راتب شعبو
تصدير المادة
المشاهدات : 2736
شـــــارك المادة
أثار المرسوم التشريعي رقم 16، الخاص بتحديد مهام وزارة الأوقاف في سورية واختصاصها، ردود فعل كثيرة مستهجنة ضمن الوسط الاجتماعي الذي يوصف بالموالي، أي الذي رأى في "نظام الأسد"، منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، سدّاً في وجه حكم إسلامي وشيك، ويرى بالتالي أنه ينبغي السكوت عن عيوب هذا النظام، لتسهيل معركته في وجه "الفاشية الإسلامية" المقبلة. يشكل هذا التصور القاسم المشترك الأعظم لغالبية الموالين. يشي الاستهجان الذي أثاره المرسوم بحيويةٍ سياسيةٍ، لا بزال يحتفظ بها هذا الوسط (الحيوية السياسية تعني الجاهزية للاعتراض وإعمال العقل النقدي فيما يصدر عن السلطة، بدلاً من التسليم والتمجيد المعهودين). وعلى الرغم من أن هذا الاعتراض يقصر عن مساءلة الدافع الرئيسي وراء هذا المرسوم أو غيره، وهو أنه لا غاية للسلطة التي يواليها أصحاب الاعتراض سوى ذاتها، وأنها جاهزة لأن تكون علمانية حين تخدمها العلمانية على البقاء، أو "إخوانية" حين يؤدي ذلك الغرض نفسه، أو مزيجاً بين هذا وذاك إذا اقتضى الأمر، فدين أصحاب السلطة الأسدية هو السلطة، ولا شيء آخر قد يتوهمه هذا الموالي أو ذاك، ولا يأخذها، في "دينها" هذا، لومة لائم. أقول على الرغم من ذلك يبقى للاعتراض أهميته، من حيث إنه يشكل وزناً في علاقات القوى التي تجيد السلطة الأسدية قراءتها. يبقى أن المعترضين لا يشكلون، في الحقيقة، قوةً مؤثرةً قياساً على القوة التي يسعى النظام إلى كسبها من مرسوم وزارة الأوقاف. سبق للوسط الموالي نفسه أن اعترض، في شهر مايو/ أيار الماضي، على وزير الأوقاف نفسه، وطالب بإقالته، احتجاجاً على التمادي في تدخل الدعاة والمشايخ في الحياة اليومية للناس، وقد وجهوا اعتراضهم حينها إلى "السيد الرئيس"، على أنه الجهة الحريصة على العلمانية والديمقراطية والحداثة .. إلخ. وها هو "السيد الرئيس"، بعد بضعة أشهر، يستجيب للاعتراض المذكور، بإعطاء هذا الوزير صلاحياتٍ غير مسبوقة. هناك في الواقع السياسي السوري ما يجعل النقاش بشأن أسئلة مثل: وهل كانت سورية علمانية أصلاً؟ أو هل "سيادة الرئيس" حريصٌ على العلمانية والديمقراطية؟ .. إلخ، نقاشاً قليل الجدوى إن لم يكن معدومها، لأن العلة السورية ليست في النهج السياسي للسلطة، علمانياً أو إسلامياً أو بينهما، بل في آليات السلطة نفسها، في غياب آليةٍ تنتج الشرعية السياسية، وتسقطها إذا اقتضى الأمر. غياب آلية تنتج الشرعية السياسية يجعل السلطة أمراً واقعاً "أبدياً"، لا يغيّره سوى العنف. في مثل هذا الواقع، تقل قيمة الدستور والقانون، ويصبح تطبيقها خاضعاً لاعتباراتٍ سياسيةٍ، ولتأثيرات الفساد وعلاقات القوة.. إلخ. هنا مكمن الخلل ومنبع أوجاع السوريين. يجعل المرسوم 16 من وزارة الأوقاف "دولةً ضمن دولة" كما يقال، أو يُنشئ جماعاتٍ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت اسم "لجان الأوقاف"، أو يستبدل استبداد التربية القومية لحزب البعث باستبداد التربية الدينية لمشايخ الأوقاف.. إلخ. هذه مخاوف جدية تحتاج بالفعل إلى معالجة، غير أن هذا المرسوم، من زاوية نظر سلطة الأسد، هو مراهنةٌ على مأسسة الدين الوسطي (الشامي)، وجعله دعامة لسلطة الأسد، وحاجزاً يحول دون "التطرّف". إنه ليس أكثر من حلقة جديدة في السلسلة اللانهائية التي تنتجها المعادلة الأسدية: السلطة أولاً. تتعلق المشكلة السورية أساساً بوجود بيئةٍ سياسيةٍ تسمح بالاعتراض والاحتجاج والتفكير النقدي. هذا هو وجع السوريين، ولكنه مصدر راحة أهل السلطة في الوقت نفسه. يعرف كل السوريين أن الأجهزة الأمنية لا تخضع لأي نوعٍ من المحاسبة، ولا يحكم عملها أي قانون، ما يجعل كل مواطنٍ مشروع ضحية مجرّداً من أي حماية. من شأن هذا أن يشلّ فاعلية أصحاب الرأي والضمير والمهتمين بالشأن العام، ويدفعهم إما إلى السكون أو إلى السجون. ومن شأن هذا أن يشرع أبواب المجتمع لكل الشرور المتوقعة، على الضد من الظن أن القبضة الأمنية المطلقة هي التي تحمي البلد. تقول معلقةٌ على منشور ناري ضد مرسوم وزارة الأوقاف، كتبه أحد الموالين على "فيسبوك": إنني جاهزة للنزول إلى الشارع للاحتجاج ضد المرسوم. ولكن إذا اعتقلوني، لا أدري ماذا سيحل بأولادي، وأعلم أن الجميع سيقولون لي عندها: "شو كان بدّك بهالشرشحة". هذا الخوف يسكن جميع الموالين في الحقيقة، وهو مربط الفرس في الشأن السوري العام، بكل تفرعاته. الرسالة الخالدة لسلطة الأسد هي إبقاء السوري تحت مظلة الخوف من السلطة الكلية لأجهزة الأمن الرسمية، أو من العصابات غير الرسمية المحميّة والمدعومة من أجهزة رسمية. رسالتها الخالدة ترك المواطن في دوامة الخوف والعجز، حين يجد الدولة المكلفة حمايته تحمي مذليه ومنتهكي حقوقه، بدلاً من أن تحميه. أما الهدف الخالد لسلطة الأسد فهو البقاء في السلطة إلى الأبد، ولا يهمها، في سبيل هذا الهدف، تعلمن المجتمع أو تأسلم أو تنصّر أو تهود. يرغمنا هذا على العودة إلى الموضوع السوري الأول، وهو: إن إرادة السوريين بتغيير نظام الأسد هي في الأساس إرادة التحرّر من الخوف الذي يشل هؤلاء الموالين اليوم، ويجعلهم يستنجدون بالجهة نفسها التي تقمعهم، وتصدر المراسيم التي تثير ريبتهم وتخوّفاتهم. تظاهر السوريون في الشوارع في 2011، على الرغم من الخطر والموت، ليتخلصوا من سلطة الخوف، على أمل التأسيس لبيئةٍ سياسيةٍ يحكمها القانون، ويمكنهم فيها التدخل في إدارة شؤونهم من دون خوف من "سلطة مطلقة". الجهة التي ساهمت في إفساد الثورة السورية بالقول إنها ثورة ضد حكم أقلية طائفية، هي نفسها الجهة التي تأتي المراسيم الجمهورية اليوم لتسترضيها، وتسترضي جمهورها، وتجعلها قيّمة على تربية الأطفال والشباب السوريين، حتى ولو على يد "دعاة" غير سوريين: "للوزير أن يستثني من شرط الجنسية من يرى تكليفه لضرورات المصلحة العامة". ليس أمام الموالي اليوم إلا أن يصمت، وإن شاء أن يتكلم عليه أن يتحرّك تحت سقف الخوف، بعيداً عن نقطة الألم التي هي غياب أي قانون ينظم عمل أجهزة الأمن، ويحاسبها إن تجاوزت على حقوق المواطن. نقطة الألم التي هي ترك المواطن لقمةً سائغةً وضحية "مشروعة" لهذه الأجهزة في أي وقت. في لحظةٍ ما، سوف يصطدم الموالون بهذا الجدار. سيكتشفون أنهم في مركبٍ يسير على غير ما يتصورون أو يرغبون. حينها سوف يتذكرون إخوة لهم سقطوا بالرصاص الحي في الشوارع والساحات، لأنهم تجرأوا على "السلطة المطلقة" التي يكرّر أربابها التصريح إنهم جاهزون لدوس الموالي قبل المعارض.
سعد العثمان
أحمد موفق زيدان
أنور مالك
حسين عبد العزيز
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة