الجزيرة نت
تصدير المادة
المشاهدات : 3848
شـــــارك المادة
عندما توجه الرئيس بشار الأسد في الثالث من هذا الشهر بخطاب إلى مجلس الشعب السوري، متأخرا بعشرة أيام عن موعده المحدد، لم تحمل كلمته جديدا في مضمونها، لكنها كانت لافتة بسبب شكليات أخرى أحاطت بها، كما كتبت صحيفة لوموند الفرنسية.
فإضافة إلى انتهاء ظاهرة التصفيق الحماسي والعفوي لشخص وكلمات وأفعال الرئيس، لم يغب عن أحد أن من رافق بشار الأسد كان نائبته نجاح العطار.
لم يكن حضور نجاح العطار -وزيرة ثقافة حافظ الأسد التي رقيت عام 2006- في مثل هذه المناسبة نشازا، لكنه أبرز الغياب الكبير: غياب فاروق الشرع.
فالشرع عُين قبلها في منصب رئيس الجمهورية، وعمل قبل ذلك وزيرا للخارجية لاثنين وعشرين عاما، مما يجعله بروتوكوليا أهم منها، فهو في منصبه مسؤول عن الشؤون الخارجية ووسائل الإعلام، بينما لا تدير هي إلا ملفات الثقافة وشؤون المرأة.
الصف الأول وإذا كانت الوزيرة نجاح تحسب على الصف الأول لمؤيدي الرئيس، فإن فاروق الشرع يحسب على الأقل على هذا الصف هو الآخر.
لم يكن نائب الرئيس في زيارة إلى الخارج (حيث قلت تنقلات المسؤولين السوريين بسبب العقوبات وقيود فرضها النظام على حركة رموزه خشية الانشقاقات) فقد كان من الطبيعي أن يرافق الرئيس.
ولأن البروتوكل السوري -كما تقول لوموند- تحكمه قوانين غير مكتوبة، فقد أخذ البعض يتحدث عن فرضية تقول إن أصحاب السلطة "الحقيقية" متضايقون من هذه الشخصية البارزة التي تمثل السلطة "الظاهرية" بسوريا.
خطأ الشرع في هذه الأوقات العصيبة أنه ظل يحتفظ ببعض الشعبية، وظل يتمتع (وهو شيء نادر بالنسبة لمسؤول سوري) بسمعة رجل نزيه، يراه كثيرون مخرجا ممكنا من الأزمة، وهو بديل غير مقبول على الإطلاق بالنسبة للأسد وكل العائلة التي تحكم في سوريا.
"موظف العائلة" يتذكر البعض كيف جهر الشرع برأي مختلف في الأزمة، أواخر مارس/آذار 2011، قبل أن ينحى تعاطي السلطات مع المظاهرات هذا المنحى الاستئصالي، وحين كان هدف الرئيس وأصحاب القرار يقتصر على تطويق السكان بجدار الخوف الذي بدأ ينهار.
كان الشرع في زيارة إلى قرية الصنمين، حيث خلف القمع 23 قتيلا، بعد أسبوع من بدء الحراك في درعا المجاورة، مسقط رأسه.
احتج الشرع على وحشية قوات الأمن، لكنه أساء التقدير.
فقد أطلق عليه ماهر الأسد -الغاضب من موظف العائلة هذا الذي جهر بصوته أمام أخيه الرئيس- بضع رصاصات بين قدميه.
لم يصب الشرع بجروح، لكن صدمته لما حدث أدخلته المستشفى.
مهمة مزدوجة وفق المنطق السائد في أعلى هرم النظام السوري، فإن كل شخصية استفادت من تعيين في الحزب والحكومة وأجهزة الدولة، مسؤولة عمن يعتبرون "قاعدتها الشعبية الطبيعية".
وشاءت أم أبت، فإن هذه الشخصية، بقبولها الترقية، تكون قبلت أيضا مهمة مزدوجة: تمثيل قاعدتها في أجهزة الدولة وضمان ولائها للنظام.
هذا هو المنطق الذي ساد في بلدة الرستن -التي ينحدر منها عدد كبير من العسكريين لا يتناسب مع عدد سكانها- عندما بدأ فيها الحراك. حينها -وكما في كل سوريا تقريبا- لم يكن المتظاهرون يطالبون بسقوط النظام، لكن فقط ببعض الاحترام من أجهزة المخابرات.
وكما كان متوقعا، أوكلت مهمة تهدئة خواطر سكان الرستن إلى عسكريين ينحدرون من البلدة، من أفراد عائلة طلاس (مصطفى طلاس وزير الدفاع الأسبق، وابنه مناف العميد بالحرس الجمهوري).
كان الاتفاق كالتالي: طالما ظلت المظاهرات سلمية، وتحت السيطرة، فإن النظام لن يقمعها. لكن قوات الأمن لم تحترم الاتفاق، ومع ذلك اعتبر طلاس الأب والابن مسؤولين عن انهياره، ورُكِنا على الهامش.
على الهامش كذلك هُمش الشرع لبعض الوقت، قبل أن يستعيد حظوته لدى النظام، عندما احتاج الأسد شخصية لها القدرة على ربط العلاقات وفتح حوار مع المعارضين.
ولأن الشرع أقدر من مستشارة الرئيس للشؤون السياسية والإعلامية بثينة شعبان، فإنه سجل حينها نقاطا لصالحه، إنْ لم يكن مع المعارضة، فمع بعض العواصم العربية.
بدا الشرع كحل ممكن، والرئيسَ المناسب لمجلس وطني يدير شؤون سوريا انتقاليا في حال اتفق الطرفان على مخرج للأزمة، وهو سيناريو أيدته عواصم خليجية تريد حلا على الطريقة اليمنية، يبدأ بتسليم الرئيس سلطاته إلى نائبه الأول.
لكن مثل هذا الحل لقي رفضا صريحا من نظام الأسد، الذي حجر على تحركات الشرع وطلب منه تقليل ظهوره.
وعندما طلب المبعوث الأممي العربي كوفي أنان، خلال زيارة إلى دمشق أواخر الشهر الماضي، مقابلة النائب الأول للرئيس السوري، لم يواجه برفض صريح، لكن طلبه لم يلب كذلك.
أما أصدقاء الشرع، فيخشون عليه من هذا الاهتمام، حتى لو صب في صالح الوطن. يخشون عليه من اغتيال مقنع في شكل حادث سيارة أو انتحار برصاصتين في الرأس.
أسرة التحرير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة