مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 2729
شـــــارك المادة
يُستعمَل هذا التعبير الاصطلاحي للدلالة على مدرسة إسلامية معاصرة تَنسب نفسها إلى اعتقاد السلف وتتبنى الجهادَ والعملَ المسلح طريقةً وحيدة للتغيير، ويُعتبَر تنظيمُ "القاعدة" أكبرَ تجلّياتها في الوقت الحاضر. كثيرون لا يعرفون عن السلفية الجهادية إلا الاسم، فكيف وُلدت وما هي أهم صفاتها؟ هذا هو الجواب بإيجاز.
-1-
أول ظهور علني لهذه المدرسة كان في مصر في نهاية سبعينيات القرن الماضي، عندما تكونت جماعة "الجهاد الإسلامي" باندماج مجموعتين جهاديتين وُلدتا قبل ذلك بسنوات في القاهرة والصعيد. في عام 1980 عرف الناس أصولَ الجماعة ومنهجَها عندما نشر منظّرُها وأميرُها محمد عبد السلام فرج كتابَ "الفريضة الغائبة"، وفي السنة التالية اغتالت إحدى خلاياها الرئيسَ السادات في حادثة المِنَصّة المشهورة، وعلى إثرها أُعدم فرج مع خالد الإسلامبولي وآخرين. في أواسط الثمانينيات انتقل بعض قادة الجماعة إلى أفغانستان، وكان من ضمنهم أيمن الظواهري، ومن هناك انطلقت إلى العالمية بعد تأسيس تنظيم "القاعدة" سنة 1988 ثم بعد الإعلان عن "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" بعد ذلك بعشر سنوات.
-2-
ترتبط بالتنظيم فروعٌ مباشرة في عدد من البلدان (كاليمن والمغرب العربي) وجماعات جهادية محلية في بلدان أخرى، كجماعة "أنصار الشريعة" في تونس و"أنصار بيت المقدس" في سيناء، ومنها جماعة "جند أنصار الله" التي اصطدمت مع حركة حماس في رفح بقطاع غزة عام 2009. أما في سوريا فقد كانت "جبهة النصرة" هي فرع القاعدة الرسمي إلى وقت قريب، وبعد فك الارتباط الظاهري بالقاعدة انشقّ بعض قادة النصرة (وأكثرهم أردنيون) وبدؤوا بالتخطيط لإنشاء فرع سوري جديد للقاعدة ربما حمل اسم "طالبان الشام". وتنظيم القاعدة هو الحاضنة التي وُلدت وترعرعت فيها داعش، فهي التطور الطبيعي لتنظيم دولة العراق الإسلامية، ودولة العراق هي النسخة الموسعة والمطورة من تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
-3-
نبذت هذه المدرسة أكثرَ علماء العصر، وهي تُفسّق وتكفّر كثيراً منهم ولا تتلقى إلا من علمائها الذين حصلوا على التزكية والقبول، وهم قلّة قليلة من علماء العالم الإسلامي، وأكثر علمهم محصور غالباً بمسائل الاعتقاد والجهاد والسياسة الشرعية. وتمتاز السلفية الجهادية بالتشدد والتعصب ورفض التدرج في الأحكام، وبالظاهرية الشديدة وبالشدة على المخالفين واحتكار فهم وتمثيل الدين، وأسوأ ما فيها الكِبْر والإقصاء اللذان يحكمان علاقتها بسائر الجماعات والحركات الإسلامية.
-4-
من أظهر صفات هذه المدرسة "الغلو" الذي يمثل ركناً رَكيناً في منظومتها الفكرية، فهي من أخصب البيئات إنتاجاً وتغذية واحتضاناً وتصديراً للغلو والغلاة في العالم الإسلامي، وهي تتوسع كثيراً في مسائل التكفير وتتهاون في الدماء، ومن أصول منهجها تكفير الأنظمة الحاكمة في جميع الدول العربية والإسلامية وتكفير الأجهزة الأمنية والعسكرية فيها، وينسحب هذا الحكم على الأعيان، من رئيس الدولة (كأردوغان على سبيل المثال) إلى أصغر جندي في الجيش وكل شرطي في الدولة.
-5-
تتبنى هذه المدرسة مفهوم "الجهاد العالمي" الذي يخلط بين دفع العدو الصائل الذي يحتل بلدان المسلمين وقتال الحكومات والأنظمة الوظيفية في جميع البلدان العربية والإسلامية، فلا تفرق بين ساحة وساحة ولا بين عدو وعدو، بل ربما قدّمت قتال الأنظمة المحلية "المرتدة" على قتال العدو الخارجي "الكافر". كما أنها تعتمد مبدأ "التغلب" وتعتبره أسلوباً مشروعاً للوصول إلى السلطة، وهذا الاعتبار سهّل عليها قتال مخالفيها لإخضاعهم وإقامة الدولة وفرض الشريعة بالقوة، كما صنعت داعش سابقاً في العراق ثم في سوريا وكما تصنع جبهة النصرة في سوريا في هذه الأيام.
-6-
وهي أقلّ المدارس الإسلامية اهتماماً بالدعوة الشعبية والعمل الحركي والمدني، بل يكاد تاريخها الدعوي يقترب من العدم المطلق، لأن طريقة أصحابها هي فرض الشريعة بالقوة، سواء اقتنع بها الناس أم لم يقتنعوا. وهم يفرضون عادة منهجاً متشدداً متنطعاً يتوافق مع غلوّهم المعروف، وأكثر ما يهتمون به من مظاهر تطبيق الشريعة هو الحدود. بالمقابل فإن اهتمامهم بالقيم الإسلامية الإنسانية -كالعدل والشورى والكرامة والحرية والإنسانية- شبه معدوم، وتعاملهم مع جمهور المسلمين لا يختلف -من حيث الفوقية والوصاية والاستعلاء- عن تعامل سائر أنظمة الطغاة والمستبدين.
من حساب الكاتب على تلغرام
برهان غليون
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
عبد الله لبابيدي
حسين عبد العزيز
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة