عزيزة سبيني
تصدير المادة
المشاهدات : 18411
شـــــارك المادة
الحديث عن المكتبة الظاهرية بدمشق، حديث يعيدني بالذاكرة إلى سنوات مضت، حينها كنت لا أزال طالبة في كلية الآداب بجامعة دمشق، وكان الذهاب إلى المكتبة الظاهرية أشبه بنزهة أسبوعية، فلم تكن وسائل الاتصالات قد ظهرت بقوة كما الآن. كما أن الحصول على كتاب أو شرائه كان ضرباً من المستحيل، وخاصة، بالنسبة لأمهات الكتب. من هنا، كانت المكتبة الظاهرية وسيلتنا الوحيدة للتزود بالعلم، والحصول على المراجع والمصادر التي تفيدنا في ميدان البحث والدراسة.
الموقع الجغرافي: تقع المكتبة الظاهرية في قلب مدينة دمشق القديمة، وبجوار العديد من الأوابد الأثرية والمباني القديمة التي وهبت المدينة هويتها التاريخية، كالجامع الأموي وسوق الحميدية وقلعة دمشق وحمام السلطان الظاهر، وغيرها... وفي حي العمارة باتجاه باب البريد شارع ضيق معبد بالحجر البازلتي الأسود - مشت عليه في يوم ما عربات السلاطين والملوك والأمراء وقادة الجيوش- يرتفع مبنى حجري مرسوم بدقة متناهية، توحي بأن يد القدر قد ساهمت في تشييده بخطوط صممت من حجارة سوداء بازلتية، وأخرى صفراء جيرية تعلوها رسومات وكتابات تشير إلى تاريخ بناء المكان. وتعتبر المكتبة الظاهرية، أو المدرسة الظاهرية من أهم المدارس وأكثرها رسوخاً في الحياة الفكرية والاجتماعية لمدينة دمشق، تقابلها المدرسة العادلية الكبرى، حيث يظهر الانسجام الواضح بين البنائين، وكأنما أراد المصمم أن يؤلف منهما وحدة عمرانية يتحديان الزمن والفناء بروعة وجلال. وحسب الدراسين، تعتبر المدرسة الظاهرية هي الأجمل من نظيرتها العادلية بل أجمل ما بنى المماليك. نقرأ في الجهة اليمنى من البناء عبارة:(المدرسة الظاهرية – مدرسة السلطان بيبرس وتربته، بنيتا سنة 676 هـ- 1277م). وفي الجهة اليسرى دوّن اسم مهندسها: "إبراهيم بن غانم". تدخل إليها عبر باب لا يختلف عن أبواب الأبنية في دمشق إلا في زخرفته، والكتابة التي تؤرخ المكان، وتعلو الباب ثلاثة صفوف عريضة من الكتابة النسخية المزهرة، ورد في الصفين الأوليين ذكر وقفها، وفي الصفين التاليين أسماء بُناتها. "بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بإنشاء هذه التربة المباركة والمدرستين المعمورتين المولى السلطان الملك السعيد أبو المعالي محمد بركة خان ابن السلطان الشهيد الملك الظاهر بيبرس.". هذه العبارة كتبت فوق الباب الرئيس للمكتبة الظاهرية بخط نسخي مزهر، تدل على أن البناء يضمُّ قبري الملكين، الظاهر بيبرس وابنه سعيد أبو المعالي ناصر الدين محمد بن بركة خان، الذي أمر ببناء المكتبة، ولإتمام إنجازها قام بشراء المكان الذي كان قصراً للأمويين وأسس فيه مدرستين إحداهما للشافعية، والثانية للحنفية، وداراً للحديث، بالإضافة إلى المدفن. تحفة معمارية بديعة: تعبر المدخل الأساس إلى رواق ذي أقواس محمولة على عمودين حجريين كبيرين، وهذا الرواق مستوحى من بناء المساجد، تجتازه لتنفتح أمامك الباحة الخارجية وهي فسحة مربعة الشكل، يؤطرها جدران تنسحب إلى الأعلى عارية من أية زخارف، والباحة معروفة في بيوت الدمشقيين وعماراتهم وهي مزدانة بأشجار النارنج والكباد والليمون، وأزهار الشمشير واللبلاب والشب الظريف والعطرة، تتوسطها الفسقية الرخامية المضلعة التي تزينها نافورة المياه العذبة. الوقوف في باحة الظاهرية لا يتيح لك أن تحدد معالم المكان بدقة، فالغموض يسيطر على ما يمكن أن تحتويه الأبواب التي تتوازعها الجدران في داخلها، بعض هذه الأبواب ينفتح على الباحة مباشرة، وبعضها ينغلق على أدراج متعرجة تصعد إلى الأعلى لتنبئ عن وجود غرف وقاعات أخرى حديثة البناء. ما تبقى من الظاهرية كصرح حضاري يحمل مميزات وروح عصره تمثله فقط قبة الضريح، التي تقع إلى يمين الداخل للمكان، فهي لا تزال محافظة على روعتها وأصالتها، وأقيمت حولها خزائن الكتب، وتكسو جدرانها زخارف مرمرية ملونة بالفسيفساء الزجاجية، كذلك، تزدان أقواس الشبابيك بالفسيفساء، وهي قبة حجرية مرتفعة يصل ارتفاعها إلى حوالي ثلاثين متراً، وتنتصب جدرانها المكسوة بزخارف من المرمر والحجر المنحوت في شموخ مهيب، كأن السلطان الظاهر يغالب الفناء، ويحدد لنفسه موقعاً في عصور تلت عصره. من هذه القبة تهب عليك نسائم القرون الغابرة، فيزداد إحساسك بالعزلة والخشوع، أشعة الشمس المتسربة من نوافذ القبة تتبعثر كلها فوق الضريح لتضفي على المكان سكوناً وهدوءاً، يتمثل بالوحدة اللونية التي لا تتبدل بتغير حركة الشمس واتجاهها نحو الغروب. وإلى جانب هذه القاعة يوجد إيوان انتهت عمليات الترميم فيه، يقابله الإيوان الشرقي الذي لم يعد موجوداً، تدلُّ عليه ثلاثة أحجار هي بقايا قوسه، وقد حلَّ محله بناء آخر يبدو أنه شيد في العهد العثماني. ويوجد في الجهة الشرقية دار الحديث والتي لا يزال مدخلها واضحاً رغم التعديل فيه. وفي الجهة الشمالية توجد قاعة كبيرة.
النشأة والتأسيس: إن المباني التي شيدها الأيوبيون والمماليك يتراوح حجمها وفخامتها تبعاً لطبيعة حكم السلطان من حيث استقراره في الحكم، لذلك قامت الظاهرية على دار من أعظم دور دمشق وأكثرها شهرة، وهي تدعى بدار العقيقي لصاحبها أحمد بن الحسن العقيقي المتوفى سنة 378هـ، وعندما حلَّت الأسرة الأيوبية في دمشق سكن فيها نجم الدين أيوب والد السلطان صلاح الدين وأخيه الملك العادل. وحين دخل صلاح الدين الأيوبي دمشق سنة 569هـ بعد وفاة السلطان نور الدين الزنكي نزل بدار والده، وأثناء أفول الدولة الأيوبية انتقلت هذه الدار إلى الأمير فارس الدين أقطاي، ومن ورثته اشترها الملك السعيد، وبنى فيها القبة لكي يدفن والده الملك الظاهر، وأمر بجعلها مدرسة يؤمها طلاب العلم من كل الأرجاء، ثم عزل الملك السعيد كما عزل أخوه بعده، وأصبح الحاكم في دولة المماليك السلطان قلاوون، الذي أمر باستمرار البناء في المدرسة، وقد انتهى سنة 680هـ، وفي ربيع الأول من ذلك العام وصلت أرملة الظاهر بيبرس ومعها جثمان ابنها السعيد فدفنته إلى جانب أبيه، من هنا، فإن أغلب المباني التي شيدها الأيوبيون والمماليك وأمراؤهم تضم مقابرهم، كما هو الحال، في المدرسة العادلية الكبرى التي تضم ضريح الملك العادل. فتحت المكتبة أبوابها لأول مرة يوم الأربعاء 13 صفر سنة 677هـ، وكانت مركزاً مهماً لتدريس الفقه على المذهبين الحنفي والشافعي وألقى فيها الشيخ (رشيد الفاروقي) مدرس الشافعية الدرس الأول في الإيوان الشرقي، بينما ألقى الشيخ الحنفي (صدر الدين سليمان بن أبي العز) الدرس الأول في الإيوان القبلي، وقد درّس في هذه المدرسة منذ القرن السابع إلى القرن الثالث عشر الهجري علماء دين بارزون، من أمثال الأذرعي، والسمرقندي، وأبو اسحق اللوري، والواسطي، وابن الجابي، والفزاري، والناسخ، وابن شهيد وغيرهم. بدأت المدرسة مرحلة جديدة من تاريخها خلال فترة الحكم العثماني، فقد حوّلت إلى مدرسة ابتدائية حملت اسم: مدرسة الملك الظاهر 1294هـ. ثم كان القرار التاريخي الهام بتحويلها إلى مكتبة عامة، وذلك من قبل مفتش التعليم في دمشق الشيخ طاهر الجزائري مع الشيخ سليم الحجازي وذلك في سنة 1295هـ - 1877م وبدأ مع زملائه بجمع المخطوطات من الدور الخاصة، والمكتبات المتفرقة. ومن شدة خوف الشيخ الجزائري على الكتب والمخطوطات النادرة جمع الكتب الوقفية جميعها في المدرسة الظاهرية وبلغ عددها (2453) كتاباً ومخطوطة، وسميت في العهد العثماني بالمكتبة العمومية، وكانت أول وأكبر مكتبة عرفت في ديار الشام بما حوته من نوادر الكتب والمخطوطات.
مكتبة المكتبات: استطاع والي دمشق مدحت باشا الحصول على أمر سلطاني بجمع الكتب من المكتبات الوقفية، وبجهود ومساعي الشيخ طاهر الجزائري تمَّ جمع الكتب من عشر مكتبات: المكتبة العمرية: وكان مقرها في حي الصالحية وفيها خزانة كتب لا نظير لها ومكانها في المدرسة العمرية التي أنشأها الشيخ أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامى المقدسي المتوفى سنة (607)هـ، وهي في الأصل خاصة بالحنابلة الذين هاجروا من القدس عام (551)هـ، واستقروا على سفح جبل قاسيون. وبناء على ما ورد في كتاب دمشق بين الماضي والحاضر (محمد بسام العش) جُمع منها ما يقارب 660 مخطوطاً. مكتبة عبد الله باشا العظم: ومقرها مدرسة عبد الله باشا بن الوزير محمد باشا محافظ الشام التي بناها سنة 1193 هـ بدمشق، فوجد فيها 461 مجلداً. مكتبة الخياطين: وفيها مجموعة من الكتب وقفها الوزير أسعد باشا العظم وجعلها في مدرسة والده إسماعيل باشا في سوق الخياطين وعدد كتبها التي نقلت إلى الظاهرية 375 مخطوطاً. مكتبة الملا عثمان الكردي: وكانت موضوعة في المدرسة السليمانية ووجد فيها 312 مخطوطاً. المكتبة السليمانية: وقفها سليمان باشا بن إبراهيم العظم وجعلها في المدرسة اليمانية قرب باب البريد، فُقد معظمها ولم يبق منها إلا القليل حوالي (260) مخطوطاً نقلت إلى الظاهرية. ا لمكتبة المرادية: مكتبة كبيرة تابعة للمدرسة المرادية أنشأها الشيخ مراد النقشبندي، نقلت جميعها إلى الظاهرية. ا لمكتبة السميساطية: و كان مقرها في الخانقاه السميساطية وتقع عند باب الأموي الشمالي المعروف بباب العمارة وعثر فيها على 81 مخطوطاً. مكتبة بيت الخطابة في الجامع الأموي: وهي مجموعة كتب وقفها صاحبها علي الدفتري حوالي (73) مخطوطاً. مكتبة الأوقاف: جمعت من خزائن متنوعة ووضعت في ديوان الأوقاف حفاظاً عليها وعددها 64 مخطوطاً وأربعة كتب مطبوعة. المكتبة السياغوشية: وكان مقرها في مسجد يقع بجادة تسمى القصاعين داخل باب الجابية. بناه حسن باشا الشوربزي بأمر الوزير الأعظم سياغوش باشا، و لم يبق منها إلا أحد عشر مخطوطاً. كما أن هناك عدداً آخر من المكتبات التي ساهمت في تكوين محتويات الظاهرية، منها مكتبة جامع يلبغا، ومكتبة المدرسة الأحمدية. وفي زمن رؤوف بك والي دمشق أوائل القرن العشرين جمع لها نحو (خمسمائة ليرة ذهبية) وابتاع لها الكتب. كما تلقت الظاهرية العديد من المخطوطات كهدية بلغ عددها (4612) مخطوطاً، أما المطبوعات فبلغ ما أُهدي إلى المكتبة (1206) كتاباً. أما الذين أهدوا مكتباتهم إلى الظاهرية، أو أهدى ورثتهم مكتباتهم إليها فهم: مكتبة عبد الغني القادري 946 كتاباً. مكتبة محمد طاهر أبو حرب 919 كتاباً. مكتبة أحمد صدقي كيلاني 578 كتاباً. مكتبة الدكتور رشاد الجاسم 464 كتاباً. مكتبة محمد عارف المنير 244 كتاباً. مكتبة سعيد الخاني 190 كتاباً. المكتبة البريكية 179 كتاباً. مكتبة رفيق التميمي 173 كتاباً. دار الكتب الوطنية: في شهر حزيران من العام 1919م، ألحقت المكتبة الظاهرية بالمجمع العلمي العربي، وسميت دار الكتب العربية، وكان المفكر الراحل محمد كرد علي أول رئيس للمجمع والمكتبة. وفي العام 1927م، بدأ رؤساء المجمع العلمي بإخلاء الظاهرية من المدرسة الابتدائية، وترميم بنائها وإمدادها بالكتب وتخصيصها فقط للمطالعة، كما وضعوا لها نظاماً داخلياً يتضمن مواعيد المطالعة، وشروط الدخول والخروج إلى المكتبة، والاستعارة الداخلية والخارجية، كما قاموا بترتيب الكتب وتنظيم الفهارس على طريقة المدينة المنورة والتي تقوم على وضع الكتب في الرفوف عمودية وليست أفقية. تضم المكتبة ثلاث قاعات: "قاعة الأمير مصطفى الشهابي، قاعة الشيخ طاهر الجزائري، قاعة خليل مردم"، كما يوجد ثلاث مستودعات: الأول للمخطوطات: ويقوم في القبة الظاهرية ويضمُّ مجموعة ضخمة من المخطوطات من شتى العلوم. الثاني للمطبوعات: ويضم الكتب المشتراة والمهداة إلى الدار. الثالث للدوريات: ويضم الصحف والمجلات والنشرات والتقارير العربية والأجنبية. كما تحتوي سابقاً على دائرة تصوير: فيها أحدث الأجهزة لتصوير الكتب والوثائق، ومن الملاحظ أن الحمام الملاصق "للمدرسة الظاهرية" من جهتها الشمالية كان من أجزاء المدرسة القديمة. بلغ عدد الكتب الموجودة في المكتبة حوالي 72 ألف كتاب، وما يقرب من 85 ألف مجلة مقسمة إلى أصول وفروع حسب علاقتها بذلك الأصل، وهذه الأصول عبارة عن ثمانية عشر صنفاً تضم 53 فرعاً. أما قسم المخطوطات والحديث فقد بلغت محتوياته 13 ألف مخطوط قديم ونادر، وأقدم المخطوطات كتاب مسائل الإمام أحمد بن حنبل المنسوخ في عام 260هـ. تحتضن المكتبة في خزائنها مجموعات من المؤلفات الفائقة الأهمية مثل: كتاب "القانون في الطب" لابن سينا (طبعة عام 1593م) و"الكليات" لأبي البقاء الكفوي (طبعة عام 1280هـ) و"تاريخ الدول الإسلامية في المغرب لابن خلدون" (طبع عام 1297هـ) و"لسان العرب" لابن منظور (طبعة عام 1300هـ) و"الأسماء والمصنفات" (عام 1313هـ) والناسخ والمنسوخ في كتاب الله، للإمام قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة 117هـ، وكتاب "المهذب في الكحل المجرب" توجد منه نسخة فريدة في الفاتيكان وأخرى عثر عليها مؤخراً في دمشق في المكتبة الظاهرية و"الكتاب الشامل في الطب" جزء واحد ناقص. كما تحتوي المكتبة على عدد من المخطوطات الجزائرية والمغاربية والتي يمكن الإشارة إلى بعضها: -أحمد بم يحيى التلمساني، سكردان السلطان. -أحمد بن محمد التلمساني المقري، أزهار الرياض في أخبار عياض. -الثعالبي، ثمار القلوب في المضاف والمنسوب. - محي الدين أبو العباس أحمد بن علي القرشي المغربي المعروف بالبوني، كتاب في تعبير الرؤيا. -أبو زيد عبد الرحمن بن أبي غالب بن عبد الرحمن الجادري المديوني الموقت في مسجد القرويين بفاس، رسالة في علم الرمل. - محي الدين ابن أبي شكر المغربي، نبذة من كلام الفلاسفة. -أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب، حواشي على رقائق الحقائق في حساب الدرج والدقائق. -عبد الرحمن أبو القاسم المعروف بابن الخطيب، جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس. -ابن حزم الأندلسي رسالة في مداواة النفوس. -إبراهيم بن محمد بن محمد المغربي الأندلسي، تمرين الناقلين في أحوال النيرين. -أحمد الخفاجي، خبايا الزوايا فيما في الرجال من البقايا. -محمد الأندلسي، غريب القرآن. -محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب في لسان العرب. -أحمد بن ميرها القرطبي، المنتفى لأهل التقى. -عبد المجيد بن عبدون الأندلسي، لجاجة الزهر وفريدة الدهر. تسميات المكتبة: تفاوتت أسماء المكتبة الظاهرية من "المكتبة العمومية" عام 1298، إلى "دار الكتب العربية" سنة 1919، فالمكتبة "الأهلية" سنة 1934، فدار "الكتب الوطنية" سنة 1947. ونظراً لعدم توفر شروط الحماية، ووجود قسم متخصص بالترميم في مكتبة الأسد الوطنية، فقد تمَّ نقل المخطوطات إليها، بالإضافة إلى حوالي خمسة آلاف كتاب. وفي الوقت الحالي يقوم مجمع اللغة العربية بالتعاون مع الحكومة الكازاخستانية، وبإشراف وزارة التعليم العالي ومديرية الآثار بعمليات ترميم للمكتبة تشمل البنية التحتية وإصلاح الأسقف والجدران، بالإضافة إلى أعمال ترميم قبر الملك العادل، وقبر الملك الظاهر، وترميم الإيوانين القبلي والشرقي المخصص للباحثين وقاعة المطالعة الرئيسية و4 قاعات أخرى لتخزين الكتب والدوريات بطاقة استيعابية تبلغ أكثر من 100 ألف كتاب تمَّ تجهيزها بتقنيات للمحافظة على الكتب لفترات زمنية طويلة إلى جانب مرافق تتضمن مكاتب الإدارة والمخدم الآلي لأتمتة الدوريات والمحتويات الأخرى للمكتبة، فضلاً عن ترميم المخطوطات من خلال ورشة عمل تمارس عملها في مبنى مجمع اللغة العربية. مجمع اللغة بدمشق تأسس قبل مجمع القاهرة: للوقوف على إنجازات أعمال الترميم التقينا الدكتور مروان محاسني المدير العام لمجمع اللغة العربية: بداية، هل لك أن تحدثنا عن موقع المكتبة الظاهرية في الثقافة المعاصرة؟ لا تزال المكتبة الظاهرية صرحاً أصيلاً في دمشق القديمة يمثل سلسلة من المفكرين والكتاب والباحثين الذين تقاطروا إليها، ليجدوا المراجع التي لم تكن سهلة التداول وخاصة، في السنوات الأولى التي تلت انتهاء العهد العثماني، وهذا ما جعل الدولة السورية الفتية تلحق المكتبة الظاهرية بمجمع اللغة العربية الذي أسسه المفكر الراحل محمد كرد علي الذي كان مسؤولاً عما يسمى حينها (دائرة المعارف)، التي تحوّلت في العام 1919 إلى مجمع اللغة العربية في دمشق، وكان مجمع دمشق للغة العربية منارة جعل الدول العربية الأخرى تسارع بعد خروج السلطة العثمانية إلى تأسيس مجامع لغوية خاصة بكل دولة، وكان أولها مجمع اللغة في القاهرة بعد 13 عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق.
ماذا عن أعمال الترميم التي تشهدها المكتبة اليوم؟ إن المكتبة الظاهرية قد هرمت من ناحيتين، الأولى من ناحية البناء، والثانية من ناحية سهولة الاستعمال للقراء والباحثين، فقد تراكمت فيها الكتب واختلّ تصنيفها وأصبحت مكتبة تعتمد أساساً على المراجع التراثية، وزيارتها لم تعد من الواجبات الأساسية لكل من يعمل في المجال الثقافي وذلك لصعوبة الحصول على الكتب، وكون المكتبة لا تزال تابعة لمجمع اللغة العربية، فقد ارتأينا إعادة تأهيلها، وذلك لتستعيد دورها الحضاري والإنساني، وجعلها منارة ثقافية عربية في دمشق القديمة، وهذا ما دعانا لقبول المشاركة من الحكومة الكازاخستانية في أعمال الترميم كونها تهتم بضريح (الظاهر بيبرس)، فتمَّ عقد اتفاقية بين المجمع والحكومة الكازاخستانية لترميم الضريح، وتمت الاستفادة من هذه الفرصة لإعادة النظر في الإصلاحات والترميمات اللازمة، وهذا ما تطلب إجراء دراسة شاملة لإعادة النظر في توزيع قاعاتها، والاستعمال الوظيفي لكل قاعة من القاعات، ولم يكن هذا الترميم ليُدخل أي تعديل على الهيكلية الأساسية للمكتبة الظاهرية، بل أعاد بعض الأجزاء الخربة إلى وضعها الأصلي، فهناك قوس حجري يعلو الإيوان الشرقي وكان ناقصاً، فقام المهندسون بإعادته إلى أصله دون تغيير أي شيء في معالمه، وكذلك الأمر في الهيكلية الأصلية للمكتبة، وطبعاً جرى إعادة النظر في الرخام التقليدي الموجود في القاعات، وترك للحكومة الكازاخستانية التخطيط للضريح الخاص بالسلطان وابنه على الشكل الذي يرتؤونه، وكان إصرار المجمع على أن تعود القاعة التي تحتوي الضريح إلى رونقها بالصدفات المزينة لجدرانها والنقوش الأصلية وتمَّ ذلك بالتعاون مع مديرية الآثار التي أشرفت على دقة تنفيذ هذه النقاط الجمالية. هذا عن البناء، كيف سيتم توزيع القاعات ومحتوياتها؟ أيضاً، كان لا بد من إعادة النظر في أوضاع الكتب، فكان المخطط الأصلي تخصيص قاعة كبيرة للمطالعة، ويبقى كل من الإيوان الشرقي والإيوان الجنوبي مجالاً خاصاً بالبحوث يُزود بالمراجع الأصلية، ولا يدخله إلا الباحثون. وأما تصنيف الكتب فقد جُعل في خزائن حديثة متحركة تستوعب الآلاف من الكتب، مع تخصيص قاعة مغلقة بأبواب حديدية للكتب النادرة والمخطوطات التي تحتاج إلى تهوية خاصة وحرارة ثابتة، وهذه القاعة تتشابك مع المستويات الأخرى من المكتبة بواسطة مصعد تنقل فيه الكتب إلى الدور الأعلى ثم تسلم وتعاد عن طريق المصعد إلى المخزن. علمنا أن بعض مخطوطات المكتبة تمَّ نقلها إلى مكتبة الأسد الوطنية، ما هو حجم المخطوطات التي لا تزال بحوزتكم؟ لا تزال المكتبة الظاهرية تحتوي على عدد من المخطوطات الثمينة، كما تحتوي، أيضاً، على مصورات دقيقة تعتبر بمثابة مراجع للمخطوطات الموجودة في مكتبة الأسد الوطنية، وقد تمَّ إدراج المخطوطات الباقية إلى جانب تلك المخطوطات الموجودة في مجمع اللغة العربية، والتي يجري الاعتناء بها الآن بشكل فني دقيق بالتعاون مع مؤسسة جمعة الماجد الذي أهدى المجمع التجهيزات اللازمة لتصوير المخطوطات وتظهيرها والعناية بها، وسينتقل العمل إلى المكتبة الظاهرية لتأمين هذا النوع من الخدمات، بعد التأكد من أن القاعات التي تحفظ فيها المخطوطات هي قاعات تتوفر فيها الشروط اللازمة للحفاظ عليها. بعد عملة الترميم، هل من خطة ما لتحقيق هذه المخطوطات وجعلها في متناول الباحثين؟ للمجمع نظرة عصرية إزاء المخطوطات الموجودة في مكتبته، وفي المكتبة الظاهرية فهو في طريقه إلى وضع خطة عملية يُنتقى على أساسها عدد من المخطوطات التي يفيد تحقيقها إبراز النواحي الثقافية والعلمية العربية والإسلامية، وتتناغم مع متطلبات جعل اللغة العربية متطابقة مع ضرورات العصر والحداثة، وهذا الانتقاء ستقوم به لجنة خاصة يشكّلها المجمع للتأكد من أن الوسائل المتاحة ستسمح بالحفاظ على المخطوطات، والإفادة الحقيقة من المحتوى. كما أننا سنعمل على تجليد كتب الظاهرية بشكل أنيق، والقيام بأعمال الفهرسة على أساس حاسوبي. برأيك متى ستنتهي أعمال الترميم؟ أعمال الترميم المعماري انتهت، ونحن بانتظار عملية استلام الأثاث، وفي الغالب سيتمُّ افتتاح المكتبة بحفل رسمي يحضره رئيس الجمهورية بالاشتراك مع رئيس جمهورية كازاخستان في موعد سيحدد لاحقاً. جولة ميدانية: وللوقوف على عمليات الترميم التي لحقت بالمكتبة عزمنا على القيام بجولة ميدانية نستطلع من خلالها ما تمَّ إنجازه، وهناك التقينا بالسيدة ناهدة تقي الدين المدير العام للمكتبة، فقدمت لنا شرحاً تفصيلياً عن عمليات الترميم الخاصة بالمكان من جهة، والكتب وسجلات المكتبة من جهة أخرى، فقالت: إن أعمال الترميم شملت بعض الأسقف والنقوش الأثرية والفسيفساء والزخارف والخطوط الصدفية الموجودة في قاعة الضريح، كما تمت إعادة تشكيل القوس الحجري ليحافظ على مظهره الأصلي، وكذلك الباب الخارجي لأنه يعتبر تحفة أثرية موجودة منذ أكثر من (150) سنة. و طالت أعمال الترميم ضريح الملك الظاهر بيبرس، والإيوانين القبلي والشرقي المخصصين للباحثين، وقاعة المطالعة الرئيسية، و(4) مستودعات لتخزين الكتب والدوريات بطاقة استيعابية تبلغ أكثر من (100) ألف عنوان تمَّ تجهيزها بتقنيات للمحافظة عليها لفترات زمنية طويلة، إلى جانب المرافق الأخرى المتضمنة مكاتب الإدارة، والفهرسة، والمخدم الآلي لأتمتة الدوريات، وأثناء عملية ترميم الضريح روعي الحفاظ على اللوحة الفسيفسائية الموجودة في قبة ضريح المكتبة، والتي تعتبر من أهم اللوحات الجدارية الموجودة في العالم بعد لوحة الجامع الأموي، حيث تعكس – حسب الدارسين- فكرة حضارية عن مدينة دمشق عبر موضوعين، الأول دمشق وغوطتاها الشرقية والغربية، والثاني تصوير تخيلي للأنهار والأشجار المثمرة الموجودة في القرآن الكريم. وحول ترميم الكتب أضافت تقي الدين: إن ترميم الكتب يعتبر الأول منذ العام (1940) وقد بدأت هذه الأعمال التي تخصّ الكتب والفهارس في شهر نيسان من العام 2009، حيث تمَّ نقل جميع الكتب من المكتبة الظاهرية إلى المدرسة العادلية، ووضعت في قاعتي محمد كرد علي، وقاعة خليل مردم بك، فجمعت فيها الكتب على شكل كتل، ثم عمل المختصون على تصنيفها بالاعتماد على تصنيف (ديوي 21) ولكننا اكتشفنا أن هذا التصنيف قاصراً فاعتمدنا على (ديوي 23)، وأضيفت لها أبواب تتناسب مع الحضارة العربية. ونحن نطمح اليوم للوصول إلى الكتاب الالكتروني، وأثناء تصنيف الكتب أُخذ بعين الاعتبار نوعية الكتاب وتاريخ إصداره، وتمَّ اعتبار الكتب الصادرة ما قبل العام (1940) من الكتب النادرة التي لا يجوز إعارتها، وأُنجز قسم كبير منها حوالي (30000 ) كتاب، كما أُنجز تجليد (25000 ) كتاب، وتمَّ ترحيلها إلى القاعات التي أصبحت جاهزة في المكتبة الظاهرية. وقد تمَّ تزويد مستودعات الكتب الجديدة بأنظمة الإنذار السريع وبكاميرات مراقبة، إضافة لأنظمة إنذار الصرخة فضلاً عن وحدة معالجة وتجفيف الكتب، وسيتمُّ الاستغناء نهائياً عن الفهرسة اليدوية الورقية، حيث أصبح من السهولة بمكان للباحثين طلب عناوين معينة من أرشيف المكتبة الرقمي عبر الدخول إلى برامج الفهرسة الإلكترونية. ونأمل أن تستعيد المكتبة دورها الحضاري والإنساني، ونحن ما زلنا في بداية الطريق، لأن هناك مشاريع ستلحق بالمكتبة منها (ترميم بيت شكري القوتلي، وترميم المدرسة العادلية) وسيتمُّ تخصيصهما كمراكز بحثية للبحث والمطالعة. ـــــــــــــــــــ موقع مسلم أون لاين
أسرة التحرير
صالح المغامسي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة