محمد توفيق
تصدير المادة
المشاهدات : 2720
شـــــارك المادة
هكذا - بين عشية وضحاها - باتت العاصمة اليمنية صنعاء في يد الحوثيين، وذلك بالتزامن مع بدء "التحالف الدولي" مهاجمة معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، والذي هو على الحقيقة لم يستهدف فعليًا بعدُ إلا مدنيين وفصائل معارضة أخرى، والأمر برمته يشير في عدة مناطق أخرى - كليبيا ولبنان - إلى حالة من الفوضى الممنهجة يُدفع إليها الشرق الأوسط، عدا إسرائيل بالطبع.
ما الداعي للنظر في مسارات الأحداث الجارية على أنها "صوملة"[1] للشرق الأوسط؟
وهل تماهت جماعات المصالح مع لوبيات الثورات المضادة في المنطقة؟
هل نحن إزاء تموضعات جديدة لمستويات القوة والتأثير؟
سنسعى هنا لبلورة إجابات "مؤقتة" على موجة الأسئلة السياسية التي تموج بها المنطقة في الراهن.
تسليم صنعاء للحوثيين .. لا تعليق:
فقط خلال ثمانية وأربعين ساعة يتم "تسليم" مفاصل الدولة اليمنية لبضعة آلاف من مقاتلي "أنصار الله" التابعين لجماعة الحوثي، وكميات ضخمة من الأسلحة والمعدات الثقيلة في أيدي ميليشيات الحوثي وكأنها هبة من الجيش اليمني لهم، ودون أدنى مقاومة تذكر لهذا التعدي "الواضح" على المؤسسات الأمنية والاقتصادية لـ"الدولة اليمنية" المنسحبة من فاعلية المشهد.
قد نفترض "طروء" ضعف مفاجئ للدولة اليمنية أدى لتمدد وتنامي القوة والفاعلية الحوثية في اليمن؛ لكننا لا يمكن بحال افتراض غياب فاعلين أساسيين في المشهد اليمني = الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر، خاصة مع فجاجة الدور الإيراني الداعم للحوثي!!
وهل ضعفت الدولة اليمينة أمام مواجهة تنظيم القاعدة/أنصار الشريعة في اليمن؟ أم أنها ستُدعم في هذا السياق ضمن سياسات وأهداف "التحالف الدولي" لمواجهة الإرهاب.
وبين ركام الأسئلة التي لا تنتهي حول هذه الأحداث المتسارعة؛ يسير المجتمع اليمني في سياقات غاية في الخطورة، حيث أن استمرار هذا الشكل الفوضوي في إدارة مشكلات البلاد يرتبط بشكل أساسي بتشققات بنيوية اجتماعية خطيرة، فمع تهدم سلطة الدولة، الغائبة نسبيًا منذ فترة في اليمن؛ لن يكون هناك مصير لهذا الحراك إلا إلى مزيد فشل في شكل وبنى الدولة والمجتمع، بل وقد تختفي الدولة وأدواتها، في ظل مجتمع قبلي مصلحي، وتغدو لغة القوة المسلحة هي الحاسمة وفقط، وهو ما سيبرز نموذج "الدولة المليشياتية" الفاشلة.
وينبغي هنا لفت الانتباه إلى أن هذا المسار للنموذج اليمني لابد وأنه سينتج مزيدًا من الراديكالية على مستوى العنف الفكري والممارساتي، فتنظيم القاعدة في اليمن سيجد من رحم الأحداث الجارية دلائل صدقية مساره العنيف تجاه الدولة والحوثيين، وسيقابل التطرف والتغول الحوثي بمزيد عنف من معسكر القاعدة، ولا أستبعد مطلقًا انسحاب قطاعات كبيرة ممن ارتضى العمل السياسي السلمي من مساحات العمل والممارسة السياسية وتوجههم لمعسكر المواجهة المسلحة، طالما باتت هي اللغة الوحيدة التي تتحدث!!
ليبيا ما بعد الثورة .. القوة المسلحة تغلب الشجاعة السياسية:
لا يبدو أن الدولة الليبية، التي ارتكزت منذ عشرات السنين على مبدأ "سلاح لكل مواطن"، قد تسير بشكل هاديء نحو تأسيس دولة حديثة، لاسيما وأن الدولة، من الناحية السياسية، باتت تدار من خلال حكومتين، حكومة مشكلة ممن شارك في مجلس النواب بمدينة "طبرق"، وأخرى مشكلة من المؤتمر الوطني بالعاصمة "طرابلس".
ومن الناحية العسكرية، باتت الدولة تحكم بجيشين من تحالفات المليشيات المسلحة وبعض قطاعات الجيش الليبي، أحدهما تابع للقوات الرسمية "فجر ليبيا"، والأخرى تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر.
وعلى الرغم من توفر الموارد النفطية "المربحة" لدولة صغيرة التعداد كليبيا؛ إلا أن أزمات اقتصادية شديدة على الأبواب، بالإضافة لتجذر لغة القوة المسلحة لحسم الخلافات السياسية، بل والاجتماعية، وهو ما يشير لذات السيرورة التي تسير فيها الحالة اليمنية نحو "الصوملة" أو ما اصطلحنا عليه بـ"الدولة المليشياتية" الفاشلة.
تنظيم "أنصار الشريعة" في بني غازي، على المستوى الفكري، ضمن سياقات فشل الحلول السياسية، سيكون هو الآخر جاذبًا للكثيرين في ظل سيطرة لغة القوة المسلحة، إذ أنه من الناحية الممارساتية يتساوى الجميع في حيازة قدر من التحدث بقوة السلاح، إلا أن الفارق هنا هو القدر المعتبر من اللغة السياسية المصاحبة لقوة السلاح، والتي تكاد تكون منعدمة في بني غازي، والتي باتت بالفعل غير مؤثرة في مسار الأحداث في ليبيا، وهو ما ينذر بتحرك الدولة بشكل سريع و"متقصد" نحو التصومل.
المواجهة مع تنظيم الدولة .. نحو مزيد من العنف:
يمكن القول بأن استراتيجية مواجهة الغرب وحلفائه في المنطقة لتنظيم القاعدة وامتدادته لم تتغير من حيث المضمون، كل ما هنالك أن شكل المواجهة فقط قد تغير، وباتت الولايات المتحدة حريصة على تجنيب نفسها تبعات المواجهة المباشرة، ومن ثم دفعت بالأطراف العربية في مقدمة المواجهة مع التنظيم.
وليس هذا ما يعنينا بالتحديد؛ لكن اختيار حل المواجهة العنيفة لحسم ظاهرة الصعود "السريع" للتنظيم، هو الذي أدعي أنه ضمن صيرورة الإقليم والدفع به نحو فوضى تحمي نفسها وتطيل بقاءها – هذه الفوضى - بقوة السلاح، فضلًا عن كون ظاهرة تنظيم الدولة أعقد من كونها مجرد تنظيم أيديولوجي مسلح يتبنى العنف، وبالتالي لا يمكن التعاطي معه بهذا القدر من السطحية والعنف.
من الملاحظ أن الحراك الجهادي بشكل عام بعد أحداث 11 سبتمبر بات أكثر لامركزية ووعيًا وانتشارًا، وكلما زادت وتيرة التصعيد الأمني العنيف ضدها قابلتها بموجات من العنف وإعادة التمركز في أماكن جديدة، الأمر الذي يعني أن الأمر لم يعد مقتصرًا على الحل الأمني المصحوب بجرعات ساذجة من المواجهة الفكرية والتوعوية التي غالبًا ما تكون أكثر تطرفًا وحدة من خطاب الجهاديين نفسه.
بل إن الحالة الجهادية الجديدة في سوريا التي باتت جاذبة لمختلف الجنسيات من جل بقاع العالم هي على الحقيقة تمثل تفوقًا استراتيجيًا للتيار الجهادي على مشروعات المواجهة العنيفة معه، في ظل توسيع دائرة التحالفات الدولية تجاهه، والتي قد يستتبعها توسيع مضاد لنطاق مواجهات الجهاديين لمكونات التحالف!!
خلاصة الأمر؛
نظرًا لمعطيات وتحولات الأحداث في المنطقة، والتي تستصحب دومًا "لغة السلاح" = حيث تزداد يومًا بعد يوم القيم الكمية والنوعية والديموغرافية للسلاح في المنطقة، والتي لا تنفك بحال عن شبكات ومجموعات مصالح تجني أرباح هائلة من بيع السلاح، وبالتالي تأجيج الصراعات والحروب المسلحة في المنطقة.
كما أنه لا يمكن إغفال دور حالة الاستهلاك المادي الضخم للمنطقة، حيث تتزايد معدلات شراء الأسلحة والمعدات الأمنية من قبل دول الإقليم رغبةً في تحقيق درجات أعلى من الوقاية والاستقرار الأمني، فضلًا عن المخصصات المالية الضخمة التي تنفق مقابل الدعم الاستشاري الأمني والعسكري الأمريكي والغربي لدول المنطقة، وكذا عمليات الصيانة وشراء قطع الغيار الخاصة بالمعدات المستخدمة في تلك الحروب، وهي الأمور التي تخصم من رصيد مخصصات التنمية والتطوير الاقتصادي والاجتماعي لدول الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل!!
وما الذي يعنيه ذلك بالتحديد؟
انحسار وانزياح لغة التفاوض والتفاهم السياسي، وازدياد لغة "القوة المسلحة"، بالإضافة لتمثلات تأثير القوة الناعمة والذكية والخشنة من قبل جماعات مصالح ودول إقليمية ودولية؛ هكذا سيناريو قد لا يخرج لنا إلا مشاهد حروب العصابات والمليشيات في الصومال والكونغو وأمثالها من "الدول الفاشلة"[2]، الأمر الذي يعني ضرورة التنبه لخطورة سياسات المواجهة أحادية الأدوات حيال ظواهر غاية في التعقيد والتركيب، بل وتزداد درجات التعقيد تلك كلما توغلنا في السير في الاتجاه الخاطئ.
-----------------------------------------
[1] عادة ما يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى نموذج الدولة الصومالية الفاشلة، والمصنفة الأولى كدولة فاشلة على مستوى العالم، حيث انتشار السلاح، وسيطرة الميليشيات، وغياب مظاهر وأدوات الدولة. والمقصود هنا هو مصطلح الدول الفاشلة الذي أطلقته الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون لوصف بعض الدول التي بات فشلها في لعب وظائفها الرئيسية يمثل تهديدًا للأمن الدولي.
[2] يمكن الاطلاع على مؤشرات ومعايير وترتيب الدول الفاشلة (The Failed States Index)، والدول الرخوة/الهشّة (Fragile States Index) على موقع مؤسسة "The Fund for Peace".
مركز نما للدراسات والأبحاث
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
أحمد أرسلان
جهاد خيتي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة