مركز طوران للدراسات
المرفقـــات
تصدير المادة
المشاهدات : 3152
شـــــارك المادة
بما أن الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة تعمل على تأسيس أو تحويل الجيوش الوطنية إلى جيوش سلطة موالية للحاكم ويغلب العمل الأمني على مهامها التدريبية والقتالية كنظام الأسد، وأن فصائل المعارضة السورية عانت من تقلبات المزاج الدولي والخضوع لأجندات الدول الداعمة، وتدهورت العلاقة فيما بينها (الاقتتال البيني)، ونزع البعض منها إلى الأدلجة المفرطة، لذلك تمثل مبادرة المجلس الإسلامي ودعوة رئيس الحكومة السورية واجبا تقتضي المصلحة الوطنية العمل في مساره بهدف تنسيق العمليات المشتركة وتحقيق التكامل وتعزيز التواصل وتوحيد النظم والعقيدة القتالية والتجهز لملء الفراغ الناتج عن انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية للنظام.
للاطلاع على الدراسة كاملة يرجى الضغط هنا
مقدمة:
تكتسب الثورة مضمونها الثوري من خلال قدرتها على تأسيس متغيرات جذرية نوعية وعميقة في المجتمع من خلال الاقتصاد والتنمية والنظام السياسي ورسم خارطة موازين القوى في المجتمع وفق رؤية جديدة، وبما أن عامل الأمن والأمان يمثل أهم العوامل لتحقيق ما سبق، ولا يتأتى إلا عن طريق جيش وطني يكفل تحقيق الاستقرار ويقع على عاتقه حماية الشعب من العدوان الخارجي والمحافظة على الحدود الدولية والمياه الإقليمية والمجال الجوي للدولة، ويؤمن بعقيدة عسكرية تستمد من العقيدة السياسية الوطنية والتهديدات المحتملة، وتترجَم العقيدة العسكرية إلى استراتيجية عسكرية ترسم الخطوط العامة لخطة تنفيذ مهام القوات المسلحة المستقبلية، ويخضع في سياقات عمله لبرنامج تدريبي مهني متكامل في نواحي القتال والتدريب واللوجستيك، وتعمل بموجبها وحداته على اختلاف صنوفها واختصاصاتها سلما وحربا وعلى كافة المستويات، آخذا بعين الاعتبار أنه أحد أهم مقومات الدولة الأساسية، وأهم عناصر قوتها الشاملة لما يحققه من استقرار إذا تعرضت البلاد لتهديدات معادية، وصمام وحدتها الوطنية بعدم انحيازه لحزب أو طائفة وبعدم تدخله بالحياة السياسية، أو قمع المظاهرات والاعتصامات وملاحقة المواطنين.
بخلاف ما سبق، تعمل الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة على تأسيس أو تحويل الجيوش الوطنية إلى جيوش سلطة موالية للحاكم يستقوي بها على خصومه ويسخدمها للبقاء في السلطة، و تختص في خدمة سلطته وحمايتها، وتكون ذات عقيدة وطبيعة أمنية بحتة و يغلب العمل الأمني على مهامها التدريبية والقتالية، وبالتالي يكتنفها الضعف دائما في مواجهة الخطر الخارجي، وهي تخص الأنظمة الشمولية وحكم الحزب الواحد كنظام الأسد الذي يفرض عقيدته السياسية على عقيدة الجيش القتالية، ويُنشئ مكاتب حزبية عسكرية ضمن الكتائب والألوية والأفواج والفرق العسكرية تتولى التوجيه السياسي العقائدي والتنظيم الحزبي وتعمق الولاء للحزب وقيادته السياسية، ويستميل ولاء القيادات التي يتم تعيينها بالأساس على اختلاف مستوياتها وفق معايير الولاء المطلق للحاكم وحزبه السياسي، وهي في الغالب فاسدة تتعامل مع الشعب بقسوة وعنف لمصلحة النظام الحاكم وكسب رضاه، ويشكّل فرض قوانين الطوارئ بيئة ملائمة لعمل عناصر وقوات جيش السلطة لممارسة سياسة القمع والاضطهاد والتسلط ضد الشعب دون محاسبة قانونية، إضافة إلى منحهم الامتيازات المادية والشخصية.
ويتم تشكيل جيش ثانٍ من عناصر منتخبة من أقارب وطائفة رأس الحاكم تحت يافطة الحرس الجمهوري، تكون مهمته الحماية لرأس وعائلة الحاكم من ثورات الشعب، و يقدم جيش الأسد في الوقت الحالي مثالا حيّا لجيوش السلطة وأحزابها التي تحولت إلى أدوات قمع غاشمة بيد النظام المستبد ضد ثورة الشعب، وأطلق له العنان ليستخدم الآلة العسكرية والأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل بوحشية لقتل الأبرياء وتدمير المدن والقرى والاعتقالات والمداهمات وتحويل الوحدات ومراكز التدريب العسكرية إلى معتقلات لأبناء الشعب تمارس فيها أنواع التعذيب والتنكيل والابتزاز وانتهاك الأعراض.
تبحث الدراسة مسألة إمكانية تشكيل جيش وطني يحمل العقيدة الوطنية ويقع على عاتقه مهام الدفاع عن الوطن والمواطن، بعد مضي سبع سنوات على الثورة السورية، والعمل على هيكلية عسكرية واحدة، ترتبط بموجبها جميع الفصائل بوزارة الدفاع وفق التراتبية العسكرية الموجودة في الجيوش النظامية، نظرا للحاجة الماسة للشعب السوري لمثل هذه المؤسسة، وذوبان الهوية العسكرية للمؤسسة العسكرية التابعة للنظام بسبب التدخلات الخارجية في سياسة عملها وخططها وتدريباتها، وما تحمله من عقيدة طائفية وأمنية تجلت بوضوح من خلال قمعها للشعب السوري في مظاهراته السلمية، من خلال الاعتماد على منهجي البحث: الوصفي والاستنباطي.
وتتجلى أهميتها في تسليط الضوء على عوامل الشد إلى الخلف، أو الدفع إلى الأمام لتنفيذ هذه الخطوة في ضوء المصلحة الوطنية والمواقف الدولية والامكانيات المطلوبة.
أولا: قراءة في مبادرة المجلس الإسلامي ودعوة رئيس الحكومة السورية المؤقتة ودوافعهما
تحمل المبادرة في معناها الاصطلاحي هدفا يتمثل في التغيير، سواء كان هذا التغيير صغيرا أو كبيرا، محدودا أو واسعا، في أي مجال كان، وتشير بوضوح إلى نقص ما، أو تطوير في اتجاه ما، وعليه طرح المجلس الإسلامي مبادرة بتاريخ 30 آب 2017م طالب فيها “جميع الفصائل الثورية تشكيل جيش ثوري واحد يشمل أرجاء سوريا المحررة، وأن هذا ما يقتضيه الشرع والعقل والمصلحة الوطنية ”.معتبرا أنه “إذا لم يواجه الأخطار القائمة والمتوقعة القادمة بما يكافئها فستُجهِض الثورة، لا بل سنخسر حريتنا وكرامتنا وحاضر البلاد ومستقبلها لعقود قادمة”.
كما دعا رئيس الحكومة السورية المؤقتة جواد أبو حطب في بيان بنفس تاريخ إطلاق المجلس الإسلامي السوري مبادرته، دعا الجميع إلى “تشكيل جيش وطني موحد يشمل جميع الفصائل الثورية في أرجاء سوريا”. للدفاع عن أبناء شعب سوريا وكل شبر من الأرض وإسقاط النظام وكل رموزه لتحقيق الحرية والكرامة، ودعا رئيس الحكومة إلى اجتماع مع الفصائل الثورية، تمخض عنه الموافقة على مبادرة الجيش الوطني للثورة السورية في ممثلية الحكومة، وبناء على ذلك، تتمثل دوافع توحيد القوى البشرية والوسائط القتالية بعد مضي قرابة ست سنوات من العمل العسكري كوسيلة لتحقيق أهداف الثورة بما يلي:
1 -حاجة ساحة المعارضة إلى خطوة من هذا القبيل، بعد سلسلة من الفشل وخيبات الأمل من أداء الفصائل المسلحة على اختلافها، وفي ضوء الحملات المتواصلة التي تستهدف التشكيك بقدرة المعارضة على إدارة البلاد والإمساك بزمام الأمور في حال رحيل نظام بشار الأسد الذي تحاول قوى دولية إعادة تعويمه.
2 -كثرة الفصائلية وتوجّهاتها المرتبطة بالدول التي تدعمها وتوجّهها، وضرورة تشكيل قيادة عسكرية واحدة تحت سلطة الحكومة المؤقتة، وفق الأسس والأصول العسكرية والتراتبية المعهودة في كافة جيوش العالم وتحديد عقيدة هذا الجيش وأهدافه.
3 – وجود الكفاءات العسكرية والخبرات الاختصاصية القادرة على القيام بمثل هذه المؤسسة والمنشآت التدريبية التي تتطلبها من خلال توفر حوالي /1500/ ضابط والتواصل مع خبرات عسكرية أخرى قادرة على التنظيم والتدريب، إضافة إلى التواطؤ الدولي لإعادة تأهيل النظام واقتسام مناطق النفوذ.
4 -مواجهة قوات النظام وأذرعه من الميليشيات الشيعية وحزب الاتحاد الديمقراطي والفصائل المتطرفة المتمثلة بتنظيم داعش، إضافة إلى توحيد القرار السياسي والعسكري.
9 – العمل على ايجاد المؤسسة العسكرية القادرة على تحقيق الأمن والأمان وإعادة الحاضنة الشعبية والتخلص من المحاكم العشوائية والسجون الفصائلية وإزالة الحواجز وعدم تقييد حركة المواطنين، والاستيلاء على الواردات المحلية والممتلكات العامة وأملاك الأوقاف ومحاربة تجارة الآثار، ولتوفير البيئة المناسبة للمبادرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية في الأراضي المحررة، من خلال جهاز أمني وشرطي يضع حدا للاغتيالات واختراقات نظام الأسد والمخابرات الأجنبية، والانتهاء بالتدريج من ظاهرة أمراء الحرب والثراء الفاحش وفوضى السلاح، والقضاء على الإيديولوجيات والاحتراب الداخلي، وبالتالي تحقق هذه المؤسسة الفائدة على مستويات ثلاث:
أ – المستوى العسكري:
تشكيل جيش موحد يعمل على تأمين وحدة القيادة والسيطرة، وإدارة عمليات الصراع دون تداخل من خلال غرفة عمليات رئيسية تسيطر على الفعاليات كافة وتتابع الموقف بدقة، والقضاء على الاختلافات بين الفصائل في ظل السخط الشعبي المتنامي بسبب غياب وحدة القيادة التي أدت إلى عدم توحد الجهود وتوجيهها بالاتجاه السليم وبناء القدرات، وإن توفرت (وحدة القيادة) فسوف تؤدي إلى تحقيق أهداف العمليات العسكرية وتبيان أثرها بشكل أسرع وخاصة في الشؤون ذات البعد الاستراتيجي، إضافة إلى التخلص من التضخم والأعداد الزائفة التي تتحدث عنها الفصائل، وإفساح المجال لبروز قادة جدد، وارتفاع الروح المعنوية لمقاتلي الفصائل لحضور المشروع الموحِّد لهم والاتفاق على شكل ونهج المرحلة ما بعد نجاح الثورة، و تنظيم رعاية الجرحى وعوائل الشهداء والأسرى وتصحيح مسار التكافل الاجتماعي العسكري وإعادة الاعتبار إلى منظومة القيم القانونية و الشعارات الوطنية، وربط الفصائل بالحكومة بعد ما ظهر ضعف هذه المؤسسات وعدم قدرتها على القيام بالوظائف المطلوبة.
ب – المستوى الاجتماعي:
إعادة بناء الثقة للشعب السوري بوجود جيش سوري وطني غير مرتهن ببندقيته، هو للشعب وحماية أمنه واستقراره ومجابهة خطر التقسيم، ويحمل على عاتقه أعباء بناء الدولة، إضافة إلى القضاء على العامل الطائفي، والانتقال إلى الاقتصاد بالجهد، على الرغم من أهمية الاقتصاد بالقوة الذي يبقى مهما لمواجهة القوات المعادية المتفوقة ماديا ولمعالجة الحالات الطارئة.
ج – المستوى السياسي:
يَحصُر المساعدات الخارجية بيد الحكومة الشرعية الدولية والشعبية ويعزز مكانتها، ويمنح توحيد العمل العسكري قوة لقرارها السياسي وخاصة في المفاوضات، ويؤهلها لقراءة التقديرات السليمة التي من شأنها تحديد الفرص والمخاطر وترتيب الأولويات، ويقطع الطريق على النظام السوري وقواته بالقضاء على الفوضى التي تخدمه من ناحية طمس الحقائق وتغييبها، أو المزايدة من قبل النظام بعلمانيته في ظل وجود الجماعات المتطرفة، واستبعاد المتطرفين الأجانب وإنهاء ورقتهم من يد المجتمع الدولي ونظام الأسد، ويضع الدول تحت سياسة الأمر الواقع عبر الإصرار على جسم واحد يمكن مخاطبة الثورة من خلاله، وتحويل الفصائل إلى سلطة شرعية وحمايتها من أيّ قرار دولي، كما ويعتبر خطوة استباقية وخاصة أن روسيا صرحت بأنّها بصدد تشكيل مجلس عسكري سوري مشترك بين النظام والمقاومة.
ثانيا: مخرجات بيان الحكومة السورية المؤقتة بعد الاجتماع
في الرابع من أيلول 2017م عقد اجتماع في الحكومة السورية المؤقتة مع كبرى الفصائل التي استجابت للدعوات الموجهة والبالغ عددها أكثر من /40/ فصيلا من الشمال والمنطقة الوسطى ومحافظة اللاذقية ومنطقة البادية السورية.
وانتهى الاجتماع ببيان ضم المخرجات الآتية:
1 -تسمية رئيس الحكومة الدكتور جواد أبو حطب وزيراً للدفاع.
2 -الاتفاق على تشكيل لجنة مفوضة من الفصائل، مهمتها اختيار رئيس هيئة الأركان للجيش الموحد بالتشاور مع رئيس الحكومة. 3 -يشكل كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان لجنة تقنية متخصصة مهمتها وضع هيكلية واضحة للجيش الموحد.
4-استمرار التواصل مع كافة الفصائل الثورية على امتداد المناطق المحررة لتأسيس الجيش.
5 -أهمية الاستمرار بخطوات الإصلاح الداخلي، التي شرع بها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وضرورة الإسراع بها. 6 -إن مرجعية القضاء في المناطق المحررة تتمثل بمجلس القضاء الأعلى بعد التوصل لاعتماده والتزام الفصائل بقراراته. 7 -توحيد الجهود السياسية للمؤسسات الثورية كافة.
ثالثًا: إمكانية تحقيق بنود المبادرة على أرض الواقع
يعتمد تأسيس جيش وطني موحد تنضوي تحت قيادته كافة فصائل قوى الثورة العسكرية على تحقيق الاندماج الحقيقي الذي تُحَل بموجبه وبصورة نهائية عشرات الفصائل العسكرية القائمة ويُشكَل جسم عسكري واحد يخضع لبرامج مدروسة ومتوازنة في التخطيط والتدريب والتسليح، يؤدي بدوره إلى إحداث نقلة في التنظيم والأداء العسكري، وتعتمد المبادرة وفقا لذلك على عدة عوامل ذات صلة بإمكانية تحقيقها تتمثل بــ:
أ – الكفاءة والخبرة العسكرية:
وتتمثل بتوزيع القوى في الجيش الجديد من خلال الاعتماد على الضباط المنشقين عن جيش النظام على اختلاف اختصاصاتهم العسكرية، الإدارية منها أو الفنية أو القيادية، والدفع بالرتب العليا المشهود لها بالكفاءة والوطنية لأخذ زمام القيادة والتنظيم والتوجيه، خاصة أن معظم قادة الفصائل غير مقنعين لعناصرهم من الناحية السياسية والعسكرية والفكرية والاجتماعية، ولقدرة هؤلاء العسكريين من خلال التحليل الدقيق والتخطيط والرؤية الواضحة على تصدير قدرة المعارضة العسكرية على إدارة البلاد بعد سقوط النظام.
ب – الإرادة الوطنية والرضا الشعبي:
تستمد المبادرة قوتها من كونها دعوى وطنية سورية وتحظى بدعم شعبي واسع للرغبة بتشكيل جيش وطني له صوت مرتفع، كون العنف في سوريا أصبح محررا من الأيديولوجيا ولم يعد بحاجة الى إضفاء شرعية على الأفعال، ما مهد الطريق لحاجة الناس إلى الدولة والقانون والجيش بغية خلق ظروف الأمن والأمان وتحقيق النصر، إضافة إلى السخط الشعبي على معظم الفصائل وقادتهم بسبب مظاهر الغنى الفاحش.
ج – الإجماع من قادة الفصائل:
تمثل من خلال استجابة الفصائل لمرجعية دينية واحدة ـ المجلس الإسلامي السوري الذي اتفق السوريون على المبادئ الخمسة التي طرحها أواخر العام 2015م باعتبارها واضحة وشاملة لأهداف الشعب السوري ـ ما يعني توحيد إيديولوجيتها، كما يعكس إجماعهم هذا قناعتهم بعدم جدوى الفصائلية وقدرتها على تحقيق أهداف الثورة، وكانت الاستجابة بمشاركة الفصائل الكبيرة وذات التأثير النوعي، والتي وجدت الفرصة للظهور أمام الشعب السوري بمظهر الوطني الصادق المؤمن بقضية شعبه والبعيد عن حب السلطة.
رابعًا: الصعوبات التي تواجه المبادرة
يمثل ما أدى إليه التدخل العسكري الإيراني في سوريا من خلال توسيعه وتطوير وسائل عمل قواته والميليشيات الموالية له على امتداد الجغرافية السورية من إضعاف المؤسسة العسكرية السورية، وتبعيتها للقيادة الإيرانية التي تمثلها قيادات من الحرس الثوري ومن ترهل الجيش السوري، يمثل كل ما سبق واحدا من أبرز الصعوبات التي تقف في وجه تأسيس الجيش الوطني الموحد إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن تأسيس جيش من الصفر يعد من المهام الجسيمة، إضافة إلى صعوبات أخرى تتمثل بما يلي:
أ – العامل النفعي:
أدت إدارة بعض قادة الفصائل للاقتصاد الذي تراوح بين الاتجار بالمحروقات والعملات والسلاح والتهريب بشتى أنواعه، وتصدر معظمهم المناصب المهمة والصفوف الأولى اجتماعيا وسياسيا رغم افتقاد معظمهم لأدنى مستويات العلم والمعرفة، واتهام بعض رموز الثورة من السياسيين بالفساد المالي والارتهان للخارج لضمان استمرار الهبات والتبرعات، إلى تراكم الثروات وعدم معرفة مدى استعداد الفصائل للاستغناء عن الدعم الخارجي في ظل عدم موافقة الدول الداعمة على مشروع تشكيل الجيش، ورافق ذلك قبول بعض الفصائل الإسلامية المنضوية تحت راية الجيش الوطني بالمفاهيم الحداثية للدولة في إطار المراوغة السياسية والتحول الشعاراتي وعدم ترجمتها واقعا على الأرض.
قد تدفع العوامل السابقة بالعناصر التابعة للفصائل، وبتوجيه من قادتها إلى رفض تشكيل الجيش الوطني وانسحابهم وتشكيل مجموعات مناوئة للمشروع، والوقوف ضد أي مبادرة ممكن أن تجمع السوريين بتضارب المصالح.
ب – العامل الإقليمي:
أدى طول أمد الحرب والتدخلات الخارجية والاستقطابات الأيديولوجية إلى تفسخ جبهة المقاومة الوطنية وحولها إلى مشاريع تنبع من خلفيات عقائدية، أو سياسية بحسب الجهات المانحة “الدول الاقليمية” وعوّدت هذه السياسة من قبل الدول المانحة هذه التشكيلات على العمل منفردة تحت قيادة زعاماتها ووفقا لرؤيتها، وبالتالي خروج القرار الثوري من أيدي السوريين إلى أيدي لاعبين إقليميين ودوليين، فمثلا لا يمكن إقناع فصيل مدعوم أمريكيا بمحاربة قوات سورية الديمقراطية.
ج – العامل الراديكالي:
إضافة إلى ما سعى النظام إليه من إلباس الثورة الثوب الطائفي، تعمل الفصائل ذات التوجه الإسلامي الراديكالي على التنسيق فيما بينها وتمارس نوع من الدعاية المضادة ضد فصائل الجيش الحر في ضوء ما تمتلكه من قوة لمشروعها المنفصل عن مشروع الثورة، كما تعد التوجهات الأيديولوجية للفصائل والدول الداعمة لها عملية صعبة ومعقدة في وجه هذا المشروع.
د – العامل السياسي:
إنّ عدم وجود تمثيل سياسي للجيش الوطني في ظل عدم الرضا عن الأداء السياسي للائتلاف الوطني، وغياب الفكر والسياسة رغم الادّعاء بامتلاكها إلى عدم النهوض بمؤسسات الدولة القادمة سواء على الصعيد المدني أو العسكري
ﮬ – العامل التقني واللوجستي:
ويمكن تحديده بتوفر الدعم المادي، وتوحيد كافة الفصائل تحت راية الثورة، وصعوبة تحديد شكل هيكلية الجيش ومدى ملاءمتها للواقع والشخصيات القائمة عليها في ظل عدم تقبل المجتمع لقادة الفصائل وإيجاد المبررات له، الأمر الناجم عن أعمال العنف والتصرفات اللا مسؤولة لهم وخدمته لمصالح خاصة بحيث يبدو الأمر وكأنهم يسعون لعدم انتهاء الحرب، إضافة إلى ابتعاد النخبة التي يقع على عاتقها التوجيه والتصحيح عن الداخل، وتواجد معظمهم في عواصم العالم المختلفة واعتماد جلهم على التنظير من بعد.
خامسًا: إمكانية القبول الدولي أو تبني المبادرة دوليا
على الرغم من أن مبادرة تشكيل جيش موحد ووزارة دفاع تعبر عن الإرادة الوطنية السورية، وعن حاجة الساحة السورية لهذا التنظيم بعد انضمام العديد من الفصائل إليه، دون إغفال ظهور عدة محاولات لإنجاز تلك المهمة خلل السنوات الماضية لم تر جميعها النور باستثناء الاجتماع الذي انبثق منه المجلس العسكري الأعلى، المعروف باسم “اجتماع أنطاليا” مطلع العام 2013م ، و قسّم تشكيلات الفصائل العسكريّة إلى خمس جبهات، وهي الجبهة الجنوبية (دمشق ودرعا والسويداء والقنيطرة)، والجبهة الشماليّة (حلب وإدلب)، والجبهة الشرقيّة (دير الزور والرقّة والحسكة)، والجبهة الوسطى (حماه والساحل السوري) وجبهة حمص، إلا أن هذه المبادرة تصطدم بجملة من التطورات المحلية والدولية.
تعد خسارة العديد من المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة المعارضة، وخصوصا مدينة حلب التي شكلت بداية لسلسلة من الانهيارات لقوى المعارضة المسلحة بعد التفاهمات التركية الروسية، والتي دشنت دينامية جديدة في أستانة، وخشيتها على سلطتها الداخلية وما نجم عنه من صراعات داخل صفوفها تمثلت بالاقتتال الداخلي كما حصل في الغوطة الشرقية وتكرر في الشمال السوري، أبرز العقبات الداخلية في وجه تشكيل الجيش الموحد، وتعكس اختلافات القوى الخارجية الفاعلة على الساحة السورية عمق الاستقطاب فيما بينها خاصة أن مشروع الجيش الوطني لا يندرج في مشاريع التسوية، و تؤثر بدورها على إمكانية القبول الدولي بهذه المبادرة وتبنيها من عدمه، ويمكن الوقوف على أهمها:
1 -أعلنت الولايات المتحدة عن تخليها عن المعارضة، ففي 20 تموز 2017م أمر الرئيس دونالد ترامب بوقف البرنامج السري الذي تديره وكالة الاستخبارات المركزية لتدريب جماعات المعارضة السورية، الذي أُطلق عام 2013 في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، بهدف إضعاف الفصائل وإفقادها القدرة على المناورة تزامنا مع استمرار التواجد الروسي والإيراني، كونها ترى في قوات سورية الديمقراطية أكثر فاعلية ويمكن الاعتماد عليهم أكثر من المقاتلين العرب الذين يعانون من انقسامات كبيرة.
2 -في الوقت الذي كانت تركيا تعمل على دعم فكرة تأسيس جيش وطني للمعارضة السورية تبدأ من مناطق درع الفرات، كانت أمريكا تعمل على تشكيل “جيش وطني” في ريف الحسكة ليضم قوىً وطنية نواتها جيش مغاوير الثورة بحسب المقدم مهند الطلاع، قائد جيش المغاوير، في آب 2017م، رغم التفاهمات فيما بينهما حول المسألة السورية إلا أن أمريكا ترى في دعم تركيا للجيش الوطني محاوَلة للعمل على استثماره لحفظ أمنها القومي ومواجهة حلفاء أمريكا الأكراد “قوات سورية الديمقراطية”.
3 – سعي الدول الفاعلة في المسألة السورية إلى التواجد العسكري على الأرض من خلال قواعد ثابتة لهم يعكس إمكانية وجود اتفاقية اقتسام مناطق نفوذ بين القوى الرئيسية التي انتشرت في سوريا (القواعد الأمريكية – القواعد الروسية – القواعد الإيرانية – التدخل العسكري التركي) علما أن الأخير جرى وفق تفاهمات سياسية.
كما يضاف إلى ما سبق القدرة على إقناع المجتمع الدولي أن الهدف من هذا الجيش هو تعزيز الاستقرار والأمن والقضاء على الإرهاب لبدء عملية التنمية والإعمار بعد أن تم تعويم الصبغة الطائفية أو الحرب الأهلية على الثورة السورية، وتحديد رؤيته عن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ودوره فيها.
سادسا: الاستنتاجات
1 -تُحتّم المصلحة الوطنية السورية العليا إنشاء جيش وطني ينهي اختلافات المعارضة ويوقف مظاهر الانتقام والتصفيات للخبرات والكفاءات بمختلف المجالات بقصد تحييد القدرة الصلبة للثورة السورية، بالاستناد على مجموعة من العوامل يعتبر أبرزها العقل الجمعي السوري الذي رفض الدويلات الطائفية التي شكلها الفرنسيون مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، والاستفادة الفكرية والعلمية من واقع العراق وما آل إليه، والرفض الشعبي للتنظيمات المتطرفة على اختلاف انتماءاتها ورغبتهم في إقامة دولة مدنية يسودها القانون والعدالة.
2 – يساهم بناء جيش وطني في الابتعاد عن فكرة تقسيم الدولة السورية ويفتح أبوابا لخلق نسيج علاقات عربية وإقليمية ودولية لخدمة القضية السورية، ويعمل باعتماده المجلس الإسلامي السوري كمرجعية له على التخلص من فوضى الفتاوى وشرعيي الفصائل، كما يمهد الطريق لقيام المؤسسات القادرة على إدارة المناطق المحررة بدلا من الفصائلية التي أدت إلى تفكيك البنى التحتية السورية الاجتماعية والمؤسساتية والفكرية والعسكرية والاقتصادية، وتصحيح الخلل البنيوي والتنظيمي والمهني في تشكيل الفصائل، فهناك بعض الفصائل مشكّلة على أسس مناطقية ولها روابط عضوية مع المجتمعات المحلية ومدمجة في نسج اقتصادياتها في العديد من البلدات والمناطق وهي تؤمن لها قدرا من الحماية ولابد من دمجها في هيكلية قيادة وطنية.
3 – يقطع تأسيس الجيش الوطني الطريق على الفصائل التي أصبحت في معظمها أداة لصراعات ومشاريع جيوسياسية وتموضعات إقليمية ودولية، ويشكل خطاب موحد باتجاه تلك الدول، بعد أن تحولت الساحة السورية ميدانا لحرب الوكالات، وهو ما ساهم بشكل مباشر في عدم تطوير المواقف الدولية وتحويلها إلى سياسات إجرائية ضد نظام الأسد.
4 – ضرورة تأسيس جيش وطني تفرضه المرحلة الخطيرة التي تمر بها الساحة السورية وما تشهده من تخلي الدول الداعمة لها، إضافة إلى التفتت الإقليمي والدولي وظهور الميليشيات، وليعكس مصير الدولة السورية بعد سقوط النظام والقدرة على إعادة بناء شكلها ومؤسساتها، ولوضع حدّ لانعكاس الفوضى في الواقع الميداني على بنية المعارضة السياسية.
5 – الرفض الشعبي لأمراء الحرب والصبغة الطائفية للثورة التي حاول النظام إلباسها وترويج صورتها عبر ماكينته الإعلامية ونشاطه الدبلوماسي، وضرورة القضاء على ظاهرة المناطق التي تديرها الفصائل حسب رؤيتها وتقديراتها وإعادة تكوين الأفكار وصناعتها والانتقال من مرحلة العمل الفصائلي إلى العمل الاستراتيجي، وعدم الانكفاء ضمن حدود منطقة بذاتها، الأمر الذي سهل للنظام الحصار والتطويق ومن ثم عقد الهدن والمصالحات معها.
سابعًا: التوصيات
1 – العمل على إعداد هيكلية مؤسساتية للجيش الوطني وفق الأنظمة والمعايير المعمول بها في مختلف دول العالم واعتماد تراتبية عسكرية للقدرات البشرية والمادية المتوفرة في هذه المؤسسة الوليدة بحيث تستطيع مواجهة الكتلة الاستراتيجية للطرف الآخر، ويكون على رأس الهرم فيها وزير الدفاع من أصحاب التخصص العسكري نظرا لحالة الحرب التي تمر بها البلاد، ويقوم بدوره بتوزيع المهام على الضباط ذوي الاختصاصات والكفاءات الإدارية والقيادية بعد التشاور فيما بينهم حول تقدير الموقف العسكري واتخاذ القرار، والطلب من كافة الضباط وصف الضباط والعناصر المنشقين الالتحاق بالجيش فورا، ويسير كل ذلك بالتوازي مع تشكيل ضابطة عسكرية ومحاكم عسكرية لمحاسبة المخالفين لقواعد الانضباط العسكري، من خلال تشكيل لجنة عسكرية تضم خبراء عسكريين من مختلف الاختصاصات (قانون – العلوم السلوكية والاجتماعية) لتحديد الاحتياجات حسب الواقع وتقييمه.
2 –بما أن المعارضة السياسية السورية كيان ضعيف لذلك يجب إدراك مسألة تتمثل بأن قوة الجيش هي مفتاح الحل السياسي، والعمل على بنائه على أسس مهنية صحيحة، وأن يأخذ وزير الدفاع ورئيس الأركان على عاتقه عدم الموافقة على أي بيان يصدر عن قوى سياسية دون المشاورة وأخذ الرأي؛ أي أن مهمة الجيش القادم ضبط الإيقاع السياسي وتوجيهه استنادا إلى رؤية توافقية متماسكة، وهو المعمول به في كافة أنحاء العالم بوضع كافة المؤسسات المدنية في خدمة الحرب إن وجدت، مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال ظهور ترابط غير متجانس بين الجانبين العسكري كجيش وطني والسياسي (الائتلاف) قد تفرضه طبيعة إسقاط النظام بالعمل المسلح.
3 -دراسة الفصائل التي وافقت على المبادرة دراسة علمية، كلاً على حِدَة، ومصادر دعمها وقدرتها على الالتزام بما تعهدت به، من خلال العمل على إعداد نظام داخلي يتم وضعه بدقة ويطلب من الجميع التوقيع عليه والالتزام به، واعتماد مبدأ دمج مقاتلي الفصائل في وحدات هذا الجيش، بمعنى عدم ترك كتلة واحدة من فصيل واحد في التشكيل الجديد، والمجلس الإسلامي السوري مرجعية دينية له بعد إنشاء فرع له في الداخل السوري، وعقده ورش عمل لشرعيي الفصائل لتوحيد الآراء.
4 –العمل على بناء الثقة مع القسم الآخر للشعب السوري المرتهن للطائفية، وأن مهمة الجيش الوطني تأمين الأمن والاستقرار لكل السوريين، وتقديمه على أنه مؤسسة لكل السوريين بمختلف انتماءاتهم، وأن العمل على تشكيله دعوة وطنية تفرضها الظروف التي أوصلت عائلة الأسد البلاد إليها بهدف الوصول إلى العدالة والمساواة ووقف استنزاف البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية والقيمية.
الخاتمة
كشفت الثورة السورية بأن نظام الأسد هو مرآة للمصالح الدولية والإقليمية، وبدا ذلك واضحا من خلال سعيه الحثيث لشيطنة الثورة وإلباسها ثوب الإرهاب والتخوين وعدم توفر الكفاءات في صفوفها، أو استخدامه شتى صنوف الأسلحة لقمع الاحتجاجات السلمية والأسلحة المحرمة دوليا عندما قررت القوى المجتمعية بالتعاون مع العسكريين المنشقين مواجهته، وفتح أبواب البلاد على مصراعيها لدخول الميليشيات الأجنبية (الميليشيات الإيرانية – التدخل العسكري الروسي – الميليشيات الصينية “نمور سيبيريا” و”نمور الليل” – الميليشيات المحلية “الدرزية والمسيحية والعلوية” التي أدت إلى شرخ المجتمع السوري)، وفي المقابل عانت فصائل المعارضة السورية من تقلبات المزاج الدولي والخضوع لأجندات الدول الداعمة، وتدهورت العلاقة فيما بينها (الاقتتال البيني)، ونزع البعض منها إلى الأدلجة المفرطة، وفوضى انتشار السلاح، والتسلط على المدنيين، لذلك تمثل المبادرة واجب تقتضي المصلحة الوطنية العمل في مساره بهدف تنسيق العمليات المشتركة وتحقيق التكامل وتعزيز التواصل وتوحيد النظم والعقيدة القتالية والتجهز لملء الفراغ الناتج عن انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية للنظام ومنع الجماعات أيّاً كانت من تسخير هذا الجيش لأجنداتها وتبني برامج لعزل القوى المؤدلجة رغم ما سيُواجهه هذا الإجراء من مشاكل جمّة تتمثل في التدريب والتمويل والتسليح.
المرصد الاستراتيجي
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
معهد إعداد القضاة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة