..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اخبار الثورة

في دمشق.. الموت في كل الزوايا.. وطوابير لاستخراج جوازات السفر

الشرق الأوسط

٤ نوفمبر ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3145

في دمشق.. الموت في كل الزوايا.. وطوابير لاستخراج جوازات السفر
552.jpeg

شـــــارك المادة

كانت تسمع صوت الطائرة الحربية تحوم قريبا من سقف بيتها في الطبقة الرابعة من بناء يقع في حي العباسيين شرق العاصمة. وبينما تقلب ناريمان الطبخة على النار ترسل نظرها باتجاه جوبر القريبة حيث ترى أعمدة الدخان تتصاعد إثر سقوط القذائف التي كان دويها يهز الحي، وهي تدمدم «سترك يا رب لطفك يا رب». وتقول ناريمان «اعتدت على الأصوات. في البداية كنت أخاف وأفقد القدرة على عمل أي شيء، لكن مع مرور الوقت اعتدت على ذلك، كما اعتدت حالة القلق الدائم».

 

 

ناريمان (46 عاما) موظفة في شركة خاصة وأم لأربعة أولاد، شابين في الجامعة وفتى وفتاة في المدرسة، وزوجها موظف في مؤسسة حكومية، تقول «كل يوم صباحا عندما أستيقظ أشكر الله أنني ما زلت وعائلتي بخير.. نغادر المنزل وكأننا لن نلتقي مجددا، وبات من العادي أن نختم كلامنا بجملة (إذا بقينا أحياء) بدلا من الدعاء (إن شاء الله)».

الخطر يتربص بالسوريين أينما التفتوا، لكنه «في مدينة دمشق يلبس قبعة الإخفاء ولا ندري متى وأين يظهر»، بحسب تعبير ناريمان التي تفكر ليل نهار في تأمين سفر ولديها الشابين خارج البلاد خشية تعرضهما لمكروه أو للسحب إلى خدمة العلم الإلزامية حيث قاربا على إنهاء دراستهما الجامعية. والسحب إلى خدمة العلم أحد أكثر المخاوف التي يعاني منها السوريون، ويضاف إلى هاجس الهروب من البلد أو تأمين جواز سفر.

يقول حسان، الذي يصطف في طابور طويل في مبنى الهجرة والجوازات وسط العاصمة «على من يريد الحصول على جواز سفر من دون ورقة دور أن يحضر فجرا إلى الهجرة والجوازات كي يتمكن من الدخول والحصول على استمارة لتقديم الطلب، وكي يتمكن من الدخول عليه ارتداء درع وخوذة وأنت يهيئ نفسه لخوض عراك في الازدحام، صديقي انكسر ضلعه في التدافع أمام كوة توزيع الاستمارات، وصديقة أخرى كادت تموت خنقا في العجقة».

تزايد الطلب على جوازات السفر وتجديدها يوما بعد آخر، بالإضافة إلى تعطل العمل الحكومي في غالبية المحافظات الأخرى، ركز الضغط على العاصمة، حيث يفد إليها السوريون من كل المحافظات للحصول على جواز سفر، مما جعل الوصول إلى باب مبنى الهجرة والجوازات رحلة شاقة تستغرق عدة ساعات لا تخلو من اشتباكات وليس بالضرورة أن تكلل بالنجاح. ويحكي السوريون عن مغامراتهم أمام مبنى الهجرة والجوازات وهم يتذكرون أيام كان الحصول فيها على الجواز لا يستغرق أكثر من أسبوع، وفي حال دفع رشوة يمكن الحصول عليه خلال يوم واحد، خصوصا للسيدات، كونهن لا يحتجن لورقة من شعبة التجنيد. لكن بعد اندلاع الثورة زادت التعقيدات حيث بات حصول الشبان على جواز سفر يتطلب بالإضافة لإذن من شعبة التجنيد موافقة أمنية، يفضل الكثيرون عدم الحصول عليها خشية الاعتقال، لذلك كثير من الشبان يفضلون الهروب بشكل غير نظامي إلى الدول المجاورة، رغم المخاطر الكبيرة التي تكتنف عملية التهريب عبر الحدود.

فاتح مهندس (50 عاما) الذي قام بتوصيل قريبه إلى مدينة درعا كي تتمكن جماعة تمتهن تهريب السوريين إلى الحدود الأردنية من تهريبه يقول «كي أصل لتلك الجماعة سلكت طرقا زراعية وعرة، وكان هناك من يرشدني عبر الهاتف، ولكن في طريق عودتي أضعت الطريق، كما أن الشخص الذي كان يرشدني في طريق الذهاب أغلق هاتفه، وبعد ساعتين من الضياع في الأراضي الزراعية فرغت بطارية هاتفي وفقدت الاتصال، وبعد بحث مرير وصلت إلى الطريق العام، وكان علي العبور من الحواجز، وهذا في حد ذاته مغامرة، ومع أنني نجحت في اجتيازها تقريبا جميعها عبر استدرار عطف الجنود فقد فشلت فشلا ذريعا عند الحاجز الرئيسي والذي قال الجنود الواقفون عليه بعد تحقيق ساعة إن الطريق إلى دمشق مقطوع، وعدت أدراجي، ونصحني أحد الجنود بالمحاولة عبر الطرق الزراعية. عدت إلى التجريب لكن الوقود كان قد نفد، والليل قد هبط، وفقدت الأمل في النجاة، حتى عثرت على مجموعة مسلحين كانوا من الجيش الحر وهم بدورهم حققوا معي، وبعد أن اطمأنوا وعرفوا أحد أقاربي ساعدوني مع طلوع الشمس وزودوني بالبنزين وأرشدوني إلى الطريق». ويتابع فاتح أنه عندما وصل إلى مشارف دمشق «لم أصدق أنني نجوت»، بعدها مكث في منزله عدة أيام منقطعا عن العالم ولم يرد على هاتفه، حتى جاءه هاتف أعلمه أن قريبه الذي هرب إلى الأردن أصيب في ساعده بطلق ناري وهو يعبر الحدود، وهو بدوره نجا بأعجوبة.

ناريمان القلقة من كل شيء تقول «على السوريين أن يستمروا في حياتهم وكأنها طبيعية، مع أنه لم يعد أي شيء في حياتهم طبيعي، حتى شراء الخبز بات مخاطرة»، فالمخبز القريب من منزلها يوجد بالقرب منه حاجز للقوات النظامية، وكل حاجز هو هدف للجيش الحر. ولهذا تتهم ناريمان النظام باستخدام المدنيين دروعا بشرية وتؤكد أن «أغلب الحواجز داخل المدينة لا مبرر لوجودها، بل إن بعضها يضيق الشارع بحيث يخلق ازدحاما كبيرا، وتوجد أعداد كبيرة من السيارات والبشر، كلها تكون معرضة للخطر في حال استهداف الحاجز، لا سيما تلك الموجودة في شوارع قريبة من مقرات أمنية».

فاتح الذي رأى الموت في درعا حسب تعبيره يقول «بعد تلك التجربة باتت لدي قناعة بأن أغلب السوريين لم يعد لديهم أي خوف من الموت. ربما هم يخشون من طريقة الموت بتفجير أو إطلاق نار أو ذبح. الموت في حد ذاته لم يعد يرعبهم». ومع أن فاتح كان قد جهز أوراقه لمغادرة البلد بشكل نظامي فقد عدل عن الفكرة بعدما أوصل قريبه إلى درعا «لا أحد يموت ناقص عمر. إذا مت في بلدي بين أهلي أفضل من الموت في الغربة». إلا أن ناريمان لا تتفق مع هذا الكلام رغم إيمانها بقضاء الله، وتصر على تسفير عائلتها. أما هي فتقول «أفضل البقاء مع زوجي هنا». وعن موعد تتوقعه لنهاية ما يحصل تقول «بعدما وقع كل هذا الدمار والقتل لم يعد مهما كثيرا لنا التفكير في موعد انتهاء كل ذلك.. أنا أشاء وأنت تشاء والله يفعل ما يشاء. صديقتي مريضة بمرض عضال في مراحله النهائية. كانت في الطريق إلى المشفى لأخذ جرعة علاج كيماوي برفقة زوجها عندما حصل انفجار فقتل زوجها ونجت هي».

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع