غازي دحمان
تصدير المادة
المشاهدات : 2437
شـــــارك المادة
لم تعد مسألة سطوع نجم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سماء الحدث الدولي، أمراً ينطوي على ألغاز وأحجيات، إذ تكفي إطلالة بسيطة، بنصف عين وقليل من الإدراك، على المشهد السياسي الدولي، لمعرفة لماذا وكيف تجرى الأمور على هذه الشاكلة وتلك، وكيف صار بوتين نجم السياسة الدولية في أشد لحظاتها ظلاماً.
تُجمع أغلب الدراسات التي تناولت ظاهرة صعود بوتين على المستوى الدولي على أن سورية صنعت الجزء الأكبر منها (الظاهرة)، ومن رصيد قوة بوتين العالمية، سواء على مستوى اضطرار القوى الإقليمية الشرق أوسطية على التنسيق معه لإدارة مخرجات الحدث السوري، أو على مستوى اعتراف أميركا به لاعباً فاعلاً، أو حتى على مستوى تأثيراته في القارة الأوروبية، ودعمه اليمين المتطرّف، بل إن أكبر واقعة نبّهت العالم إلى قوّة بوتين، وهي تدخله في الانتخابات الأميركية، كان سببها المباشر خوفه من وصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، وما سيخلفه ذلك من تداعيات سلبية على غزوه سورية. ولكن حتى في سورية، لم يصنع بوتين المعجزات، ليتحوّل إلى لاعب دولي بارز، فهو، بعد أربع سنوات من استخدام سياسة الأرض المحروقة، عاجزٌ عن تثبيت سيطرته على الأرض السورية، وما زالت الوقائع متحرّكة والأحداث جارية، واحتمالات قلب المعطيات وتغيير مسار اتجاه الأحداث ممكن، وإن بصعوبة بعض الشيء. ومؤكد أن بوتين لم تواجهه مخاطر حقيقية في سورية تعرقل تقدّمه، وما يحكى عن انتصاراته في سورية ليس المقصود منه سوى الحرب اللامتكافئة التي خاضها ضد كياناتٍ تفتقر للأسلحة الرادعة لطائراته. ومن الناحية العملانية، لم يكن بوتين يعمل في بيئة خطرة، بل في ساحة فارغة لا تصارعه فيها سوى الأحوال الجوية. باستثناء ذلك، شكّلت الأطراف الدولية المفترض، أو نظرياً، أنها خصوم لموسكو، عوامل مساعدة لبوتين كي يسطع نجمه في سورية، فأوروبا انكفأت إلى حد بعيد، إلى درجة جعلت وزير خارجية الأسد يتجرّأ على شطبها من الخريطة الدولية. أما أميركا، فالمرجّح أنها هيأت المسرح السوري لروسيا، لرغبة إدارة الرئيس الأميركي السابق، أوباما، في التخلص من الضغوط التي تدعوه إلى التدخل. لذلك راح أوباما إلى أن سورية ستكون بمثابة أفغانستان ثانية لروسيا، من دون أن يهيئ الشروط اللازمة لذلك، بل إنه منع بعض حلفاء الثورة من العرب من شراء أسلحة مضادة لطائرات بوتين! انطلق بوتين، في صعوده من واقع احتقار الغرب له، وكان ذلك أحد أهم محرّكات صعوده، فروسيا كانت، في نظر أوباما، قوّة إقليمية، وهو ما دفع بوتين إلى البحث عن فرصةٍ سهلة للفوز لإثبات أن هذا التقييم الأميركي لروسيا غير دقيق، وأن على العالم إعادة تقييم القوّة الروسية من واقع التجربة السورية القادمة. ولكن لماذا سورية؟ تثبت معاينة سياق الأحداث، منذ بدء التدخلات الخارجية في هذا البلد، أن أغلب هذه الأطراف، الإقليمية، المتدخلة أنهكت خلال زمن قصير، وأن الأطراف الدولية غير معنية أبداً بما يجرى على الساحة السورية، وليست مستعدة لضخ موارد كبيرة لتغيير مجاري الأحداث أو لإسقاط الأسد. ولم يكن صعباً على بوتين الذي كان يراقب التطورات السورية الوصول إلى هذه الخلاصة، فالأحداث كان قد مرّت عليها أربع سنوات، وكانت هذه المدّة كافيةً لفهم اتجاهات الأحداث في هذا البلد، والموقف الدولي منها. وعلى الرغم من ذلك، لم يعلن بوتين عن تدخله في سورية، كما تفعل الدول الكبرى في مثل هذه الحالات، بل تسللت طائراته ليلاً كما يفعل لصوص الليل. بعد ذلك، صار معروفاً السياق الذي تمّت به إدارة الصراع في سورية، فقد قدّمت الإدارات الأميركية سورية لروسيا على طبق من فضة، أراحتها من قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قضت عليه في سورية والعراق، ومنحت بوتين نصراً لا علاقة له به، كان في ذلك الوقت مشغولاً بقتال الخوذ البيض وتدمير المستشفيات وقتل الأطفال ودفع الملايين إلى الهجرة. وفي آخر الأمر، أعطت إدارة ترامب لبوتين مساحاتٍ في مناطق شرق الفرات، ما كان بوتين يحلم بالوصول إليها، بل إنه، ومنذ واقعة قتل الأميركيين مئات المرتزقة الروس الذين حاولوا عبور نهر الفرات، اقتنع بما منحته إياه الأقدار الدولية في سورية، ولم يبد أدنى انزعاج، كما أنه بدا راضياً بالمحاصصة التي فرضها الأمر الواقع، والتي قسمت الجغرافية السورية بينه وبين أميركا وإيران وتركيا، كما كان خاضعاً تماماً لمعادلة الأمن الإسرائيلي، القاضية بوجوب توجيه ضربات داخل الأراضي السورية لدى تقدير إسرائيل وجود مخاطر تستدعي ذلك. ولكن ماذا يفعل بوتين تجاه الهدايا المجانية التي يهبها إياه اللاعبون الكبار، أميركا وغيرها، سواء في تردّدهم وحساباتهم المبالغ بها، أو من خلال تقديراتهم الخاطئة واستجاباتهم المتأخرة، ومثال ذلك، دعوة ألمانيا إلى تشكيل منطقة عازلة في شرق سورية بقوات أوروبية، بعد أن شعر الأوروبيون بأنهم ارتكبوا خطأ استراتيجياً يستوجب تداركه بسرعة؟ وبعد أن انتقدت وزيرة الدفاع الألمانية، أنيجريت كرامب كارنباور، السلبية التي طبعت سلوك ألمانيا والأوروبيين في القضية السورية، قائلة "هم كالمتفرجين من وراء سياج". ولكن ما فائدة تلك الصحوة في وقتٍ أصبح الوجود الروسي شرق الفرات أمراً واقعاً. ربما يشكّل تراجع القوّة الأميركية أحد أسباب بروز الظاهرة البوتينة. ولكن على الرغم من ذلك التراجع، لم تصل روسيا إلى درجةٍ من القوّة تجعلها لاعباً دولياً فاعلاً، والتفسير الأقرب أن تهافت السياسة الدولية، وافتقارها إلى قادة حقيقيين، جعلا بوتين يتحوّل نجماً.
مركز جسور للدراسات
خالد مصطفى
رضوان زيادة
ماجد كيالي
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة