..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

طهران وموسكو.. التمسّك أولاً بـ"الغنيمة"

محمود الريماوي

١٢ مايو ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2266

طهران وموسكو.. التمسّك أولاً بـ

شـــــارك المادة

كان لافتاً أن الهجمات الإسرائيلية فجر الخميس، 10 مايو/ أيار الجاري، قد تمت بعد ساعاتٍ من مغادرة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، موسكو إلى تل أبيب، فالدولة العبرية تريد تحييد روسيا عن أي مواجهات مع إيران في سورية، وعن أي استهدافات لمواقع عسكرية للنظام مرتبطة بالوجود الإيراني. وقد جاءت الهجمات مقرونةً بالسلوك الروسي، تثبت هذه القاعدة في النزال الإيراني على الأرض، وفي الأجواءالسورية. وتدرك موسكو أن أي تدخل في هذه المواجهات قد يستدرج تدخلاً أميركيا، مما يعتبر حينها كسراً للمحظورات. وقد أوضح نتنياهو أنه أبلغ المسؤولين الروس بالهجمات قبل وقوعها.  


تدرك إيران هذه المعادلة. ولهذا تتفادى توسعة نطاق الحرب المحدودة. وقد جاء إطلاق الصواريخ على الجولان ليل الأربعاء 9 مايو/ أيار الجاري كإجراء عسكري لترميم المعنويات، ورفع الحرج، بعد استهدافات إسرائيلية متكرّرة لمواقع عسكرية إيرانية دونما رد يذكر. ولا وجود لمواجهةٍ مع الاحتلال الإسرائيلي في الأجندة الإيرانية التي تركز على تكريس الوجود الإيراني العسكري والاقتصادي والمذهبي، ودعم حزب الله في لبنان، وتأمين طريق برّي يصل طهران بالبحر المتوسط في لبنان عبر العراق وسورية.  
أما تل أبيب، فلا ترغب بحربٍ شاملة، تزعزع عقيدة حرب "نظيفة" بأقل خسائر وأضرار تذكر. وجُل المراد إسرائيلياً هو تخفيض مستوى التسلح والعسكرة الإيرانية في سورية إلى أقل مستوى ممكن، والتركيز على حرب إيران الخاصة بتعزيز وجود النظام في دمشق التغيير الديمغرافي، وصولاً إلى تغيير هوية سورية، بحيث تصبح على غرار هوية العراق السكانية والاجتماعية. ولهذا تتمسك طهران، ومعها حزب الله، بسياسة ضبط نفس طويلة المدى، وهو ما برهن عليه، على سبيل المثال، حزب الله اثني عشر عاما منذ آخر حرب إسرائيلية عام 2006، وقد لوحظ أن نائب رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني، أبو الفضل حسن بيغي، قد نفى الخميس أن تكون بلاده من أطلقت صواريخ على مواقع تمركز الجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل. وقال لوكالة سبوتنيك الروسية، إن جيش النظام السوري هو من استهدف خط المواقع الأمامية للجيش الإسرائيلي في الجولان بـعشرين صاروخًا.  


ولا تمانع روسيا سياسة ضبط النفس هذه بل تحبذها، فهذه الدولة "الكبرى" تنهمك في الإشراف على عمليات الاقتلاع والتهجير من المدن لفئة اجتماعية بعينها، وحشرها وحصرها في الشمال السوري، ليس بعيدا عن الحدود مع تركيا (استلهاماً لتراث قيصري في اقتلاع شعوب وأقوام من بلدانها، كما حدث مع الشركس من القوقاز والتتار من القرم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فضلا عن استلهام التراث السوفييتي في قمع انتفاضات الشعوب، كما حدث في بودابست وبراغ في خمسينات القرن الماضي وستيناته) وفي هذه الأثناء، تتفقد جموع النازحين إلى الشمال، أو ما بقي من مراكز طبية بغارات عسكرية روسية متواترة ترفع منسوب النصر على السوريين، في وطنهم. وكل من موسكو وطهران يتمسّكان بمنح أولوية مطلقة للتمسّك بالغنيمة السورية ومحاولة تحييد العالم كله عما يجري في هذا البلد، كما تلعب موسكو بأقل قدرٍ من النجاح دور الإطفائي في التوتر الإيراني الإسرائيلي، وطمأنة تل أبيب بأن الوجود الإيراني لا يستهدف تل أبيب من قريب أو بعيد، وإن استعادة الجولان المحتل غير مطروحة على الأجندات، فهناك أمور استراتيجية "أكثر أهميةً" تشغل بال كل من طهران وموسكو ونظام دمشق. ومع ذلك، تتمسك تل أبيب بحرية الحركة والمبادرة العسكريتين، كلما اقتضى الأمر ذلك من وجهة نظرها. ولم يجد المسؤولون الروس ما يعقبون به على التصعيد الإسرائيلي أخيرا سوى أنه "مثير للقلق"ـ كما جاء على لسان وزير الخارجية، سيرغى لافروف.  


وأميركا لا ترغب بالتورّط المباشر في حرب مفتوحة، تفادياً لمواجهة مع القوات الروسية، وخشية أن يفتح الإيرانيون جبهة على الوجود الأميركي في العراق، وكذلك لأن الرئيس ترامب يتطلع لإنهاء الوجود الأميركي في سورية، وليس للدخول في مجازفات صعبة.  
والراجح أن هذا الوضع سوف يستمر أمداً غير قصير، فموسكو كما يدل سلوكها لا تمانع، من طرف خفي، في إضعاف الوجود الإيراني، ولكن ليس إلى درجة استئصاله، فإيران شبه المعزولة دولياً تتسبب العلاقة معها ببعض الحرج لموسكو، وخصوصا بعد ما آل إليه التحالف الروسي مع بيونغ يانغ من فشل. علاوة على ما تشعر به موسكو بأنها حققت كثيرا من أهدافها في سورية، ولم يعد هناك من خطر وجودي على النظام في دمشق، فيما عمليات تصفية المعارضة الوطنية المسلحة، وإنقاص عدد السوريين السنّة وتصفية وجودهم في العاصمة دمشق وفي حمص، تسير بنجاح وعلى قدم وساق (قاعدة حميميم تبث على موقعها تقارير تفيد بتحريم وجود معارضين سوريين، وتجريمهم حيثما تنتشر الشرطة الروسية!). وتقوم في الأثناء بتعويض طهران بالوقوف إلى جانبها بما يتعلق بالاتفاق النووي، فضلاً عن التعاون العسكري والاقتصادي معها، وتسعى إلى التجسير بين طهران والعواصم الأوروبية، لعزل الموقف الأميركي المنسحب من اتفاق فيينّا 2015، وإن كان ذلك ليس ميسورا، فما زالت العواصم الأوروبية الرئيسية تعمل على حل وسط، يقضي بتعديل الاتفاق أو وضع ملاحق له.  


وفي نهاية المطاف، التصعيد الاسرائيلي ضد أهداف إيرانية ومواقع للنظام مرتبطة بشكل او بآخر بالوجود الإيراني، مع الاعتصام بموقف دفاعي محدود، يسحب الورقة الدعائية الإيرانية بنصرة القدس، والتي دأبت على تغرير ضحاياها السنّة بها (كما حال بعض فلسطينيي مخيمات سورية)، كما أن أطنان الدعاية الإيرانية حول إزالة إسرائيل، تصادف امتحانا عسيرا لها بعد انكشاف الاستراتيجية الإيرانية التي تقفز عن أي مواجهةٍ مع الاحتلال في الأمد المنظور. على أن جملة هذا الوضع ستظل مرتبطة بديناميات التمكين، وفق المنظورين، الإيراني والإسرائيلي، ومدى تمسك "المجتمع الدولي" بوضع نهاية سياسية عادلة للأزمة السورية تلبي الحد الأدنى من حقوق أغلبية السوريين، والأمر مرتبط أيضا بتفاعلات الموقفين، الأميركي والإسرائيلي، المستقبلية من الملف النووي الإيراني في حال اتجهت طهران إلى "التخصيب"، كما يقترن الأمر بالخطط الأميركية لوضع خطة أو مبادرة ما، ومدى اقترابها من الوفاء بالحقوق الفلسطينية، وكبح جماح الاحتلال، وتثبيت حق الفلسطينيين في اتخاذ القدس الشرقية عاصمةً لدولتهم المستقبلية. فالفلسطينيون يجدون مصلحةً لهم في إضعاف الوضع الإسرائيلي في أية مواجهة ما زالت مستبعدة مع إيران، ويستثمرون أية توترات إقليمية لتصعيد نضالهم السلمي المشروع ضد دولة الاحتلال.   

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع