نبيل العتوم
تصدير المادة
المشاهدات : 3096
شـــــارك المادة
أثار إقدام قوات الأمن الإيرانية على هدم مصلى السُّنة الوحيد في طهران موجات من الاستياء والسخط العام العارم بين المسلمين في العالم الإسلامي، هذا عدا عن حالة الاحتجاج العام داخل إيران والذي يجسد طبيعة وصورة نظام الملالي القائم على التمييز والحقد العنصري المذهبي والطائفي، رغم حرص حكومة إيران على توفير ودعم بناء الكنائس المسيحية والمعابد اليهوديه، والتواصل مع قادة هذه الأقليات الدينية، ومنحها المزيد من الحقوق والحريات، وكفالة التعبد وممارسة الشعائر لها.
حيثيات عملية هدم مصلَّى السُّنة الواقع في منطقة بونك بطهران تُوحي بنوايا نظام الملالي لمزيد من استهداف أهل السنة في إيران، والتي تصل نسبتهم لأكثر من 30% من الشعب الإيراني، حيث هاجمت قوات الأمن الإيرانية وقامت بتفتيشه، كما فتشت منزل إمام المصلَّى مولوي عبيد الله موسى زادة، قبل إقدام البلدية على هدم المصلَّى، دون إخطار مسبق، ودون إبداء الأسباب الموجبة لهذا الإجراء اللاخلاقي واللاديني. مما يعرّي الادعاءات الزائفة التي تدعي إيران من خلالها أنها عاصمة الوحدة والتعايش الإسلامي.
وفي رسالة موجَّهة للمرشد الإيراني الأعلى، انتقد مولوي عبدالحميد إسماعيل زهي منع السُّنة في طهران من امتلاك مسجد خاص بهم، وأضاف: “في ظروف يعج فيها العالم بالأفكار المتطرفة والتكفيرية والتفرقة والعنف، والعالم الإسلامي بأمسّ الحاجة أكثر من أي وقت مضى للهدوء وسعة الصدر، لم يكن يتوقع السُّنة في إيران هدم المصلَّى الوحيد لهم في طهران. وخطوة كهذه تفتح مجالاً لأعداء الإسلام ودعاة العنف والتطرف؛ كي يبثوا الفُرقة بين المسلمين، وينشروا روح اليأس بين أطياف السُّنة.
هذه الواقعة هي تكرار لسياسات النظام الإيراني السابقة، ففي العام 2013 قامت السلطات الإيرانية بهدم مسجد (فيض) الخاص بأهل السنة في مدينة مشهد عاصمة خراسان، فقامت السلطات بالهجوم المسلح وإراقة دماء المصلين.
وهنا لا بد لنا من التذكير بحادثة مسجد فيض، والحيثيات التي تمت سابقا حتى نستطيع بناء تصور حول ما تقوم به إيران من إستهداف ممنهج لإستهداف أهل السنة. فقبل هدم هذا المسجد اقترحت المخابرات الإيرانية مبلغاً من المال يأخذه أهل السنة بدلاً من المسجد كأنه محل تجاري، ولكن علماء أهل السنة أفتوا بأن تبديل المسجد أو بيعه غير جائز، فقامت المخابرات الإيرانية بمصادرة تلك الفتوى، بدعم وتوجيه من المسؤولين الإيرانيين، اقترحوا بعدها أن يعطوا لهم أرضاً في أطراف مدينة مشهد، أي بعيداً عن مركز المدينة، والتجمعات السكانية، ولم يلق أيضاً ذلك العرض قبولاً من هيئة أمناء المسجد، ومن علماء بلوشستان وخراسان وغيرهم من أهل السنة، وعلى إثرها استصدرت المخابرات فتاوى من بعض مراجع التقليد الشيعة في إيران، حيث أفتى أولئك بإعدام العلماء السنة بتهمة السلفية الوهابية، وتم إعدام واغتيال الكثير منهم بشكل متواصل.
ولابد من التذكير أن هذه الحادثة كانت في ليلة الاثنين 19 شعبان 1414 هـ الموافق لذكرى وصول الخميني إلى إيران، حيث تحتفل دولة الملالي بتلك المناسبة الاحتفالات، وتسمى في إيران عشرة فجر الثورة، وفي هذه الليلة حاصرت المخابرات الإيرانية مدعومة بقوات من الحرس الثوري مسجد فيض لأهل السنة، وبشكل يوحي بالصورة الدموية والعنيفة لهذا النظام، ثم استقدمت 17 جرافة كبيرة، حيث بدأت هذه الجرافات في العمل من خارج المسجد طوال الليل في هدم الجدران والأبواب باتجاه الداخل دون أن يفرغ المسجد من المصاحف والكتب الدينية الموجودة فيه، واقتيد إلى السجن كل من كان في المسجد، هذا عدا عمن استشهد تحت الجرافات، وجمعت أشلائه من تحت الأنقاض فيما بعد.
في تقديرنا أن إستمرار دولة الملالي اليوم باستهداف مُصلى السنة في طهران، يعود إلى عدد من الأسباب الخاصة بمتغيرات البيئة الداخلية والخارجية ”الإقليمية والدولية” لإيران، والتي نجملها بما يلي:
الأسباب الخاصة بالبيئة الخارجية لإيران:
حاجة إيران للاهتمام بالداخل الإيراني مرحلياً وبشكل مؤقت، بعد تقلص حدة الحرب التهديدات الخارجية القادمة من الدول العظمى نتيجة توصلها للاتفاق النووي مع مجموعة خمسة زائد واحد. وتعريف الإهتمام الإيراني هذه المرة يندرج في إطار إستهداف السنة في إيران، ومحاولة تقليص وجودهم، ودفعهم إلى هجر ممارسة الشعائر الدينية، تمهيداً لطمس المذهب السني وأهله. إدعاء إيران أنها ُتُمثل رأس الحربة في مجال مكافحة الإرهاب ”السني”، ورعاية الغرب؛ خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية لهذا التوجه، وأن تكون طهران إحدى أدوات القوى العظمى لخوض حرب الوكالة نيابة عن الغرب.
لهذا تُحاول أن ُتثبت للغرب أنها معنية بمكافحة الخطر السني الداخلي من خلال استهداف مصلى أهل السنة، وأنها قادرة للضرب بيد من حديد على الأماكن التعبدية الخاصة بهم، وبالتالي هي مهيئة للقيام بالدور الذي أتفق عليه مع الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي محاولة الحكومة الإيرانية أنها مستهدفة -كما الغرب- من الارهاب السني الداخلي والخارجي.
مُحاولة إيران تأجيج الوضع المذهبي والطائفي الإقليمي، خصوصاً لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث أن إستهداف مصلى أهل السنة في إيران سيدفع التيارات الإسلامية السنية للقيام بعمليات انتقام ضد حسينيات أهل الشيعة في الخليج والعراق، مما سيحقق لإيران عدة أهداف:
أولها: إشغال حكومات الخليج، خصوصاً السعودية بشؤنها الداخلية بعد النجاحات الميدانية التي حققتها من خلال مدخل الأزمة اليمنية، والأزمة السورية.
ثانيها: حاجة إيران لافتعال فتن إقليمية مذهبية على طول الإقليم، حتى تريد طهران أن تُثبت للغرب أن الإرهاب والتطرف والعنف هو الوليد الشرعي للمذهب السني ، وأن إيران الشيعية هي شريكة الغرب المحوري والوحيد لمكافحة الإرهاب، وبالتالي هي المخولة –دون غيرها – بحمل راية قيادة الإقليم.
أما الأسباب المتعلقة بالبيئة الخارجية الإيرانية التي ستحققها إيران من خلال استهداف مصلى السنة في طهران، فتتمثل بما يلي:
1- عدم قدرة إيران على تحمل الدور المتعاظم لأهل السنة داخل إيران، خصوصاً بعد وجود تقارير بدأت تخيف مؤسسات ولي الفقيه في إيران، والتي تشير إلى عمليات تحول من المذهب الشيعي إلى السني. 2- حرص أهل السنة والجماعة في إيران على صلاة الجماعة، حيث كانت ولا زالت حشود المصلين الذين كانوا يملؤون المصلى عند أداء الفرائض في كل مناطق أهل السنة، خصوصاً في شهر رمضان، بالمقارنة بعدد المصلين الشيعة، واللذين عادة ما يكونون من عائلات المؤسسات الثورية، والمتقاضين للمعونة والمساعدات من المؤسسات الخيرية التابعة للنظام، الذين لا يعدون صلاة الجمعة فرضاَ عينياً بسبب غيبة الإمام المنتظر بزعمهم الذي هو في تناقص مستمر.
3- وجود مصلى أهل السنة في قلب العاصمة طهران بالقرب من التجمعات السكانية الكبرى وإحاطة هذا المصلى بأهل الشيعة ضعيفي الإيمان بالمعتقدات الشيعية، سيعزز من عملية تحولهم للتسنن. سيما وأن مثل هذه المصليات أصبحت مركزاً لتجمع لأهل السنة، حيث يلتقون بشكل مكثف لأداء الصلاة فيه، ولتداول أمورهم وشئونهم.
كل هذا جعل الدولة تفكر في هدم المصلى، إذ لا ترغب إيران بأن يكون لهؤلاء دوراً لا لتجمعهم وتنظيم دورهم، ولا مصلحة للنظام أيضاً في زيادة عملية التحول للتسنن نتيجة إقبال شيعة إيران على ذلك، هذا عدا أن قدوم قطاعات أهل السنة لمثل هذه المصليات قد يعطي تصوراً حقيقياً حول نسبة السنة الحقيقة من مجموع الشعب الإيراني، في الوقت الذي تتلاعب فيه طهران بهذه النسبة، وتحاول إخفائها عن الرأي العام. 4- خوف النظام الأمني الإيراني أن يكون مصلى أهل السنة في طهران مركزاً لتجنيد الشباب السني الإيراني للقيام بعمليات مسلحة ، ضد مصالح النظام الذي لا يعترفون به أصلاً.
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
المرصد الاستراتيجي
تركي الجاسر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة