عماد الدين خيتي
تصدير المادة
المشاهدات : 12246
شـــــارك المادة
ما أشبه اليوم بالبارحة! في عام 1435 / 2014م طُرح سؤال هل تنظيم (الدولة) من الخوارج؟ وكان التنظيم وقتها يرفع صوته بالجهاد في سبيل الله، وإقامة الدين، وتهديد الروافض واليهود والصليبيين، أفرادُه يطلقون لحاهم، ويرددون عبارات الكفر والهزء بالطواغيت، بعضهم جاء من أقاصي الدنيا (مهاجرًا) تاركًا أهله وماله في سبيل الله، وآخر متفانٍ في العبادة، وثالث شرس في القتال.. فكيف يُقال إن هؤلاء خوارج؟ كان مجرد التفكير بالسؤال ضربًا من الخيال، وحينها صدر عن عدد من أهل العلم والجهات العلمية مواقف وفتاوى تميط اللثام عن حقيقة القوم، ومنها فتوى هل تنظيم (الدولة الإسلامية) من الخوارج؟ المشكلة مع الخوارج أنَّهم يرفعون شعارات دينية، ويتكلّمون بأحكامٍ شرعية، ويرددون آياتٍ وأحاديث، فالفتنة بهم شديدة عظيمة، تجعل التباس أمرهم على الناس شديدًا، وتمييزهم عن غيرهم في غاية الصعوبة؛ لذا ورد في التحذير منهم أكثر من عشرين حديثًا، لم يُحذَّر فيها من فرقة أخرى قط كما حذَّر من الخوارج، ولم يُفصِّل كما فصَّل فيهم ببيان صفاتهم الشرعية، وشبهاتهم العقدية، بل وسماتهم الشخصية، وطبائعهم النفسية. وجاء التأكيد على بعض الأمور التي قد ينخدع بها الناس كالاجتهاد في العبادة: (لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ)! وكثرة استشهادهم وترديدهم لآيات القرآن والسنة النبوية: (يَقْرَؤوونَ الْقُرْآنَ)، (يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا)، (يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ). وينظر في بقية هذه الصفات في مقال (صفات الخوارج في السنة النبوية)
وفي العصر الحاضر: انضمّ إلى ما سبق فتنتان أخريان تزيد من خفاء أمر الخوارج على العامّة، وهما: 1- أنَّ الناس قد اعتادت أن ترى العدو الشرير هو من يعادي الإسلام ويتطاول على أحكامه وشعائره، ويحتقر مقدساته، كما هو معهود عبر عشرات السنين من الطبقة العلمانية في المجتمعات الإسلامية، يسارية كانت أم ليبرالية، أم ملحدة، لكن أن يكون من أعلن (التوحيد والبراءة من الطواغيت) هو العدو المفسد، فهذا جديد! 2- رمي أنظمة الاستبداد والقمع في الدول الإسلامية للحركات الإسلامية: الدعوية منها والمجاهدة بوصف الخوارج، سيرًا على سنّة المستعمرين قبلهم، الذين كانوا إذا أرادوا تشويه سمعة مجاهدٍ، أو عالمٍ، أو داعيةٍ، أو مصلحٍ قالوا: خوارج! فأصبح رمي من ظاهره التدين والصلاح والجهاد بالخروج سمةَ المستعمرين والحكام المستبدين، ففقد اللفظ حقيقته ومصداقيته عند الكثيرين، وأصبح علامةً على حرب الفاسدين للمجاهدين والمصلحين!
من هو الخارجي؟ من الشُّبه التي أثيرت حول وصف جماعات الغلو المعاصرة (كداعش) بالخوارج: أنَّ الخوارج هم من يكفّر المسلمين بالكبيرة، وأن الخوارج هم من خرجوا على الحاكم المسلم، وهذه الجماعات لا تُكفّر بالكبيرة، ولم تخرج على حاكم مسلم، فكيف توصف بأنها خوارج؟ وقد أُجيب عن هذين السؤالين بأن هذين الوصفين المذكورين غير لازمين في وصف الخوارج، وإنما الخوارج هم: - كل من يكفّر المسلمين بغير حق، ويستحل دماءهم ولو لم يعتقد كفر مرتكبِ الكبائر. - كل من خرج عن الدين الصحيح، وفارق جماعة المسلمين وخرج عليها بالسلاح. وفي الفتوى السابقة تفصيل ذلك.
فهل تنظيم (الدولة) من الخوارج؟ أيقن الجميع بعد هذه السنوات أن تنظيم (الدولة) تنظيمٌ خارجي، وخاصة ممن عارض تسميتهم بذلك في البداية، وأقذع في الاعتراض والرفض، لكن بعد أن قتل المجاهدين، ودمَّر البلاد، وأسلم مناطق الثورة للنظام.. فهل من معتبر؟ علاقة تنظيم (هيئة تحرير الشام) بالقاعدة: في هذه العجالة لن أتحدث عن حقيقة انفصال الهيئة عن القاعدة، وتنقلها في مسميات عديدة من: جبهة النصرة، ثم الاستعلان بالانتماء للقاعدة فأصبح اسمها: جبهة النصرة-تنظيم القاعدة في بلاد الشام، ثم الدخول في تحالف "جيش الفتح"، و"جيش الفسطاط"، ثم تغيير الاسم إلى جبهة فتح الشام، ثم هيئة تحرير الشام. فهذه خدعة لم تنطلِ إلا على من جهل حال هذه التنظيمات وأفكارها.. وقد سار الجولاني بهذه الخطوة على سيرة أسياده من قبله: الظواهري وزعماء القاعدة في العراق: فالظواهري أمير تنظيم (الجهاد) استطاع استمالة ابن لادن بتحالف (الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين)، ثم خطا خطوة أشد عندما (حلَّ) تنظيمه (الجهاد) وبايع ابن لادن لينشأ تنظيم القاعدة، متلبسًا بأفكار الظواهري ومنهجه. وفي العراق: ظهر تنظيم (التوحيد والجهاد)، والذي تغيّر إلى (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين)، ثم (مجلس شورى المجاهدين)، ثم (دولة العراق الإسلامية)، انتهاء بـ (الدولة الإسلامية) وإعلان الخلافة. فإعادة تشكيل الجماعات تحت أسماء مختلفة مما اعتادت عليه جماعات الغلاة المعاصرة بغية التمويه في معتقداتها ومرجعيتها، والتخلص من تاريخها الحافل بالإجرام، وإيهام الآخرين بتطورها واستيعاب شرائح أوسع من المجتمع؛ مما يجعلها تُقدِّم نفسها على أنها الأكبر حجمًا، والأكثر عددًا، وبالتالي الأكثر مشروعية.
هل تنظيم (هيئة تحرير الشام) من الخوارج؟ منذ أن ظهرت جبهة النصرة في سورية وهي تُعلن انتماءها الفكري والتنظيمي للقاعدة، وهي ابنة شرعية لـ (الدولة) ومنظرو هذا الفكر معروفون، ومنتجاتهم منتشرة، وآراؤهم معلنة، وعلى رأسهم: الظواهري، وأبو حمزة المهاجر، والبرقاوي (أبو محمد المقدسي)، ومحمود عمر (أبو قتادة الفلسطيني)، واللجان الشرعية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وغيرهم. وقد احتوى تنظيم القاعدة -أصل تنظيم (الدولة)- معظم عقائد وأفكار التنظيمات السابقة، ومنه ورثت القاعدة عقائدها وأفكارها كجماعات (الجهاد) المصرية، و(الجيا) الجزائرية، ونحوها، وأهم هذه الأفكار والمعتقدات ما يلي: (رغبة في الاختصار ولوجود منتجات قادمة سأقتصر على المسائل دون استشهاد بأقوال هؤلاء): 1- تكفير جميع حكومات الدول الإسلامية بحكامها ووزرائها وبرلماناتها وكبار موظفيها، وقضاتها، واعتبارها حكومات شرك وردة، ووجوب قتالها. 2- الحكم على جميع البلاد الإسلامية أنها بلاد كفر وردّة حتى مكة والمدينة. 3- تكفير جميع الأجهزة الأمنية في الدول الإسلامية بما فيها الجيش والشرطة، والطوارئ، وحرس الحدود ..إلخ، ووجوب قتالهم. 4- إسقاط جميع علماء المسمين، ووصفهم بأنهم سدنة الشرك، وأنصار الطواغيت ..إلخ، وإباحة قتلهم بأبشع الطرق، ومنهم من كفّرهم. 5- ادعاؤهم أنهم الجماعة الحق الواجبة الإتباع، وأنهم المقصودون بالطائفة المنصورة، ومنهم سيخرج المهدي وفيهم ستكون الخلافة الراشدة. 6- الحكم على جميع الجماعات والحركات الإسلامية المجاهدة والدعوية في العالم أنها جماعات بدعة وضلال وإرجاء، وأنها معينة للطواغيت وحكام الردة، وعميلة لمشاريع أجنبية؛ لذا ينبغي إجبارها على البيعة، ومن يرفض فيقاتل. 7- اعتبار جميع الشعوب الإسلامية جاهلة ضالة، ساقطة العدالة، لا تملك الأهلية لإقامة الدولة أو اختيار الحاكم، فضًلا عن حمل المشروع، لذا يجب إجبارها على الدخول في مشروع هذه الجماعات ولو بالإكراه لتقوم بواجب (الجهاد) مهما بلغت التضحيات. 8- كل من تعاون مع الأنظمة التي يصفونها بالردة والشرك وعمل معها واستعان بها فهو كافر مرتد مباح القتال. 9- الحكم على كل من دعا إلى الديمقراطية بالكفر والردة، وإباحة قتاله، وكذا كل من رفض مشروعهم وعارض منهجهم. 10- الحكم على كل من دخل أو عمل في المؤسسات والمنظمات العالمية، بالكفر والردة. 11- إباحة قتل المسلمين الآمنين بحجة (التترس) في تفجيراتهم وعملياتهم التي يقومون بها. 12- استباحة دماء المعاهدين مِن الذّمّيين والمستأمنين بحجّة عدمِ صحّة عقد الذمّة أو الأمان مِن الحكومات؛ لأنها كفرية طاغوتية بزعمهم. وما سبق هو أصول المسائل وروؤسها فحسب، أما تفريعاتها العقدية والفقهية وتطبيقاتها فهي تمتدُّ لسائر مسائل الدين. وليعلم من استفزه تسجيل (أبو اليقظان) ليبحث عن حكم القاعدة (تحرير الشام): أَّنَّ ما تفوه به هذا المجرم إنما هو غَرفة من بحر القاعدة، وقد قرَّر قادة التنظيم كالجولاني وغيره ما هو أخطر منه، لكن للحدث المفجع الحالي وقعه. وبهذا الحكم صدر مؤخرًا بيان المجلس الإسلامي السوري: بيان بشأن جبهة النصرة (فتح الشام)
إذًا: ما الفرق بين تنظيم (الدولة) والقاعدة؟ لسائل أن يقول إذا كانت القاعدة قد حكمت على تنظيم (الدولة) بالخارجية، وحصل بينهما انفصال، فهل يصح رمي القاعدة بها؟ وهل بينهما تشابه؟ الجواب: رمي جماعةٍ لأخرى بالخارجية لا يجعلها من أهل السنة، فسيرة الخوارج منذ القدم العداوة فيما بينهم، وانشقاق جماعاتهم، فلا تكاد تستقيم لهم طريقةٌ إلا ويكثر المنشقون عنها، والاقتتال بينها؛ وهذا راجعٌ إلى طبيعة فكر الغلو وما يحمله في طياته من التشظِّي وكثرة الاختلاف وادعاء احتكار الحق، ولا تزال هذه سنّة الغلاة منذ القدم، قال ابن حزم في "الفصل": "ولهذا تجدهم يُكفِّر بعضهم بعضًا عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق الفُتيا وصغارها، فظهر ضعفُ القوم وقوةُ جهلهم". فلا ينبغي الاغترار بانشقاق البغدادي عن الظواهري، ولا العريدي وأبي خديجة عن الجولاني، ما لم تحدث توبة حقيقية صادقة، وعودة إلى دين الأمة وصفوفها؛ لأنَّ خلافهم ليس على أصول المعتقدات والأفكار. كما أنَّ فِرَق الخوارج بعضها أشدّ انحرافًا من بعض، ولا يعني هذا سُنّية من خالف الأشد ضلالاً. أما الفرق بين تنظيم (الدولة) والقاعدة: فها هي أفكار القاعدة التي سبقت الإشارة إليها: هل يجد القارئ اختلافًا بينها وبين أفكار التنظيم؟ إنَّ الفروقات بين التنظيمين تكاد تنحصر في: 1- استعجال تنظيم (الدولة) لمشروع الخلافة قبل انتهاء القاعدة من مشروع (إدارة التوحش)، وهو ما أجج الصراع على القيادة بينهما. 2- مصداقية تنظيم (الدولة) في إعلان كافة أفكارهم ومعتقداتهم بصراحةٍ ودون مواربة، واكتفاء القاعدة بإعلان جزءٍ منها، وإخفاء بقيتها للمجالس الخاصة والمقربين. 3- تناسق أحكام تنظيم (الدولة) التطبيقية مع أصولهم الفكرية في عدد من المسائل، بينما توقفت القاعدة عن بعض هذه التطبيقات والتي لا تكاد تصل إلى العشرة بالمئة من مجمل المعتقدات. 4- زيادة استثمار الأنظمة والاستخبارات في (داعش) لتحقيق أهداف أعمق وأخطر. وأخيرًا... أيها المخدوع بالقاعدة لجهادها في أفغانستان: إنَّ أوائل المجاهدين العرب لم يكونوا من القاعدة، بل كان التكفيريون معزولين عن بقية المجاهدين، غالبهم في الصفوف الخلفية لإثارة الفتن وامتحان الناس، مخترقين من الاستخبارات، حتى التف كبيرهم الظواهري على ابن لادن وغيّر منهجه وطريقته. أيها المخدوع بالقاعدة لجهادها في العراق: إنَّ القاعدة بين بقية الفصائل وسائر الشعب العراقي لم تكن إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، لكنه الإعلام صانع الغلاة، وها قد وظفهم المستعمرون وأذنابهم في القضاء على الجهاد العراقي كما يوظفون (تحرير الشام) في سورية. أيها المخدوع بالقاعدة لكون أتباعها من المجاهدين العابدين: إنك لم تر شيئًا! ارجع إلى التراث وانظر في سيرة الخوارج: شعارات أقوى من شعارات هؤلاء، ومطالبات بتحكيم الشرع أشد من هؤلاء، وعاطفةٌ جياشة تُبكي الصخر لم توجد عند أكثر هؤلاء، وبلاغة وشعر يعجز عنه الكثير من الفصحاء، وقوة وعنف يعجز عنه كثير من الشجعان، فهل غيَّر ذلك من حكم الصحابة وأهل العلم فيهم؟ أيها المخدوع بالقاعدة لمعاداتها للمستعمرين الجدد وأذنابهم: إنَّ هؤلاء المستعمرين والأذناب هم أكثر المخترقين والمؤثرين في هذه الجماعات بطريقةٍ أو أخرى، ولا يضرهم شتمها لهم، أو بعض عمليات (الوخز) التي تقوم بها؛ فهي من ضرورات استكمال المشهد وتكثير الأتباع.
أيها المخدوع بالقاعدة لقتلها بعض الأعداء .. إنَّ ما قتله (داعش) من الميليشيات الشيعية والكردية أضعاف ما قتلته (تحرير الشام) من النظام السوري(*)، وإنَّ العبرة ليست في كمية القتل، بل في المنهج الذي تسير عليه هذه الجماعة، فما فائدة قتل آلاف الأعداء إن صاحبه قتل المجاهدين الصادقين، وإنهاء ثورة الشعب الصامد، ثم كان عاقبة ذلك تدمير البلاد وعودة النظام لهذه المناطق بحجة مكافحة الإرهاب؟ أيها المخدوع بالقاعدة .. إن لم تقتنع بما سبق، ولم تقنعك فتاوى وأقوال سائر أهل العلم في العالم الإسلامي منذ عشرات السنين: فأحسن الله عزاءك في نفسك، وتوجه إلى الله بطلب الهداية؛ فإنَّه ما ترك شخصٌ طريقة العلماء ورثة الأنبياء إلا كان من أهل الضلالة.. والحمد لله
------------------------ (*) يدرك المتابعون لسير العمليات العسكرية بين (داعش) والميليشيات الشيعية والأكراد أنَّ قتلى هذه الميليشيات بعشرات الآلاف، وما ذلك إلا لرغبة المستعمر الجديد في إضعاف طرفي النزاع، فيدير الصراع بحيث يخرج حلفاؤه منتصرين لكن مجهدين مثخنين بالجراح، شبابهم بين قتيل ومعاق، وأرضهم مدمرة، وأسلحتهم معطوبة، كما كان يفعل في حرب الخليج العراقية الإيرانية؛ ليبقوا إليه محتاجين، وتحت حذائه مستظلين.
محمد بسام يوسف
محمد نور حمدان
فايز الصلاح
عامر الهوشان
مقال مميز جدا نفع ربي بك
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة