..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

رهان إدلب غير المحسوم

أحمد أبازيد

٧ إبريل ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2760

رهان إدلب غير المحسوم
9569f136a87468edc86623794071e3d5_XL.jpg

شـــــارك المادة

أعلنت فصائل “جيش الفتح” يوم 28 آذار الراهن بسط سيطرتها على مركز مدينة إدلب، بعد قرابة ثلاثة أيام من إعلان “جيش الفتح” بدء المعركة يوم 24 آذار الراهن، كانت هذه المعركة السريعة أول معركة معلنة تقوم بها الفصائل المقاتلة لنظام الأسد منذ وقت طويل، كانت التحشيدات واضحة حول المدينة قبل بدء المعركة بأكثر من أسبوعين، وسحب النظام مؤسساته وموظفيه من المدينة إلى بلدة “جسر الشغور” المجاورة للمدينة قبل وقت مشابه، وكان الجميع ينتظر بدء هذه المعركة “السرية”.
يعتبر هذا “الانتصار” هو الأول بهذا الحجم الرمزي والإعلامي بعد مرحلة طويلة تراجعت فيها إنجازات وسيطرة الثوار أمام تنظيم الدولة أو نظام الأسد والميليشيات الشيعية في الشمال السوري، و في مقابل هذا الانتصار المعنوي الكبير، ينبغي الوقوف على الأبعاد الأكثر عمقاً –وتأثيراً- للمعركة على المدى الأبعد، على المستوى العسكري الميداني، أو على المستوى السياسي الدولي، أو حتى على المستوى الاجتماعي والإنساني، والتي قد تحتاج وقفة أهدأ –رغم صوت المعركة العالي- لتقييم مدى هذا الإنجاز وأطر الاستفادة منه.
خلل الأولويات العسكرية في الشمال السوري:
أعلن عن تشكيل جيش الفتح ليكون الواجهة العسكرية والإعلامية للفصائل المشاركة في معركة إدلب، ورغم كلمة “الجيش” ذات الدلالة العسكرية المباشرة، إلا أن التسمية تحيل إلى غرفة عمليات وتنسيق يخص المعركة أكثر مما هو فصيل أو تحالف دائم.
يضم جيش الفتح هذه التشكيلات مرتبة بشكل تقريبي حسب العدد والقوة المشاركة فيه:
- حركة أحرار الشام: التي مثلت بفصيلين هما أحرار الشام وصقور الشام الذين اندمجوا بالحركة، وحملت الحركة العبء الأكبر في المعركة باستلامها الجهة الشرقية الأكثر تعزيزاً للمدينة، ومشاركتها في الجهات الأخرى.
–جبهة النصرة: التي يبدو أنها كانت أول من طرح فكرة المعركة.
–جند الأقصى: وهو فصيل سلفي جهادي يغلب عليه المهاجرون ولم يشترك في القتال ضد داعش، وهو أكثر تشدداً في فكره وعلاقته مع الفصائل والمجتمع المحلي من جبهة النصرة، وقد اشترك في هذه المعركة بعناصره وبكتائب محلية دخلت المعركة ببيعة قتال مؤقتة تحت اسمه بسبب شروط الدخول إلى جيش الفتح والتي تتضمن توفر السلاح الثقيل، الشرط الذي استفاد منه الجند بعد الاستيلاء –مع جبهة النصرة- على أسلحة حركة حزم في خان السبل والفوج 46 في آذار 2015م.
–فيلق الشام: وهو أكبر فصائل الجيش الحر التي تمثل مدرسة الإخوان المسلمين، وقد ورث معظم فصائل هيئة حماية المدنيين، والغالب على وجوده في ريف إدلب وريف حماة.
–أجناد الشام: بقيادة أبو حمزة الحموي، وكان للأجناد مشاركة قوية في معارك ريف حماة.
–جيش السنة: بقيادة أبو عبيدة الحموي الذي كان أحد قيادات الأحرار وانفصل عنهم قبل قرابة شهر فقط من المعركة، ويغلب على الفصيل أبناء حمص ثم حماة.
–لواء الحق: فصيل محلي من أبناء ريف إدلب وبلدة تفتناز لم يشارك في قتال داعش واشترك وقتها مع جند الأقصى ولواء عمر ولواء داود في “تحالف المهاجرين والأنصار” في كانون الثاني 2014م، ولكن لا يمكن القول إنه تنظيم سلفي جهادي.
ويمكننا الكلام هنا بالنسبة للجيش ولفهم خطابه أو صراعاته اللاحقة الممكنة عن وجود تكتلين كبيرين: الكتلة الثورية الإسلامية التي يمثلها أحرار الشام وفيلق الشام، والكتلة السلفية الجهادية التي يمثلها جبهة النصرة وجند الأقصى، والفصائل الأصغر متوزعة بين الجانبين.
سيطر الثوار على معظم مساحة ريف إدلب منذ بدايات 2013م، خاصة في الريف الشرقي والشمالي والجنوبي، في المناطق التي تمثل امتداداً لريف حلب وريف حماة الشمالي، بينما تمركز النظام بقوة في “أريحا” وجسر الشغور” غرب المدينة واللتان تشكلان الامتداد والإمداد نحو الساحل أولاً ثم حماة، وكانت القطع العسكرية الأهم التي بقيت ضمن أو على حدود هذه المنطقة المحررة حتى ما قبل السيطرة على المدينة: معسكر المسطومة، معمل القرميد، بلدتا كفريا والفوعة، جبل الأربعين (الذي يحمي طريق أريحا)، وبالطبع جسر الشغور وأريحا.
في نهايات كانون الثاني 2015م، أعلنت ألوية صقور الشام معركة شبه منفردة، لتحرير جبل الأربعين، لم تلبث أن توقفت بعد أيام دون أن تحقق أهدافها، وكانت هناك محاولة مصغرة من جبهة النصرة لعملية انغماسية ضمن معسكر المسطومة الذي قامت ضده أكثر من معركة لم تنجح، أما كفريا والفوعة حيث الخزان البشري للميليشيات الشيعية المحلية فهما مصدر للقصف المستمر (والمتبادل) مع قوات الثوار، إضافة لحمايتهما ظهر المدينة وطريق الساحل (سابقاً)، وبالنسبة لجبهة أريحا – جسر الشغور فإن أهميتها استراتيجية بالنسبة لجبهة الساحل ومحور (إدلب-حماة-الساحل).
تقع المدينة في امتداد المساحة الجغرافية الواسعة التي يسيطر عليها الثوار، ولكنها أيضاً في قلب هذه المعسكرات وعلى حواف طرق إمداد النظام من حماة والساحل وإليهما.
إن أخذنا الجبهة الشمالية بالعموم، فمن الملاحظ ضعف الخطوط –والخطط- الدفاعية للثوار أمام تمدد النظام في خطة دبيب النمل التي تهدف لتطويق حلب وقطع الطريق ما بين المدينة والريف الشمالي، بلغت هذه الخطة آخر إنجازاتها بالسيطرة على “باشكوي” في ريف حلب الشمالي منذ 17 شباط الراهن، وباستعادة حندرات بعد أيام من سيطرة الثوار عليها الشهر السابق، هذا بعد استنزاف طويل لمقاتلي الثوار على هذه الجبهات طيلة سنة ونصف، ومقتل أعداد هائلة فيها من الجانبين، دون تحقق إنجاز عسكري مضاد من قبل الثوار، أو فتح طريق بديل، ما يجعل أكبر ثقل للثورة في الشمال السوري (مدينة حلب) معرّضاً لتهديد دائم ومستنزفاً في خطوط الرباط الطويلة، رغم تأمين عمقه الاستراتيجي في ريف حلب وريف إدلب.
انقلاب “المعتاد العسكري” هذا المتمثل بقلب مهدد وأطراف آمنة، لا يبدو أنه سيتحسن عسكرياً بفتح “قلب” آخر في مدينة إدلب.
على جبهة حماة المقابلة، التي تبدو أكثر اتصالاً بجبهة إدلب وريف حلب الجنوبي، وتشكل معها محور العمق والحماية لطرق الإمداد لجبهة الساحل ولقوات النظام في حلب أيضاً، فلم يحصل تقدم مفصلي بعد انهيار جبهات الثوار بعد انسحاب جبهة النصرة من محردة الذي تلاه انسحاب كافة الفصائل من معظم المواقع التي تقدمت فيها في ريف حماة الشمالي، منذ أيلول 2014م، وكانت الخسارة الاستراتيجية الأكبر سقوط مورك التي تقع على طريق الإمداد نحو حلب في 23 تشرين أول 2014م، ويتمركز تنظيم الدولة في بادية حماة من الجهة الشرقية ويهاجم باستمرار طريق السلمية – أثريا، ويشكل بؤرة تهديد للثوار هناك مع طرق إمداده المؤمنة من دير الزور عبر البادية.
أما بالنسبة لخارطة الفصائل فلم يقتصر التراجع على التقلص العددي بإصابات الحرب، وإنما اختفت سبع فصائل بأكملها من جبهات ريف إدلب وريف حماة بعدما فككتها جبهة النصرة خلال الأشهر السابقة بعد إعلان مشروع الإمارة الذي تلته السيطرة على جزء كبير من ريف إدلب خاصة الشريط الحدودي مع تركيا وجبل الزاوية، الأمر (المقصود انتهاء هذه الفصائل) الذي قد تظهر تبعاته فيما لو فتح النظام جبهة ريف حماة من جديد (كان لحركة حزم بالذات دور مهم في جبهة مورك)، عدا عن زرعه نزعة من الاحتقان والشك المستمر ما بين جبهة النصرة والفصائل الأخرى، وتتجه خارطة الفصائل في الشمال السوري لتكون أكثر وضوحاً ببقاء التشكيلات الكبيرة (أحرار الشام، الجبهة الشامية، جبهة النصرة) واتجاه الفصائل الأصغر إلى الاندماج في أجساد كبرى خوفاً من أن يتم ابتلاعها أيضاً، هذا لا ينفي وجود اضطرابات داخلية ضمن هذه الأجساد الكبيرة نفسها.
على مستوى الأولويات، تبدو أولوية النظام في الشمال السوري السيطرة على طرق الإمداد والحفاظ على القطع العسكرية التي تقصف المناطق المحررة أما كمناطق جغرافية فأولويته الساحل والبلدات الشيعية في ريف حلب وإدلب، بينما أولوية تنظيم الدولة فهي تأمين مناطق سيطرته والتوسع على المواقع النفطية وتأمين طرق إمداد إضافية لسيطرته الاستراتيجية على البادية التي تؤمن له طرق إمداد خلفية وامتداداً شاسعاً بين الجبهات الشرقية والشمالية والوسطى والجنوبية، ما يقطع الاتصال الجغرافي لمناطق الثوار، أما أولوية الثوار فلا يظهر وجود استراتيجية عسكرية شاملة للشمال السوري وتكاد تقتصر المحاولات على الحفاظ على المناطق التي يسيطرون عليها في حلب وإدلب والتوسع “جغرافيّاً” قبل السيطرة على القطع العسكرية وطرق الإمداد المحيطة بها الجغرافيا، ومن الواضح أن استثمار الموارد المحدودة والمتناقصة -البشرية والمادية- للفصائل لم يستغل في المكاسب العسكرية الأكثر أهمية والأقل خسائر.
تعتبر السيطرة على مدينة إدلب إنجازاً مهمّاً ولكن يبقى ناقصاً دون العمل على القطع العسكرية المحيطة بها (خاصة المسطومة) واستكمال المعركة في محور جسر الشغور – أريحا، حتى لو كانت بقطع طرق الإمداد دون السيطرة على المدن، لأن البقاء على المدينة وحدها سيمثل استنزافاً للمقاتلين في نقاط رباط إضافية، مع استمرار الضغط في المقابل على جبهات حلب التي كان يغطيها مئات من هؤلاء المقاتلين.
وعلى المدى البعيد، فإن العمل على محاور جسر الشغور- أريحا في ريف إدلب، و مورك في ريف حماة، ومعامل الدفاع في ريف حلب الجنوبي يمكن أن يقدم إنجازاً عسكرياً استراتيجيا للشمال السوري.
رايات ضد السياسة:
لم يكن خافياً على من خططوا للمعركة من الفصائل الثورية أن الهدف منها سياسي أكثر منه عسكريًّا، عبر انتزاع ثاني مركز محافظة بشكل كامل من قبضة النظام بعد الرقة (شباط 2013م)، ليكون مركز المدينة الوحيد الذي يسيطر عليه الثوار في الشمال السوري (وفي سوريا عامة)، باعتبار أن مدينة حلب مقسمة بين الثوار والنظام، وإن كانت مساحة الجزء المحرر من مدينة حلب أكبر من مدينة إدلب.
ولكن هذا النصر الإعلامي الكبير الذي تحقق بسيطرة “جيش الفتح” على مدينة إدلب، والذي لم يحرز إنجازاً عسكرياً ضخماً، بقدر ما أريد أن يترجم كإنجاز ومكاسب سياسية ممكنة جداً، ولكن هذا الإمكان يواجه عوائق عدة، أو بالأحرى فإن استفادة الفصائل الثورية من هذا الإنجاز هي التي تواجه عوائق عدة، والجزء الأكبر من التحدي السياسي هنا إعلامي بالدرجة الأولى، ولذلك سنحلل الصورة الإعلامية التي انتشرت عن المعركة.
في 24 آذار الراهن انتشر خبر إعلان جيش الفتح بدء معركة إدلب على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بهذه الصيغة:
“توحد الفصائل الجهادية في الشمال السوري في جيش الفتح وإعلان بدء معركة إدلب”.
وبطبيعة الحال فحتى دون نقل الخبر كاتحاد واندماج فإن اسم “الجيش” لا يوحي بغير ذلك، وهو اتحاد الفصائل ذات المشروع الثوري والإسلامي المحلي (أحرار الشام وفيلق الشام) مع تنظيمات سلفية جهادية معولمة ومصنفة على لائحة الإرهاب (جبهة النصرة وجند الأقصى) ضمن فصيل واحد، الأمر الذي لم يحصل بطبيعة الحال; باعتبار أن “جيش الفتح” هو مسمى لغرفة عمليات المعركة، ولكنه دال لا يحيل إلى مدلوله الدقيق، وطيلة الأيام اللاحقة حاول الناطقون باسم أحرار الشام والفصائل المشاركة استدراك هذا الخطأ اللغوي (والسياسي) بتوضيح أن “جيش الفتح” هو “غرفة عمليات جيش الفتح”، الأمر الذي نفاه الحساب الرسمي لجيش الفتح نفسه على تويتر عبر تغريدة كان نصها:
”جيش الفتح لم يكن غرفة عمليات مؤقتة هو جيش حقيقي رجاله من خيرة الرجال وقادته من خيرة القادة وسيواصل فتوحاته قريباً بإذن الله”.
بينما كان يمكن تجنب هذا الأمر وتبعاته الواضحة باختيار اسم أكثر دلالة على التنسيق لا على الاندماج.
وبعد السيطرة على المدينة استعادت “تصريحات ما بعد التحرير” صورة الجيش كمشروع مستمر إلى “دمشق”، ما ألغى أيضاً تأثير التوضيح أنها غرفة عمليات للتنسيق وحسب.
لم يقتصر الأمر على الأسماء بطبيعة الحال وإنما يمتد إلى الأرض، كان الاتفاق ضمن غرفة عمليات جيش الفتح على ألا تظهر الفصائلية في المدينة بعد التحرير، وتكون راية جيش الفتح فقط هي الممثلة للعمل، ولكن ما ظهر وانتشر على الإعلام العالمي هو أعلام جبهة النصرة فوق جميع معالم المدينة، الأمر الذي أذاع صورة أن تنظيم القاعدة يسيطر على المدينة، بينما لم تظهر أعلام الثورة السورية إلا في بضع صور شخصية كانت واحدة منها فقط من فصيل مشارك في المعركة وهي للقائد العسكري لفيلق الشام الرائد ياسر عبدالرحيم.
وبالنسبة لبيان التحرير فإن البيان الذي انتشر عن تحرير المدينة كان لقاء مصوراً مع الشيخ السعودي الشاب د.عبدالله المحيسني، والذي قدّم خطاباً إيجابيّاً ومتزناً واعتبر أن أبناء إدلب هم من حرروا إدلب، ولكن هذا الخطاب بطبيعة الحال لم يصدر من أحد القيادات المحسوبة على الثورة السورية، وإنما على “الجهاد العالمي”.
هذا الغياب لحضور خطاب الثورة السورية أو أعلامها في التحرير، رغم أن العبء الأكبر من المعركة تحملته الفصائل الثورية، حاولت أجهزة المعارضة السياسية أن تملأه بتصريحاتها عن دخول مدينة إدلب ونقل مؤسساتها هناك لإدارة المدينة وتخديمها، ولكن موجة التصريح المضاد من الكتلة السلفية الجهادية عن أن الائتلاف لن يدخل إدلب بل ستُحكم بشرع الله، وعدم توضيح الكتلة الثورية الإسلامية في جيش الفتح موقفها من هذه التصريحات، زاد من هيمنة الصورة الإعلامية عن أن تنظيم القاعدة هو من يحكم إدلب، وليس “الثورة السورية”، قد يكون ثمة تداخل ميداني وتنظيمي وحتى فكري بين المفهومين، لكنهما أمام العالَم السياسي مشروعان منفصلان.
دوليّاً، أصبح الواقع الإقليمي بعد عاصفة الحزم مفتوحاً على احتمالات التدخل في سوريا أو تغيير المعادلة على الأقلّ، كان يمكن لمعركة إدلب أن تعيد التذكير بالثورة السورية كمشروع يمتلك مدناً ويثبت نفسه كبديل وشريك في تغيير الوضع السوري، ولكن هذ المشروع بقي دالاً دون مدلول واضح، فلم يتمثل في جسد سياسي ولا جسد عسكري متفق عليه وقادر على التفاوض واتخاذ القرار، لا على المستوى السوري الوطني وحسب بل حتى في الشمال السوري وحده، ولم تمثل الفصائل الثورية الكبيرة (مثل أحرار الشام) مشاريع قادرة على ضبط الجغرافيا والحرب وحدها حتى تدخل في اتفاقيات الدول وتستفيد – إلى حد جذري – من تغير المعادلات الإقليمية، ولم تقدم نفسها كممثل للثورة السورية ولا رفعت علم الثورة في أماكن سيطرتها، بقدر ما حاولت التركيز على هويتها الخاصة المتداخلة بين الثورية والجهادية، نتيجة المزايدات السلفية الجهادية التي اخترقت الفضاء السوري الثوري العام وهيمنتْ عليه.
هذا كله جعل المكسب السياسي الممكن من هذا الإنجاز العسكري غير المكتمل، يضيع في المنطقة الضبابية التي وضعت الفصائل الثورية نفسها فيها، نتيجة عدم التوحد على تمثيل مشروع الثورة السورية حتى عبر الشعارات والأعلام، وليس عبر مؤسسات عسكرية وسياسية، ضياع المكسب السياسي هذا قد يُضاف لاستفادة جبهة النصرة من المعركة، رغم الإعلان المتكرر عن أنها لن تعلن قيام الإمارة بعد تحرير إدلب.
يبقى التحدي الأخير هنا هو عبء إدارة المدينة لمن سيتبقى فيها بعد موجة النزوح الكبيرة التي تلت سيطرة جيش الفتح عليها، والذي يمكن به تدارك الصورة الإعلامية التي يروجها إعلام النظام السوري عن المناطق التي ينسحب منها، باعتبارها مناطق لحكم القاعدة وللنهب الفوضى، ويمكن به أيضاً تعديل الصورة التي انتشرت للعالم كذلك عن المدينة وإثبات وجود بديل مؤهل في المناطق المحررة، وهذا ما استطاع “جيش الفتح” إثبات قدرة انضباطية عالية فيه حتى الآن مقارنة بعمليات تحرير المدن السابقة، رغم بعض التجاوزات، ولكن يبقى الرهان معلّقاً حتى ضبط الأمن في المدينة، خاصة بالنسبة للمسيحيين، وعدم اتخاذ مؤسسات المدينة كمقرات للفصائل، ما سيلغي فوراً ميزتها كمدينة ذات مؤسسات، ولا يبدو أن لدى الفصائل قدرة مالية أو إدارية على تحمل هذا العبء دون وجود هيئات مدنية ومحلية توكل إليها مهمة إدارة المدينة (وهذا ما أعلنت عنه حركة أحرار الشام في الدعوة لإدارة مدنية بحماية عسكرية للمدينة)، وهو ما يمكن أن يجنّب المدينة صراعات النفوذ والأيديولوجيا بين الفصائل العسكرية، إضافة إلى أنه يتيح للفصائل العسكرية التفرغ لاستكمال هذا الإنجاز العسكري المهدد، هذا ما يجعلنا نتوقع أن رفض عرض الحكومة المؤقتة ليس أمراً محسوماً بعد.
خلاصة:
لا شك أن السيطرة على مدينة إدلب تمثل انتصاراً معنويّاً مهمّاً للثوار السوريين، وتقدير نتائج هذا الإنجاز عسكريا وسياسيا، يضعنا أمام تحديات عسكرية لا بد من حسمها لاستكمال هذا الإنجاز، أولاً بتأمين هذا القلب من القطع العسكرية المحيطة به (المسطومة ومعمل القرميد) وثانياً بالعمل على محور (جسر الشغور – أريحا) الذي يهدد جبهة إدلب باستمرار ويحمي النظام في الساحل، والعمل ضمن خطة استراتيجية عسكرية للشمال السوري تقطع طرق إمداد النظام بين حلب وحماة والساحل وتحقق اتصالاً جغرافيا مؤمّناً بين مناطق سيطرة الثوار.
أما سياسياً، فرغم إمكانات الاستفادة الكبيرة من هذا الحدث مع التغيرات الإقليمية، إلا أن عدم وجود جسد سياسي وعسكري متفق عليه يمثل الثورة السورية، وعدم إجماع الفصائل المشاركة على تقديم نفسها كممثل عن الثورة السورية، وانتشار صور “سوداء” عن السلطة المسيطرة في المدينة، يحرم الثوار السوريين -وهذه الفصائل نفسها- من الاستفادة السياسية الكاملة من الحدث، عدا عن أن الإعلان عن “جيش الفتح” له عواقب سلبية على الفصائل المشاركة قد لا تكون ظهرت الآن بعد.
ويبقى العبء المدني، سواء بإدارة المدينة، أو إغاثة النازحين الذين يعدّون بعشرات الآلاف منها، هو الرهان الأصعب بالنسبة للفصائل العسكرية إن لم تقم بالأمر هيئة مدنية محلية تمنع تحويل المدينة إلى ساحة صراع على النفوذ والأيديولوجيا بين الفصائل، وتوفر على الفصائل احتمال الفشل في الإدارة المدنية الذي تكرر من قبل في أماكن أخرى.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع