الشرق الأوسط
تصدير المادة
المشاهدات : 3067
شـــــارك المادة
وصف البيت الأبيض أمس إعلان النظام السوري عن استفتاء حول مشروع الدستور الجديد بأنه «مثير للسخرية»، وسط القمع الذي ينفذه للاحتجاجات المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد.
وقال المتحدث باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما «الأمر فعلا مثير للسخرية». وتابع جاي كارني «إنه يسخر من الثورة السورية»، وذلك في حديث مع الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية التي نقلت أوباما إلى ميلووكي (ويسكونسن - شمال)، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ومن جهته، اعتبر عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني السوري، أنس العبدة، أن إصدار الرئيس السوري بشار الأسد مرسوما بمشروع الدستور للاستفتاء في 26 الشهر الحالي، محاولة منه لتحقيق هدفين اثنين، وهما بالدرجة الأولى لفت الأنظار عما يحدث على الأرض وما يقوم به من جرائم بحق شعبه، إرضاء للجانب الروسي الذي سارع في الرد إيجابا على هذه الخطوة، وفي الدرجة الثانية هي ضربة استباقية لاجتماع أصدقاء سوريا الذي سيعقد في 24 الحالي وسيكون فيه المجلس الوطني ممثلا رسميا لسوريا. وقال العبدة لـ«الشرق الأوسط»: «لا أجد كلمة أصف بها هذا النظام المجرم الذي يقتحم المدن ويقتل شعبه إلا أنه منفصل عن الواقع. هذا النظام الحالي لا يملك القدرة الأخلاقية والسياسية والاجتماعية على تقديم دستور جديد للبلاد في ظل تنفيذه جرائم ضد الإنسانية موثقة في الأمم المتحدة ولدى كل المنظمات الإنسانية العالمية». وأكد أن المشكلة السورية ليست في تعديل الدستور الحالي الذي يحوي ضمن بنوده حرية التعبير والخطاب والتظاهر، لكن المشكلة تكمن في التطبيق، في ظل عدم احترام النظام الحالي لبنوده طوال 40 عاما، وبالتالي لا نتوقع أن يحترم أي دستور آخر، مضيفا «المشكلة أن النظام الديكتاتوري الذي لطالما كان ولا يزال ممسكا بكل مفاصل الحياة من الجيش إلى الأمن والاقتصاد والثقافة والإعلام، لا يمكن أن يتحول ليصبح ديمقراطيا بمجرد أن أضاف تعديلات لا تذكر على الدستور. وبالتالي تبقى الطريقة الوحيدة للتعامل مع نظام كهذا هي إسقاطه، لا سيما أن هذا النظام نفسه يعلم أنه في حال قدم أي تنازلات سينعكس الأمر بشكل سلبي عليه ولن يبقى في الحكم أكثر من 5 دقائق».
وشدد العبدة على أن القضية ليست قضية تفاصيل هذا الدستور أو ذاك، لأن مطلب الشعب الوحيد الذي لا يمكن أن يتنازل عنه هو إسقاط النظام والوصول إلى نظام ديمقراطي تعددي مدني يعيش أبناؤه في ظله بحرية. وسخر العبدة مما اعتبره النظام تعديلا على مدة ولاية الرئيس التي حددها بـ7 أعوام ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية، إضافة إلى إلغائه مضمون المادة الثامنة الذي كان ينص على أن «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة»، مستعيضا عنه بأن «النظام السياسي للدولة يقوم على مبدأ التعددية السياسية»، واعتبر أن النظام السوري يكون يضحك على نفسه إذا اعتبر أن ثمن الثورة وتضحيات الشعب التي كلفتهم 10 آلاف قتيل وأكثر من 20 ألف معتقل وآلاف الجرحى، سيكون هذه التعديلات السخيفة، وقال «هذا النظام يثبت يوما بعد يوم أنه لا علاقة له بهذا الشعب وتطلعاته، بل يعمل لأجل غاية واحدة هي البقاء في الحكم».
ورفض ملحم الدروبي، عضو المجلس الوطني السوري عن «الإخوان المسلمين»، الدستور الجديد واعتبره «جاء متأخرا على الأقل 11 شهرا». وقال لـ«رويترز»: «الدستور الجديد لن يغير من الأمر شيئا. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفعله بشار الأسد هو أن يستقيل ويرحل».
وكانت وكالة «سانا» للأنباء السورية قد أعلنت أن الرئيس السوري بشار الأسد أصدر أمس المرسوم رقم 85 لعام 2012 القاضي بتحديد يوم الأحد الواقع في 26 فبراير (شباط) الحالي، موعدا للاستفتاء على مشروع دستور الجمهورية العربية السورية الجديد.
وأصدرت الحكومة السورية قرارا بتشكيل اللجان المركزية لدوائر الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في مراكز المحافظات، وذلك بعدما حدد مرسوم رئاسي يوم السادس والعشرين من فبراير الحالي موعدا للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي أقر التعددية السياسية وأسقط ما يشير في المادة الثامنة إلى أن حزب البعث الحاكم هو القائد للدولة والمجتمع.
ويأتي هذا الإجراء الإصلاحي المتسارع في وقت لا تزال فيه قوات جيش النظام تقوم بعمليات عسكرية واسعة في أكثر من منطقة في البلاد، وذلك بعد الحصول على ضوء أخضر من الجانب الروسي بحسب ما تقوله مصادر متابعة في دمشق، حيث طلب الجانب الروسي خلال زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف من الأسد إجراء إصلاح جدي سريع، وكان رد الأسد أنه على وشك طرح مشروع الدستور الجديد للاستفتاء العام، وذلك مقابل منح مهلة لقوات الأسد لإتمام عملية عسكرية جراحية سريعة في بعض المناطق.
وتتولى اللجان المركزية التي أعلنت عن تشكيلها وزارة الداخلية المهام المنوطة بها بموجب قانون الاستفتاء وتعليماته التنفيذية، وقد تمت تسمية رؤساء اللجان المركزية من المحافظين والأعضاء من القضاة وممثلين عن المكاتب التنفيذية في المحافظات. كما أصدر وزير الداخلية محمد الشعار قرارا بتشكيل لجنة الإشراف المركزية على عمليات الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد برئاسة وزير الداخلية وعضوية معاوني الوزير بحيث تتولى اللجنة الإشراف العام على سير عمليات الاستفتاء وما يتصل بها من إجراءات في سائر أنحاء البلاد.
ونشرت وسائل الإعلام الرسمية يوم أمس نص مشروع الدستور الذي تم تشكيل لجنة صياغته منذ نحو 4 أشهر، سبقها جدل كبير في أروقة السلطة حول إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن «يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية وتتم ممارسة السلطة ديمقراطيا عبر الاقتراع. وتسهم الأحزاب السياسية المرخصة والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية وعليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية».
كما تم تعديل المادة المتعلقة بمدة ولاية الرئيس، إذ كان هناك مقترحات بعدم تحديد سقف لعدد ولايات الرئيس مع تحديد مدتها بسبع سنوات، بالإضافة إلى المادة المتعلقة بدين رئيس الجمهورية، وتم حسم الجدل من جانب السلطة تحت ضغط الجانب الروسي الذي طلب من الأسد الإعلان عن إصلاح جدي وفي أسرع وقت ممكن، وتم إلغاء المادة الثامنة، ونص مشروع الدستور الجديد المتكون من 157 مادة موزعة على 6 أبواب، على أن «النظام السياسي للدولة يقوم على مبدأ التعددية السياسية وممارسة السلطة ديمقراطيا عبر الاقتراع»، وحدد المشروع «مدة الولاية الرئاسية بسبع سنوات، على أن يكون الحد الأقصى ولايتين فقط» بحيث «ينتخب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة لمدة 7 أعوام ميلادية تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس القائم ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية». ولم يحدد الدستور السوري المعمول به منذ السبعينات سقفا زمنيا لإعادة انتخاب الرئيس إذ إن الرئيس الراحل بقي في الحكم لما يقرب من 30 عاما حتى وفاته عام 2000.
كما غابت أي إشارة إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم هو «الحزب القائد في الدولة والمجتمع» كما جاء في الدستور المعمول به حاليا والذي كان قد عدله الرئيس الراحل حافظ الأسد في السبعينات وأسقط منه أي شكل للتعددية السياسية.
ولم يأت مشروع الدستور الجديد على ذكر نص آخر يقول إن حزب البعث وحده هو الذي يحق له ترشيح رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى الكثير من القوانين التي أقرت في الأعوام الخمسين الماضية، والتي أتاحت للرئيس والأجهزة الأمنية التفرد بالحكم والتحكم بكل مفاصل الدولة والمجتمع، وأسر الحريات العامة.
وبقيت المادة الخاصة بدين الرئيس كما هي، حيث نص المشروع على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام، وأن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، الأمر الذي أثار استهجان الناشطين من العلمانيين الذين يطالبون بدستور لإقامة دولة مدنية تفصل الدين عن الدولة، وتساءلوا «بماذا يختلف دستور النظام السوري الحالي الذي يدعي العلمانية عن دستور يأتي به الإسلاميون في حال وصولهم إلى السلطة، هؤلاء الذين يحذرنا من سلطتهم النظام في حال سقوطه؟».
كما أشار المشروع إلى إجراء انتخابات برلمانية خلال 90 يوما من الموافقة على مشروع الدستور. وطيلة الأشهر الماضية كان النظام السوري يجهد في تشكيل أحزاب جديدة، تستوعب الموالين للنظام سواء من أعضاء حزب البعث أو المستفيدين من النظام والمرتبطين بالأجهزة الأمنية، لسد الفراغ الذي سيحصل بعد سحب السلطة الشكلية من حزب البعث، وقال ناشطون إن شخصيات مقربة من النظام والأجهزة الأمنية سعت إلى تشكيل أحزاب سياسية جديدة تنخرط في الحياة السياسية الجديدة بمثابة أحزاب معارضة، وتتبنى برامج التغيير والإصلاح تحت سقف النظام القائم، بحيث يتم تهميش المعارضة السورية الضالعة في الثورة في الخارج والداخل، كما قالت مصادر متابعة إن عقيلة الرئيس الأسد تلعب دورا في هذا المجال من حيث تشجيع الجمعيات الخيرية التي تشرف عليها على تشكيل أحزاب، استعدادا للمرحلة المقبلة.
وبالنظر إلى الأوضاع الميدانية على الأرض يبدو من الصعب إجراء الاستفتاء على الدستور الجديد في الوقت المحدد، فغالبية المدن التي اقتحمتها قوات الجيش أعلنت مناطق منكوبة، من حمص ودرعا وإدلب وحماه إلى ريف دمشق، حيث لا تزال تلك المناطق تتعرض للقصف في وقت تتزايد فيه التمزقات في جسم الجيش النظامي، وتتهتك مؤسسات الدولة تحت وطأة الضغط السياسي والاقتصادي. إلا أن هذا الإجراء السياسي الإصلاحي المتسارع للنظام وبحسب المراقبين في المعارضة هو ورقة جديدة يرميها النظام للجانب الروسي لكسب المزيد من الوقت في ربع الساعة الأخير.
أسرة التحرير
مركز مسار الإعلامي
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة