شروط التشكيل قطع العلاقات مع غرفة الموم ودرع الفرات، وهو المشروع الذي وافق عليه قائد أحرار الشام في البداية إلا أنه انسحب منه لاحقاً واعترضت عليه فصائل أخرى ما أدى لعرقلة طموح الجولاني للاندماج ضمن الفصائل المحلية مرة أخرى. في 23/1/2016م تم عقد لقاء الأستانة، ما بين وفد الفصائل الثورية ووفد النظام السوري برعاية روسية تركية، وكان حضور اللقاء من قبل الفصائل بعد نقاشات شائكة في أنقرة توافق الغالبية في نهايتها على الحضور بينما قررت حركة أحرار الشام المقاطعة، وكان أحد المخاوف الرئيسية للفصائل هو أن يكون حضورها المؤتمر حجة لدى جبهة فتح الشام لكي تقوم بحملة ضدها، وهو ما يجعل حملة فتح الشام ضد تركيا وأوراقها السياسية في مواجهة روسيا، بقدر ما هي ضد هذه الفصائل.
وبعد الترويج عبر الإعلام وضمن العناصر أن الفصائل وقعت على قتال جبهة فتح الشام في الأستانة، بدأت حملة الجولاني الأخيرة (24/1/2017م) بمهاجمة “جيش المجاهدين” في ريف حلب الغربي و”الجبهة الشامية” في المثلث الشمالي (عندان، حريتان، كفر حمرة) و”صقور الشام” في جبل الزاوية وقامت بحشد بشري ثم قصف مدفعي مكثف على معسكرات “تجمع فاستقم” و “جيش الإسلام” في منطقة بابسقا المطلة على معبر باب الهوى، وهذه الفصائل كانت تخطط لإعلان اندماج قريب فيما بينها، ويجمع ما بينها وضوح أكبر في هويتها “الثورية” والوطنية وفي معارضتها للتنظيمات “الجهادية” ومشاركتها القوية في قتال تنظيم جند الأقصى (خاصة جيش الإسلام وصقور الشام وتجمع فاستقم)، عدا عن حضورها معاً مؤتمر الأستانة في كازاخستان. وقد أعلنت هذه الفصائل انضمامها لحركة أحرار الشام بعد يوم واحد من الهجوم، كمحاولة لم تنجح لوقف الهجمة عليها، واستطاعت جبهة فتح الشام (كانت القوة الضاربة من قاطع البادية ومن جند الأقصى رغم إعلان فصلهم قبل يوم واحد من قبل فتح الشام) أن تسيطر على مستودعات الجبهة الشامية في الريف الشمالي ومستودعات جيش المجاهدين في قرية الحلزون (وكلاهما مدعوم من غرفة الموم)، ولكنها واجهت مقاومة عنيفة وخسائر بشرية في جبل الزاوية ورغم تقدمها على عدة قرى يسيطر عليها صقور الشام ولكن لم تستطع أن تحسم المعركة حتى إعلان وقف إطلاق النار، وشاركت مجموعات من أحرار الشام (مجموعات حماة وسهل الغاب خاصة) في صد هجوم جبهة النصرة ولكن كان واضحاً أن قسماً ليس قليلاً من أحرار الشام لم يشارك في المعركة وفضل النأي بنفسه. وقد تضمن بيان جبهة فتح الشام في نهاية اليوم الأول من الحملة مبرراتها لحملتها على الفصائل بأنه لإفشال “مؤامرة الأستانة” وأن الفصائل وافقت على عزل وقتال جبهة فتح الشام بعدما قدمت الجبهة كل التنازلات للاندماج معهم ولكن رفضوا “إرضاءً للداعم” وكذلك “كشفوا ظهورنا للتحالف الدولي” (وذلك لأنهم رفضوا الاندماج وتوحيد القرار والمصير مع الجبهة)، وأن الأستانة تجاوز الساحة ومن يملك القوة فيها، وأن الحملة بهدف تأسيس “كيان سياسي وعسكري”. خلاصة أراد الجولاني، من خلال حملته الأخيرة بعد مفاوضات الأستانة ومن خلال خطواته السابقة في مفاوضات حلب، إثبات أنه القوة المتحكمة على الأرض والتي يجب الاتفاق معها، وأنه قادر على عرقلة المشاريع السياسية في حال تهميشه، ويحاول الجولاني تجنب عزله من خلال سعيه المستمر للاندماج مع الفصائل الثورية المحلية (حيث سيبقى هو قوة وازنة في أي مشروع) وإشراكها معه في مصير واحد وفرض أمر واقع أمام الدول ما قد يعطيه –حسب تصوره- حصانة من الاستهداف وبوابة نحو العمل السياسي، وتكرر بيانات الجبهة الحديث عن توحيد المكاتب والقرار السياسي لتأكيد فك ارتباطه بتنظيم القاعدة واستعداده لمرونة في العمل السياسي أو لعدم عرقلته مقابل الاعتراف به وإخراج تنظيمه من دائرة الاستهداف على الأقل، وهذه المرونة الضمنية أمام الخارج يقابلها تشدد مع خصومه الثوريين في الداخل. وباستمرارية هجمات “هيئة تحرير الشام” على الفصائل المختلفة والسيطرة على المستودعات والعتاد (حتى التي انضمت لأحرار الشام) يبدو أن سياسة الجولاني مع الفصائل هي: القضم ما دام ممكناً. بينما يفرض الواقع الجديد تحدياً أمام قوى الثورة السورية عامة، وحركة أحرار الشام خاصة، حتى لا يضمحل اللون الأخضر من خارطة الشمال السوري لصالح مشروع “تحرير الشام” غير محسوم التصنيف، ودون وجود مشروع مقابل بهوية ثورية وطنية معتدلة فإن إدلب وريفها مهددة بالخروج مع فصائلها من المعادلة السياسية لصالح معادلة حرب الإرهاب.
عصام عبد الشافي
عمار البرادعي
القدس
أحمد بن فارس السلوم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة