أحمد نواز بخش
تصدير المادة
المشاهدات : 7805
شـــــارك المادة
يقول الحموي في مصيبته: في شباط/ 1982م كان عمري 6 سنوات، وكنت في الصف الأول ابتدائي، وقد انهينا الفصل الأول في عطلة الربيع، ويا لها من عطلة.. أعود بذاكرتي البعيدة في حماه عن مقتل أبي، ومقتل مدينة طفولتي، واغتصاب نسائه، وسجن وقصف وقهر وتهجير من بقي منه، فأبي كان طبيب عيون في حماه، ولم يكن من جماعة الإخوان المسلمين، لقد قلعوا إحدى عينيه وهو حي ثم قتلوه ومثلوا بجثته أشد تمثيل، لما دفنوه وكنت صغيراً أذكر أنه كان بلا عيون. يتابع الحموي في بحور من ذاكرته ويقول: تابعنا الطريق باتجاه شمال حي الأميرية نحو ملجأ كبير يتسع للجميع وبقينا داخله يومين قبل وصول الجيش العربي السوري، عندها تحول الملجأ إلى معتقل، حيث أخرجوا جميع الرجال، وأعدم بعضهم مباشرة عند بابه، واعتقلوا كبار السن، بقي في المكان النساء والأطفال، البعض يبكي والأكثرية يرددون مجبرين تحت التهديد بالروح بالدم نفديك يا حافظ، يا الله حلك حلك يقعد حافظ محلك.. ثلاثة أيام سجن وقتل، أقسم بالله دون طعام، رائحة المكان كانت لا تطاق، ودائماً ما كنا نسمع أصوات صراخ خارج القبو، اغتصاب نساء وتعذيب لا يمكن لي اليوم أن أصفه أو أتذكره إلا ويؤثر بي". انتهى وصف الحموي لذاكرته المأساوية جزالاً جلس الحموي ذاكراً، وكان غيره عابراً، والشعب السوري صابراً. وما كنت لأعتقد بأنني مع حملي للهم السوري والحموي من أيام المتوسطة بأن أكتب يوماً عنها، أو أتطرق للحالة السورية والنصيرية في أي يوم من أيام عمري، ولكن هذا هو التاريخ يأبى لنا السكوت، ويطلب من الجميع البيان والتوضيح؛ لله ثم للتاريخ عن حياة شعب أعزل أنهك وينهك تحت براثن الجلاوزة والظلمة بالحديد والنار قرابة نصف قرن، لا يعرفون للإنسانية معنى، ولا للدم والوطنية حرمة. ومن الحموي -المتذكر لحاله وحال أمته وأهله- أتجه إلى أراضي سوريا أخرى فأرى ما يندي له الجبين، وتقطع له القلوب والأفئدة، وتموت عند استذكارها النفوس الحية، فما حلب وجسر الشغور وسجن التدمرية ومجازر أخرى عن التدمير والقتل والترويع عن ذاكرتي ببعيد، هضبة جولان والقنيطرة، وقوانين الطوارئ، مجازر في مجازر، وإبادة علنية، ودماء حية، والتفرد باسم الحزب الواحد، فالسياسة والشعب بأكمله وسوريا بتاريخها المجيد مختزلة في شخص واحد وفي أولاده من بعده (سوريه الأسد للأبد). ثم اتجهت بذاكرتي إلى حماه -وما أدراكم ما حماه- أرض المحرقة والمجزرة والاغتصاب، فالتنكيل بأهلها لا يزال مستمرا، والسجون ما زالت ممتلئة بكل من تربطه صلة بأي أحد من حماة، فالنساء حَملنْ في السجون اغتصاباً، ووضعنْ راغمات مغتصبات من جنود الطغاة، والأطفال الذين اعتقلوا أصبحوا كهولاً وهم لم يروا النور، فقد فَقَدوا أبسط مقومات الإنسانية من صحة وتعليم ورعاية، وعيش كريم وحرية في الدين والمعتقد، وهم اليوم يفقدون -أيضاً- ابسط ما يحتاجه المسنون في حياتهم، وأما الشيوخ وكبار السن إما قضوا نحبهم، وإما في غياهب ودهاليز العنابر يتأوهون ولا سامع لهم غير الله، وأما من كان خارج أسوار المعتقلات والسجون فإنه في سجن كبير يهان كل يوم مائة مرة في الشارع والطرقات والمراجعات الحكومية وفي أبسط شئونه اليومية، فلا منابر تبين، ولا مآذن تصدح بالحق، ولا بيوت الله لها دورها، ولا جمع ولا جماعات، ولا تدين ولا عباده ولا حقوق للإنسان ولا حرية في الدين والمعتقد -مع كونها أرض الإسلام ونوره ومنه كانت مبدأ الفتوحات الإسلامية والشعاع الديني الصحيح إلى العالم- وأهلها 96% من أهل السنة والجماعة محطات مؤلمة في حياة أمة مسالمة، محطات مؤلمة وافتراقات قاصمة، وتدمير كلي لحياة لأهل الإسلام.. والكل متعاطف معهم من جميع أهل الملل، فبالشام أحفاد عز العرب وشموخهم، وماضيهم العلمي والديني والعسكري وشعاعهم الفتوحاتي، ماضيهم مشرف للحالة الإسلامية، وحاضرهم قوي منير ومستنير، بالمقابل أيديولوجيات نظام مارق على القيم الإنسانية والأعراف الدولية، وإرهاصات ادعائية بين أبواقه الإعلامية وأروقة رؤوس الضلال والفتنة في دوائره النصيرية ذي صورة بعثية عفلقية الدخيلة على الشعب السوري الكريم، والغارقة في عالم الجريمة والرذيلة ودناءة في العمالة، وبيع الذمة والضمير للشرق والغرب. ومحطات في حال شعب أعزل مسالم ذي شموخ ومجد يُقتل بدم بارد وبشتى أنواع القتل وأشدها ظلمة وطغياناً؛ سحقاً وإذلالاً نفسياً وجسدياً دينياً، وتعبيداً بسلاسل الأغلال منذ أن استلم الحكم في سورية الأبية بعد صفقة كبيره مع الكيان الصهيوني؛ جولان مقابل سورية لخونة بيت الأسد للأبد، في هذه النتوءة دكت حصون درعا وبانياس، وحصون باب العمروا في حمص وحسكة وحلب والمعضمية، مجازر ودماء، وأنين وآهات، وقتل وترويع، وتعذيب واغتصاب، وفي الماضي القريب دكت حماة عن بكرة أبيها في ثمانينات القرن الميلادي المنصرم على أيادي العصابة النصيرية المجرمة، وأبيد الحمويون في ديارهم بصواريخ ودبابات وطائرات، وتم حصارهم أشد من حصار غزة وقطع عنهم الغذاء والماء والدواء والكهرباء ووسائل التواصل، ثم دخلوها مدمرين ما تبقى منها على أهاليها العزل المسالمين؛ وما كان ذنبهم سوى أنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة. لم تفعل الدولة الصهيونية في الفلسطينيين في تاريخها الدموي -منذ وعد بلفور حتى يومنا هذا- كما فعلت الدولة النصيرية في أهل سوريا -وحماة بالخصوص- في أربع وثلاثون يوماً، ولا مقارنة بين فعل اليهود وأذناب اليهود؛ فالصهاينة قتلوا وهجروا الفلسطينيين، وكذا فعل النصيريون قتلوا وهجروا السوريين، الصهاينة قتلوا كل من حمل السلاح من الشعب الفلسطيني، وأما النصيرية فإنهم قتلوا كل من دافع عن نفسه وعرضه، وقتلوا على الهوية والعمر والاشتباه، بل تجاوز النظام النصيري على الصهاينة، بأن الصهاينة خلال تاريخ احتلالهم لم يتجاوز قتلهم ربع العدد الذي قتله النصيريون خلال فترة حكمهم بل زاد النصيريون في ذلك بشاعة وضراوة ووحشية، وسجونهم ملآ أكثر من سجون اليهود بمئات المرات، والمغيبون بمئات الألوف، والمهجرون المستضعفون منهم بالملايين، لا بل زاد النصيريون على اليهود في شناعتهم بأنهم فعلوا ما لم تفعله أيادي الصهاينة في تاريخها ووحشيتها؛ قتل اليهود كل عربي فلسطيني، وأما النصيري فقتل كل عربي مسلم سني سوري، فقطعت جثث السوريين، وأحرقت بأيادي وطنية، واغتصبت النساء، وهتكت الأعراض لجميع المراحل العمرية من الطفلة حتى المسنة الكبيرة أمام أهلها وذويها بأيادي سورية وطنية. ولعل من أبشع ما سجلته تاريخ النصيرية الحاقدة على أهل الإسلام أن المسلمات تم اغتصابهن وهن ميتات، فلا إكرام لهن سوى إباحة حرمتهن، وبعض النسوة والفتيات أخذن إلى وجهة غير معلومة وتم توزيعهن على الجنود والضباط لاغتصابهن ليل نهار، وحملن وهن في المعتقلات، وربما تناوب على الجميلة منهن خمسة وعشرون مجرماً في اليوم الواحد -كما هي واقعة المجرم رفعت الأسد وجنوده عندما اغتصبت الحموية الحرة المؤمنة ولم تتجاوز العشرين من عمرها، وفي الشارع العام تناوب عليها الجنود حتى لفظت أنفاسها وهي تزأر بكاء على شرفها وعرضها المهتك بصورة وحشية على يد الجلاوزة النصيريين-، وأما من نجون منهن من موت واغتصاب، ولكي لا يرجعن إلى أهاليهن ويفضحن النصيرية وتنشرن قصص الفجائع ويسجل ذاكرة الأيام بأفعالهم، أو ربما إحداهن تخرج إلى العالم الخارجي بأي فترة من فترات الحياة، فتروي لأهل الأرض ومن فيهم أدنى وجه من أوجه الإنسانية، ما حصل لهن وما لحق بهن، فسيسجل التاريخ عظم جرائمهم وتنكيلهم، فيتم قتلهن ودفنهن جماعياً، ولإخفاء معالم ذلك يتم إحراق بعض الجثث التي يخاف أن تكون وبالاً عليهم مستقبلاً. وأما الأطفال فلم يسلموا من همجيتهم العوجاء ولا لهم حرمة لصغر سنهم وبراءتهم، ولا مكانة لهم في قلب أي نصيري أو بعثي، فكانوا يقتلون أمام أعين أمهاتهم بكل فئاتهم العمرية من الرضيع حتى المراهق والبالغ، ويرمون من على الشرفات على الأرض؛ فمنهم من يموت من فوره، ومنهم من يعذب مضرجاً بالدماء، ويصرخ أمام والديه فلا مجيب حتى يموت، أو يقتل برصاصة حية برأسه في وضح النهار، أو يلقى تحت المجنزرات والدبابات، وأما البقية من الرجال والنساء فيودعون السجون السرية، أو يرمون في الصحاري؛ فمنهم من ترك حتى وافاه الأجل المحتوم، ومنهم من عذب لا لانتزاع الاعترافات أو تقويل إجرام -بل تلذذ وحقد على أمة الإسلام والتشفي الأعمى وإخراج الحقد الدفين منذ مئات السنين؛ حيث أن الشعب السوري هو الشعب الوحيد لم يؤمن ولم يداهن مع النصيريين على مدى تاريخهم المشين-، ومن أفلت من الاعتقال في الشوارع من الفئات العمرية والهوية فإن جنود الطاغية النصيري كانت تجوب البيوت وتنتهك حرمتها في وجودهم أو في غير وجودهم، والمستشفيات تنتهك حرمتها الصحية يبحثون عن الجرحى والفارين إليها من جحيم النار ودك المدافع، فلم يسلم منهم لا الجرحى ولا المشتبه بهم، ولا من به شبه المشتبه فيهم، فالجرحى فإنه يتم التجهيز عليهم وهم أحياء أو مثكلين بالجراح، وأما من يأويهم فإنه تسلب أعينهم، وتقطع أيديهم وأرجلهم، ويصلبون، وترمى بجثثهم في الشوارع إرهاباً للغير، وأما المشتبه بهم -أو شبه المشتبه بهم- فإنهم حين دلالهم على مواقعهم- سواء كانت مخابئ أو عمارات أو بيوت آهلة بالسكان أو بيوت الله- تدك بالمدافع والصواريخ وتسوى بها الأرض، ولم يسلم من هذه العوجاء لا الأطباء، ولا الممرضات، ولا المساعدون، ولا فاعل خير ولا راحم، ولا إنسان ولا حيوان أو شجر، وأما من عجزوا عن قتله لكثرتهم ونفاذ الذخيرة يجمعون ويصب عليهم الغاز والبنزين ومن ثم يحرقون جماعة، وأفضل أنواع التعذيب وأسهلها التي رآها وذكرها بعض من ذاكرته مختزلة ومجتزلة، أن الطغمة النصيرية عملوا أفران وأخاديد متحركة وأوقدت ناراً سعيراً ورموا الناس فيها أحياءً وأمواتا؛ كفعل النازيين باليهود في وقتنا المعاصر، وكفعل صاحب الأخدود بالمؤمنين في زمن غابر، وأما العلماء وطلبة العلم والمتدينون فحدث عن تعذيبهم وقتلهم كما تشاء فلا حرج، فكل ما عجزت عنه غرف التفتيش بأسبانيا فعلها النصيريون في سوريا. وجميع القواميس إن عجزت في بيان مفردات التعذيب والقتل والوحشية العامة فأبحث عنها فتجدها لا محالة في قاموس النصيري البعثي، واقعاً ملموساً، فالعلماء وطلبة العلم والمتدينون يجمعون فتحرق لحاهم وتتعرى أجسادهم في البرد القارص، ويتركون فترات كبيرة في السجن والاعتقال عرايا مع أهاليهم ونسائهم، فلا الرجل يستر سوءته ولا المرأة تستر جسدها العاري، مسجونون في معتقل ضيق تتلامس أجسادهم بأجساد بعض -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-، فالكهول والشباب والأطفال كلهم في ذاك سواء. وأما تعذيبهم فأطلق عنانك للتخيل والتفكير تطلق عليهم الكلاب المفترسة الجائعة لتنهش من لحومهم وهم أحياء فلا تسمع غير أصوات الصراخ والاستغاثة، فلا أب يحمي طفله أو طفلته، ولا أم تقدر على حماية نفسها أو صغارها، ولا زوج يحمي زوجته، ولا أخ أو ابن يحمي عرضه. وأما أعراض هؤلاء المشايخ وطلاب العلم والمتدينون فإنها تنتهك أمامهم وهم مكبلون، وتمارس معهم جميع أنواع التعذيب الجنسي، ولقتل الرجل المتدين أو العالم أو طالب علم فإن شواذ زبانية النصيرية يهتكون عرض الرجال عنوة وأمام المشهد الجماعي، وأما النساء والفتيات فهن كالسبيل المجاني؛ يأتي الجندي النصيري يأخذها وقت ما شاء ويستعملها كيفما شاء، وصراخها يسمعها كل قريب لها، ومن ثم يرميها ويرجعها في الزنزانة الجماعية التي أخذها منه، ومنهم من جادت به قريحته الإجرامية فإنه يهتك عرض المسلمة المصونة أمام ذويها وأمام الجمع في الزنانين والعنابر، فتجد زوجة أحدهم أو ابنته أو أخته أو أمه أو عمته أو خالته تجرد من ملابسها -إن كان عليها شيء منها-، وأكثرهن عاريات مثل الرجال فيتناوب عليها زبانية النصيرية واحداً تلوا الآخر على مرأى ومسمع من الجميع، فالأب والزوج والابن والأخ والعم والخال يرى بعينه كيف يهتكون بعرضه، حتى تفارق الحياة أو يغمى عليها وتترك حتى تفيق، وإن فارقت الحياة تحرق في مزبلة المعتقل ولا كرامة لها، أو إجبار الأسير المتدين بهتك عرض متدين آخر أمام عينه، أو أن يهتك المتدين وطالب العلم عرضه بنفسه، ولم يطفح الكيل وشبعت الزبانية النصيرية من هذا الاستلذاذ التعذيبي فإنهم يجمعونهم في زنزانة المعتقل، ويصب عليهم الزيت والبنزين والغاز ومن ثم يحرقون جماعة ويرمى بثراهم في الهواء. وإن لجأ البعض من المسلمين إلى بيوت الله -ظناً منهم أن الجنود النصيرين فيهم ذرة خوف من الله ورهبة لبيوت الله أو احترام لدور العبادة- فإن الجنود لديهم أوامر صارمة بدك بيوت الله على الملتجئين فيها، فتفخخ ويتم تفجيرها عن بكرتها، فهدمت بيوت الله وقضي على عمارها، وأطفئت شعاع الخير والنور -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-. توالت النكبات وزادت الآهات وتراكمت المآسي على الأمة الشامية منذ نصف قرن تقريباً، والدمار لأهل السنة والجماعة حاصل في كل فتراته؛ إن فرغوا من قتل وتعذيب فالتشريد والتهجير من نصيبهم، وإن سلموا من ذلك فالتغيير في الدين والمعتقد من أبسط الأمور التي تحل عليهم تحت غطاءات كثير وموزعة توزيعاً دقيقاً -وما حالات التنصير والتشيع عن أعيننا ببعيد- نكبات ومآسي، بالأمس كانت حماة وحمص، واليوم درعا وبانياس وقامشلي وحمص وحلب وحماة والمعضمية وقرى صغيرة حول دمشق ومرقب وإدلب، ودمشق الأبية نفسها دار العروبة في باب العباسية والمسجد الأموي، وكل شبر من أرض سورية العربية الإسلامية الأموية، يحصل فيها ما قد حصل من قبل بسبب هذا النظام الذي أقل ما يقال عنه نظام ضد الإنسانية، فاشي ديكتاتوري عنصري ظالم متعجرف قاتل وسافك للدماء، بل وفريد من نوعه؛ يبيع أرضه وعرضه وكرامته للعدو، ويصعد على جماجم شعبه باسم تصديه وإعلانه خندق العداوة والممانعة، وحتى لا نتهم في فبركة التاريخ وسيرورة الأحداث التاريخية نحو الاجتزائية أو الانتقائية، أو اختزال تاريخ في موقف، أو تعريض صور مشرقة لكيان الممانعة والصمود إلى التشويه الكلي أو الجزئي. وحتى لا يقال بالانحيازية في الطرح، نعيد الثقة الذهنية للقارئ العربي لحال أمة كانت أسيرة الخوف والرعب أربعون عاماً ونطرح القراءة الصحيحة والواضحة في جرائم الثلة المجرمة التي تسلطت على رقاب الأكثرية والغالبية، فالقراءة الواضحة في درعا ومحافظاتها طيبة والحارة، وبانياس وقامشلي وحمص وحلب وبوكمال وطيبة ومرقب ودمشق، عامودا ورأس العين والحسكة والرقه، وهي نفس القراءة في حماة القديمة وحلب وجسر الشغور وسجن تدمر، بل نفس الأسلوب ونفس الطريقة والهيئة ولكن باختلاف صورة واحدة، فبالأمس غابت وسائل الإعلام وتكتمت على المآسي، واليوم كل وسائل الإعلام تتكلم وتعرض المآسي والجيش النصيري يذبح ويقتل بسلاحه، ويهتك كل عرض، ويهدم كل بيت وكل مسجد بمدرعاته، ولكن بسكوت الضمير الإنساني، فسكتت الدول الكبيرة؛ أمريكا والغرب عن جرائم النصيريين مدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبالرجوع إلى الماضي المؤلم يرى الجرح النازف بغزارة وبأشكال ظاهرة مع أشكال صمت رهيب حلت على حال آلام الأمة الشامية من قبل النخب العربية مداهنة أو مراوغة أو تمريراً وتنكيلاً، والحاضر القاتل المميت، نرى كيف يلعب النظام النصيري بالشام وأهلها لعبة الصبيان، من الاستغفال والاستعجال والإذلال، واللعب والعبث بمقدراته وثوابته دون حسيب أو رقيب، مع سكب النار على العنصرية الظاهرة ضد كل ما هو إسلامي سني وأموي عروبي، فألغى كل ما هو إنساني ووطني وعروبي وديني وعقدي وانتمائي وتاريخي، وأصدر فواتير العبودية يدفع ثمنها الدم السوري المسكوب على تراب العز والكرامة على يد الطغاة شرذمة من أشباه الناس تاريخياً، وتواجدياً، ووجودياً. ضرورة المقارنات بين أمس واليوم، بين الأمس واليوم عاش الشعب السوري هاجس الخوف والرعب، ولا يزال يعيشه حتى في منامه وفي سكونه وفي حركاته، وحتى يرى من الخوف صورته في الماء أو يتحسس ظله بعقله الباطني أنه رقيب نصيري أو شبيح يريد قتله، قتل في نفسه أي حلم أو تحقيق أي سكون لنفسه ولمن حوله، أو أي محاولة تفكير في التصعيد أو أي محاولة للتغيير، قتل عنده روح الأمل وأوصله قاع بئر اليأس، وأدخله نفق مظلم لم يبق فيه بصيص من الأمل، وبقية المقارنة الوحيدة التي لا نختلف عليها في حيثياتنا أنه الأمس السوري هو اليوم السوري، لكن الفرق بالأمس كان الآباء والأجداد واليوم أبناء وأحفاد، والناظرون هم عرب مسلمون لا يحركون ساكناً! حال الأمس هو حال اليوم، فبالأمس رقصت الضباع النصيرية على جثث أسود الشام في حماة باسم البعث العربي الاشتراكي العفلقي. واليوم يعبثون بأشلاء وأعراض الإنسان السوري باسم خندق المقاومة والممانعة، بالأمس سلموا قنيطرة والجولان مقابل الحكم والكرسي، واليوم لعبة قذرة على الساحة العربية واللبنانية حماية لإسرائيل وتفعيل دور المجوس الإيرانيين في الوسط العربي، وتصفية كل ما هو فلسطيني مخلص عبر الجرائم المنوعة؛ كصبرا وشاتيلا بوحشية -وبرج البراجنة كذاكرة-، وتسليح مليشيات حزب الله الإيرانية في جنوب لبنان كتجاوز صريح، ليس لها مثيل في الإجرام والكذب على الساحة الوجودية، ولم يكفه ذلك بل تجاوز إلى اللعب على وتر العروبية وحماية العروبية لإكمال دوره المشبوه في التعاون مع الأعداء في تفتيت الأمة، وقتل رجالها، وهتك أعراض نسائها، وبيع مقدراتها، وإضعاف قوتها، واستعباد شعبها، وتمرير الخطط وتسليمها للأعداء على طبق من ذهب.. الحال في الشام الجريح ليس بأفضل من حال فلسطين الجريحة، مع أن الفلسطينيين وفلسطين أفضل حالاً من الشام المكلومة؛ فأهل الشام إما مستعبدون من قلة نصيرية، وهم قلة ضئيلة لا يتجاوزون مائتا ألف نصيري (200000) يمسكون بزمام الأمور بفضل مساعدة الاستعمار الفرنسي، وإما موالون لهم من الطوائف البقية؛ دروز ونصارى وغيرها من الملل، وأما السواد الأعظم فهم مسلمون من أهل السنة والجماعة 96%، مظلومون مهضومو الحق والحقوق، والكل يعلم أيضاً أن كل النصيريين منذ ظهورهم على المسرح السياسي والقيادي في الشام الجريحة شاركوا في الجرائم البشعة القديمة والجديدة؛ منها في سوريا وضد الشعب السوري المسلم المسالم، فمنهم من خطط لها، ومنهم من مررها، ومنهم من نفذها بالحديد والنار، ومنهم من تعاون مع الأعداء، ومنهم من تعاون مع الحاقدين والناقمين على الأمة في تكليم الشعب السوري المسلم العربي الفاتح والناشر لدين الله على أركان المعمورة، وأما السوريون أنفسهم؛ فمنهم من قتل وعذب وشرد وأهين واعتقل وضاع شرفه وعرضه وماله وكيانه، ومنهم من هرب من المآسي والجرائم خوفاً على نفسه وأهل بيته، ومنهم من سكت أو أجبر على السكوت، ومنهم من أنكر الجرائم جبراً أو تغرراً، فأهمل البلاغ عنها أو الشهادة بها كطرف شاهد وشهود العيان يعتد بهم في المحافل الدولية وعلى صعيد الإعلام الحربي الدولي، ومنهم من مباع قابض الثمن وعميل ذي وجهين. في الماضي القريب كانت مدة الفاجعة أربعة وثلاثون يوماً ذات ديناميكية متواصلة ومتتالية بحرب وتدمير، وهي أيام حرب وتدمير دائم ومكثف. أربعة وثلاثون يوماً متواصلة في تأصيل أنواع الجرائم البشعة في حق شعب أعزل ومسالم ومسلم آمنوا بالله ورسوله، أربعة وثلاثون يوماً ووسائل الإعلام والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ساكتون عن جريمة عميلهم النصيري المجرم، بل زاد على ذلك، ففي أربعة وثلاثون يوماً كاملة الأنظمة العربية والإسلامية كانت في صمت عميق عن التصفية الهولاكوية، فلا مذيع عربي بكى على مأساة أمة وشعب يقتل شبابه، ويهتك عرض بناته، ويزجى في الأخاديد شيوخه وعجائزه، وتحت جنازر الدبابات يداس أطفاله، بل زاد طامة كبرى أن الشعوب العربية وحكوماتها الخاذلة سكتت على أفعال المجرمين النصيرين الشنيعة ثلاثون عاماً، بل صفقوا لهم وأعطوهم نياشين الممانعة والتصدي والصمود. أما اليوم فشهرين كاملين وشعب سوريا يرضخ تحت نيران المدافع والدبابات المجنزرة والصورايخ ورشاشات الشبيحة وجميع أقسام الاستخبارات المحلية والفرق الخاصة من الجيش السوري الدموي ولا متكلم ولا صارخ ولا متوسط للخير ولا طالب كف يد الطغمة النصيرية الفاسدة.. الكل يرى ويسمع وأصحاب القرار وصُناعه يعلمون عن حال الشعب السوري أسوأ مما نعلمه نحن، فهم لديهم سرية قويه، وقنوات المعرفة أقوى وأفضل وأسرع ومع هذا يسكتون خوفاً من أن تهتز كراسيهم أو تتغير عليهم مصالحهم، أو تفتر علاقاتهم الودية.. صحيح لم تكن هناك كاميرات ولا فضائيات ولا حرية إعلامية في الأوساط العربية، لأجل هذا لم تسجل الفظائع السورية القديمة وفق صورتها الصحيحة ولكنها بقية ذاكرة وذكرى لدى أطفالها ومن بقوا أحياء من أهلها، فتوارثت هذه الصورة كل ذاكرة وكل فكر في خيال المكلوم وكل حر أبيّ له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وأكبر صورة وصلت إلينا -وكنا في المتوسطة 1990م- عبر شريط للشيخ أحمد القطان الكويتي الذي رسم صورة واضحة عن المأساة في خطبه ومحاضراته والذي وصف الجرائم بشكل مجمل ومفصل ودقيق، ونقل آهات النساء والأرامل والأبكار، والشيوخ الكهل والأطفال الصغار، والشباب الأعزل، فيذكر ويقول: "هذه رسالة من أخواتنا المسلمات القابعات في سجن طاغوت الشام يقلن: يا إخواننا.. دمروا علينا السجون نحن حاملات وفي الشهور الأخيرة يدور في أحشائنا أبناء العهر والطواغيت، ماذا نفعل؟ أي عار نحن فيه، لا يسمع بنا أحد من الوضع الذي نحن فيه، لا ينصرنا أحد، ولا يسمع لنا أحد. في حشاها ابن عهر وهي عفيفة شريفة ذات الوجه المتوضئ من المحصنات المؤمنات الغافلات، يتردد عليهم جنود الطاغوت ليل نهار لا يرقبون في مؤمنة إلا ولا ذمة، شهر كامل وحماة محاصرة والجنود يذبحون بها.. الآن بالطائرات والدبابات بيد الطغمة الطاغوتية الشامية، الجثث في الشوارع تأكلها القطط والكلاب، يقول أحد الإخوة: أن الجنود دخلوا بيتاً فقتلوا أب الأسرة، وجرحوا الأم الحامل، وخرجوا إلى المستشفى للتحقيق معها، وأثناء التحقيق بقروا بطنها وهي حيه، وأخرج الجنين ورماه الضابط النصيري في الزبالة، وقال لمن حوله: هؤلاء أولاد الشياطين، إذا كبروا يحاربوننا وهذا مصيرهم". غيظ من فيض، ما ذكره الشيخ وهو حي وشهادته حية والمجرمون أحياء.. ولكن ذاكرتنا لم تكن حية؛ لأننا أموات على هيئة أحياء. لقد فضح الشيخ النظام النصيري الفاجر الكافر، فقامت الزمرة النصيرية ولم تسكت على ذلك، بل أرسلت الزبانية وعملاء استخبارات لاغتياله في عقر داره وفي مسجده، إلا أنهم -والحمد الله- هداهم الله، واعترفوا للشيخ أنهم مرسلون لاغتياله. الذاكرة باقية والقصص باقية في نفوس السوريين الفارين من جحيم الأسد وزمرته، فكم سورياً رأيناه يبكي ويدمي دماً، وكم من سوري يتذكر النكبة الحموية والحلبية يجهش بالبكاء كالثكلى، وكم من سوري لا يتذكر سوى المآسي والمجازر؟؟ فأما اليوم فالكاميرات ووسائل النشر والتكنولوجيا متسعة؛ فضائيات وإعلام، ويوتيوب وشبكة عنكبوتية، ومراسلون، وشهود الحال، ولكن لا نصير لشعب أعزل بأكمله يباد على يد النصيرية القلة الضئيلة المنبوذة المتسلطة على رقاب الأكثرية الغالبة بواسطة القوة الغربية الداعمة لها، ولا صوت عربي يتحرك قولاً أو فعلاً، الكل يرعى مصالحه، والكل يرعى ويحافظ على كرسيه، وليمت الشعب الشامي السوري عن بكرة أبيه، فلا أنباء ولا نصرة ولا مواقف مشرفة، بل ستار أكاديمي، واسيل عمران، ونجوم الفن العربي، ومسابقات الطبخ والنفخ والتحدي الأكبر، أما ضحايا الشام وآلام السوريين ومجازرهم الحديثة والاغتصاب والتنكيل لا جديد فيه سوى أنها معروضة على مراى ومسمع العالم ولا نصير، ومن صحفي غربي لا يمت لنا بدين ولا رابط لغة أو دم، بل يجتمع العالم في قبة الأمم الملحدة الظالمة ويعلنون التدخل في شئون عربية وإسلامية بالسلاح والتدخل والغزو والتحرير ومحو الإرهاب، فتقصف طائراتهم شعوبنا المستضعفة ليل نهار، وأما الجزار النصيري أجمعوا على أن الوضع السوري لا يقدم إلى درجة التخويف أو الخوف، ولا ينبغي اتخاذ أي قرار أممي فيه وما يحدث فيه فهو شأن داخلي، إن زادت الأصوات يفرض بعض العقوبات الخفيفة على بعض النافذين فيه ومن ثم ترفع هذه العقوبات مع مرور الأيام. مع هذه الحالة الواهنة في حق الشعب السوري الأعزل المسلم المسالم هناك ثمة أسئلة جوهرية لشيوخ قطر وحكامها ووزير خارجيتها على الوجه الخصوص، أين تحركاتهم وقراراتهم وهيجانهم وتدخلاتهم كما هو في الشأن اليمني والليبي والمصري؟ أين جزيرتهم وأبواقهم الحارقة من الشأن السوري وهم يعلمون أشد العلم أنه الشعب الوحيد الذي يقتل منذ أربعين عاماً دون هوادة ولا رحمة، وهو الشعب الوحيد الذي عانى من مجازر وإرهاب وقتل وتعذيب وإرهاص وتجويع وتخويف وتضليل وتنكيل وتغيير في الهوية العربية والإسلامية، وهم يعلمون أن محاور الشر والفساد في العالم يريدون التغيير الكلي لأرض الشام وتركوا المهمة الكاملة لتغيير هذه الأيدولوجية وتكوينها ثلاث دول رئيسية؛ إيران المجوسية، ونصيرة سورية، والدروز وحزب الله اللبناني، أم أن أبواقهم ومواقفهم هي من قبيل تصفية الحسابات مع جهات ودول وحكام بينها وبين شيوخ قطر نوع من الخلاف؟؟ قتلت إسرائيل زهو (1440) في غزه، فقامت قيامة الفضائيات ومظاهرات في الدول العربية والإسلامية، وصوت من هنا وصوت من هناك، والشبكة العنكبوتية كلها تقول: كلنا غزه، مع كون الفلسطينيين والعدو الصهيوني في خندق الحرب منذ احتلال فلسطين من قبل العدو الصهيوني، وأما من قتل من (40.000) إلى (80.000) حموي وحلبي قديماً، وحالياً أكثر من (10000) درعاوي وحلبي وحمصي وبانياسي ومعضمي وقامشيلي ودمشقي، فكأنه ولا شي يذكر، السجون مليئة بمئات الألوف من المساجين السياسيين والمعارضين والمطالبين بحقوقهم البسيطة، تقلب المستودعات إلى مراكز وسجون للتعذيب والاستجواب، وتقلب ملاعب الكرة الرياضية إلى معتقلات مفتوحة فرشهم الأرض ولحافهم السماء، فلا شيء يذكر؛ لا الفضائيات تتكلم، ولا الكتاب تجود أقلامهم -شلة أياديهم-، ولا الخطباء بالمساجد، ولا محاور في المنتديات الثقافية أو البرامج الحوارية، ولا حملة: كلنا سوريون في الشبكة العنكبوتية. ويكأن نكبتنا هي فلسطين فقط، وليس لنا نكبات أخرى في واقعنا العربي والإسلامي، وإن قدرت وسائل الاتصال والتواصل على تحييز عقولنا إلى قضية معينة، وصرفنا من شمولية الهم العربي والإسلامي إلى التفرد الجزئي والذي يعتبر في الأساس مفرغاً منه، وقد خذلنا فيه الفلسطينيون أنفسهم، لذلك كان إخفاء معالم الجريمة الكبرى، أحد أهم هواجس النظام النصيري ومن يدير كفة مخابراته، ومصدر الجزء الأكبر من قلقه وهلعه، فكان التعتيم على مأساة حماه والحمويين والحلبيين وغيرهم، وحياده لواقع سوريا الأليم، اليوم كمأساة أمة بأكملها إلى شأن سوري داخلي مصيره الحل ولا حل له سوى النظام النصيري، وكما بقية المآسي السورية الأولى في طي الكتمان حتى يومنا هذا سوى ما جادت به ذاكرة الحمويين والحلبيين، ستبقى الحالة السورية الحالية في غياهب التذكر، ففقد أربعون ألف إلى ثمانون ألف مسلم سوري ليس بهذه السهولة على هولاكو وتتار العصر النصيريين المجوس، ولأجل هذا كان الحيادة التصورية أهم العوامل التي أشغلتنا بها أساطين الفكر المجوسي واليهودي والنصيري والصليبي خلال أربعون عاماً الماضية، لبس النصيريون لباس الممانعة والتصدّي والصمود، واستنزفوا من حكام العرب والخليج العربي مبالغ طائلة وباهظة تصل إلى المليارات من الدولارات تحت ستارات كثيرة وحجج واهية، وأشغل العالم العربي والعوام من الناس بمسرحيات النصيريين والصفويين وأتباعهم من حزب الشيطان اللبناني بخندق المقاومة والنصرة لفلسطين والفلسطينيين، ونشروا الألوان الصفراء والحمراء والسوداء في ساحات طهران وبيروت ودمشق، ودقت طبول الفرح وعلت الأهازيج لذلك، وتكلم الطابور الخامس من أصحاب النخاسة الإعلامية بمديح ليس بقليل في حق هذه الطغم الفاسدة والمجرمة، وكل يوم أهازيج نصر وفتح ونصر إلهي، ومسيرات عسكرية وإظهار للفرح والسرور المزور والضحك على الذقون والاستغباء والاستغفال باتت تشكل الثقافة اليومية التي تصدر إلينا عبر قنواتنا وإعلامنا العربي وكله زوراًً في زور، وبهتان في بهتان، وشعوبنا هي الضحية بين الأمس واليوم كذب النصيريون ولو صدقوا... ظاهرة عامة وواضحة أن النصيريين كذبوا قبل الصعود على سدنة الحكم على أكتاف المستعمر الفرنسي وما زالوا يكذبون وسيكذبون إلى أن يزالوا من الوجود، وكل فتراتهم كذب في كذب، كذبوا عندما غيروا من الملاحدة النصيرية إلى العلوية، ثم كذبوا عندما زوروا التاريخ وقالوا بأنهم من أجلى المستعمر الفرنسي من انتدابه في الشام، وزورا له بطولات وهمية، وكذبوا عندما أسسوا البعث العربي الاشتراكي، وكذبوا عندما أسسوا دولتهم باسم الحزب الواحد وأوجبوا على العقول الشامية وغيرها نظرية حزب الأوحد ضد الطغيان الإسرائيلي، وقالوا بحزب الممانعة وجبهة الصمود، وباسمه داسوا على الرقاب، وأزهقوا الأرواح، دمرت المدن على أهلها، والسجون على المظلومين، وهتكت الأعراض، وشرد المواطنون من ديارهم وأبنائهم... كل ذلك في سبيل بقاء هذه النظام المتعجرف المستبد على رؤوس الأشهاد، واليوم عندما تحول هذا النظام الفاشي إلى أداة قمع رخيصة وتافهة، تحركها عناصر المخابرات والشبيحة وفرق القتل وآلات التدمير. استيقظ الشعب وطالب بحقوقه الشعبية، فتخبط النظام النصيري في يومياته وإعلامه ضد ثورة المظلومين، مثل ما تخبط غيره، فأراد أن يستعطف الرأي العام العالمي ضد المتظاهرين، وكذب وزاد في الكذب ليكسب بذلك جولة الضد والمناصرة، ولكن كذبه بات واضحاً للكل، وليكون الحاكم الفعلي على مقدرات السوريين، ولكي يبعد عن نفسه شبح زوال الحكم -أزال الله ملكهم كما أزال الطواغيت من قبل-، اتخذ سراديب الكذب عوناً له لأفعاله الإبادية الإجرامية، فوزع التهم على كيفية رآها مناسبة أنها مسعفة له ولنظامه الفاشي، ومع بدء الشعلة الثورية بدأت أفواه النظام وأبواقه تتكلم في كل واد عن سبب ومسببات هذه الثورات: أولاً: عند بداية انطلاقة شرارة الثورة وجه النصيريون القتلة بأصابع الاتهام إلى الخلايا الفلسطينية، فكان اللوم الكلي على اللاجئين الفلسطينيين، فلم ينجح هذا التقويل ورأوا أنهم ربع قرن من الزمان وهم يحملون الهم الفلسطيني لا يحق لهم أن يتهموهم جزافاً. ثانياً: وعندما لم تنجح التهمة الفلسطينية توجه النظام إلى الإعلام بأصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين وعناصره وقياداته وأعضائه، ولكن رؤية الواقع للمحللين كانت واضحة أن الإخوان لا يملكون القاعدة الانتشارية والتأثيرية في دولة البوليس والحديد والنار. ثالثاً: فضح النظام وتغيرت التهمة إلى المندسين والمجرمين والعصابات المسلحة، وبعض المسجونين ورجال العصابات، ولكن هذا لم يثبت حيث أن النظام زاد قلقه من زيادة المظاهرات وتوسع رقعة انتشارها. رابعاً: بحثت الطغمة النصيرية عن سبب جديد بعد الفشل الكل وتوجهت رسمياً إلى التهمة الكاذبة والواضحة؛ إلى عناصر من تيار المستقبل اللبناني، وقالوا بأن شحنات من الأسلحة تعبر الحدود من دول مجاورة -تعني لبنان وتيار المستقبل-، واتهموا في ذلك بعض قيادات في التيار، مما حدا بالتيار وبعض قياداته إلى رفع الملام عن أنفسهم، وبينوا كذب وزور الطغمة النصيرية، وأن كلامهم عار من الصحة. خامساً: زادت الرقعة الجغرافية للمطالبة بالحرية وسقوط النظام، وزادت آلية القتل، ودخلت المدرعات والأسلحة الثقيلة أراضي سورية مدينة مدينة وقرية قرية، فدمروا وقتلوا وهتكوا الأعراض، وخرجت رائحة النصيريين المنتنة على الملأ، فما كان منهم إلا أن يبرروا أفعالهم المشينة في جبين البشرية أنهم يحاربون المجموعات السلفية الجهادية التي تريد إقامة إمارات إسلامية متفرقة في سوريا، والتي ستهدد الأمن والسلم الإسرائيلي والشرق الأوسط. سادساً: لم يقبل العالم والرأي العام بهذه المقولات التي لا يمكن أن تستوعبها عقول أو قلوب، فقالوا: أن ما يحدث في سوريا من أمور والثورات تقف خلفها السعودية ببصمة الأمير بندر بن سلطان، وأن السعودية لديها رغبة في تفتيت سوريا، حتى حدا بناعق الأرض السفيه "حسن نصر الله" أن يصرح أنه لو تفتت سوريا سيصل التفتيت إلى السعودية، وهذا كلام من صميم الإدارة السورية التي عبرت عن رأيها وموقفها الصريح عبر بوقها الناعق. سابعاً: قتلت الحرائر وانتهكت الطفولة السورية ببشاعة لم يعملها أي نظام أو ديكتاتور في التاريخ البشري سوى الملحدون في الأرض الذين لا يؤمنون بإنسانية إنسان، قامت جمعيات ومنظمات الحقوق وبعض الحكومات الكفرية التي لها ضمير إنساني بالصيحة ضد تجاوزات الطغمة السورية الفاسدة التي تلعب في شعبها لعبة التصفية على الهوية والعمر، ولإسكات ذلك تكلم النصيريون وقالوا: أن خلف هذه المظاهرات الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية ودول الغرب المساندة لإسرائيل لتفتيت جبهة الممانعة والصمود، ولتمرير هذه المقولة عبر وسائل الإعلام العربية أحدثوا مسرحية النكبة ومظاهرات حول الحدود مع الكيان الصهيوني في الجولان من الشرق وفي الشمال، ليثبتوا للعالم أنهم جبهة الممانعة والصمود.
محمد العبدة
معتز أحمد
أحمد أرسلان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير