..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الطريق إلى أبوة صالحة ..

خالد روشه

٣٠ سبتمبر ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5835

الطريق إلى أبوة صالحة ..
136142014328169 كن مثقفأ.jpg

شـــــارك المادة

أمل تحقيق الأبوة الصالحة هو أمل كل مؤمن صالح، تزوج ابتداء بنية تكوين بيت مؤمن، وإنجاب ذرية طيبة صالحة نافعة..
ولطالمنا بنى كل مؤمن في مخيلته قصورا مشيدة من مستقبل طيب مشرق مع أبنائه وبناته، وتصور أن يخرجوا عباقرة ناجحين ، وعلماء أفذاذاً ، وقادة صالحين ..

وظل الاب طوال حياته يجهد نفسه ويتعبها ويبذل المقدور من نفسه ومن ماله ووقته وخبرته، ليضعها على طبق مزين لأبنائه ليستفيدوا بها، لكن الواقع المؤلم عادة يفسد تلك الأحلام، ويقطع ذلك الاسترسال في الأمل، فيفجع الآباء في كثير من الأحيان بأبناء منحرفين أومستهترين أوتافهين أو مرضى نفسيين أو فاشلين ..أو غيره.
وعندئذ يطل السؤال الأشهر والأهم برأسه ، لماذا تفشل أبوتنا في أن تكون أبوة صالحة ناجحة؟

إن كثيرا من الإجابات تحمل الأبناء المسؤولية الكبرى في ذلك، وتعود باللوم على الأمهات وعلى المجتمعات وغيرها، ولاشك أن كل هذه العناصر مؤثرة، لكننا ههنا نحاول أن نمعن النظر في دور الآباء خصوصا ونراه أساسا مهما ورئيسا في نجاح بناء الأبناء، فالإنسان بطبيعته يحتاج إلى نموذج تطبيقي حي أمامه حتى يتصور الفعل الإيجابي المعين والسلوك الموجه فيصدق به ويتمثله في حياته، لذلك أرسل الله تعالى المرسلين وأمرنا بالاقتداء بهم: "أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده"، "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر..."، فالفعل أبلغ من القول، وفعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل.
والقدوة الصالحة من أعظم المعينات على تكوين العادات الطيبة حتى إنها لتيسر معظم الجهد في كثير من الحالات، والأبناء في بداية شبوبهم يحبون المحاكاة والتشبه في السلوك والحديث وردود الأفعال، ولو خرج الأبناء فوجدوا نماذج طيبة صادقة قريبة منهم في بيوتهم لخرجوا يحاكونها بغير جهد يذكر.

ولعل من بركة توجيهاته صلى الله عليه وسلم لصلاة النوافل في البيوت وألا يجعلها الناس قبوراً فضل كبير الأثر في اقتداء الأولاد بذلك، فقد روى أبو داود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "خير صلاة الرجل في بيته إلا الصلاة المكتوبة"، وقال: "تطوع الرجل في بيته يزيد عن تطوعه عند الناس كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده" صحيح الجامع.
لكن الأبناء في استقائهم الخلق وتشربهم بالسلوك، لا يقنعون بمجرد الظاهر منها، بل يتعدون ذلك إلى مستويات أعمق بكثير مما يظن الآباء، فالأب يعيش في بيته على طبيعته بغير تكلف، وهو الأمر الذي يجعله يتصرف بما وقر في حقيقته وداخليته، والولد يقلد أباه فيما رآه منه على الحقيقة لا على التكلف، والأبناء يلحظون الصغير الدقيق من السلوك والأخلاق، كما يلحظون كبيرها، وتؤثر فيهم صغائر الأحوال كما تؤثر فيهم كبائر الوقائع.
والأب الصالح هو صاحب القلب السليم من الشبهات والشهوات، المقدم الآخرة على الدنيا، الباذل جهده في إرضاء ربه، المسارع للصالحات، المجتهد في تعلم العلم النافع وتطبيقه والعمل به، وهو كذلك الكريم في عطائه لولده العادل مع أبنائه، البار بوالديه، المتميز في عمله المتقن له، الأمين في تعامله، النافع لمجتمعه، الإيجابي في سلوك .. وغير ذلك من الفضائل
كذلك فالأب الصالح الناجح هو الأب الرحيم العطوف بأبنائه وأسرته، الذي يمنحهم الحب والعطف والحنان، ويشملهم برعايته ويحتويهم بقلبه الكبير، ويشعرون معه بالسعادة والأمان.
والأب القاسي هو المتسبب الأول في الأمراض النفسية لدى أبنائه، والمشجع الأول على الأمراض القلبية لهم من غل وحقد وحسد وحب ذات وغيره.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة في رحمته وعطفه، وملاطفته الصغار وملاعبتهم والتبسط معهم والتحبب إليهم وعدم العبوس في وجوههم، فقد روى مسلم عن عبد الله بن جعفر: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى يدخلنا المدينة ".
وروى ابن ماجة عن يعلى بن مرة "خرجنا مع النبي _صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام فإذا حسين يفر ههنا وههنا ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبله".
وروى الشيخان قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من وجد أمه من بكائه".
ومن الآباء من لا يراعي الرحمة مع أبنائه ولا الرقة في معاملتهم، فيكون أشد عليهم من الغرباء، فيترك في أنفسهم جروحاً غائرة لا تزول ولا بمرور السنين.
روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "إن الله يحب الرفق، ويعطى على الرفق مالا يعطى على العنف ومالا يعطى على سواه "، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق " صحيح الجامع.
بالطبع ليس معنى الرفق أن يتهاون الأب مع أولاده في مواطن الحزم، فالحكمة وضع الشيء موضعه، ولا يمكن أن يرى الأب ابنه يفعل السيئات أو المخالفات فيتركه أو يقره على ما هو عليه، ولكن الحكمة تستدعي من كل أب أن يقف مع ولده وقفة راشدة رفيقة، لكنها حازمة يضع له فيها الحدود ويبين له القواعد.
وليعلم كل أب أن وقفاته مع ولده تحفر في ذهن الولد، فإن وجد فيما يستقبل من عمره قدوة صالحة من أبيه زاد ترسخها وصارت خلقا ثابتا فيه وصفة أكيدة من صفاته..
والأب في بيته قائد لمدرسة تربوية لها منهج ووسائل كما أن لها محددات وأطر، فعليه أن يضع منهجها وفق السنة النبوية ويحدد أطره مثلما حددها الشرع الإسلامي العظيم.
ولكن مع ذلك فلا ينبغي التشنج في التطبيق الظاهري فحسب، بل إن البيوت تبنى من أساسها، لنضع الاساس لها، وأساسها هو بناء القلوب والعقائد والمفاهيم والقيم والمبادىء قبل أي شىء.

والآباء ماداموا يضلعون بمسؤولية القدوة التربوية، فيجب عليهم تثقيف أنفسهم وتعليمها فن التربية وأساليبها ومداومة سؤال المربين والخبراء والعلماء في ذلك.
هذه التربية تقتضي تعلم الصبر الذي هو من المهارات الأبوية الهامة، وقد حذر المربون من كثرة معاملة الأولاد بالغضب، خصوصاً إذا كانت طبيعة الأب عصبية أو سرعة الغضب واقرأ معي قوله سبحانه :"وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها "
وليحذر الآباء من التعدي على أبنائهم بالضرب أو الصراخ في لحظات الغضب، فإن ذلك من الأخطاء الخطيرة التي لا تؤدي إلى تعليم ولا توجيه ولكنها عبارة عن إنفاذ غيظ فحسب..
إن أبناءنا يتعلمون الخير والصواب بالحب قبل أن يتعلموه بالأمر والشدة، فاحرص أيها الأب على توليد المحبة بينك وبين أبنائك..
إن كل أب منا لبحاجة إلى أن يخلو بولده كل مدة قريبة ليمازحه ويكلمه ويسأله ويتقرب منه، يسأله عما يحزنه أو يؤرقه ويقلقه، ويسأله عن آماله وأحلامه وطموحاته، فيهون عليه ما يقلقه، ويثبته فيما يؤلمه، ويزيل عنه الهم، ويقدم له الدعم النفسي اللازم  .. هذه هي الأبوة الصالحة بحق ..
إن لقاءات المصالحة والمصارحة بين الأب وابنه هي تفريغ نفسي وجداني هام للغاية في تربية الأولاد، ولئن اشتكى معظم الآباء من عدم قدرتهم على التقرب من أولادهم فلأنهم قد قصروا في لقاءات المصارحة تلك في الصغر فصعب عليهم ذلك في الكبر حتى بنيت الجدران بينهم وبين أولادهم .
وأخيرا لا يفوتني أن أنبه أن هناك علاقة قوية جداً بين كون الأب أبا صالحا ناجحاً ، وبين كونه زوجاً صالحا ناجحاً .
فالزوج الناجح هو الذي يهيئ لأولاده البيئة الأسرية الخالية من المشكلات والمؤرقات والمنغصات والمؤثرات النفسية السلبية، وهو الذي يعين زوجته ويساعدها على إتمام العملية التربوية بنجاح وإنجاز...


المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع