مهدي الحموي
تصدير المادة
المشاهدات : 11079
شـــــارك المادة
كان من فضائل آل الأسد أن تم سجني ثلاث مرات في سوريه، وكان منها واحدة لحوالي السنتين كما، تم توقيفي في كل من الأردن والعراق أياماً لنفس الأسباب، كما تم توقيفي ساعات في كندا بشبهة وثائق، لذا تكونت عندي تجربة أحببت نقلها لشباب الثورة السورية واليمنية، ولمن هم على الدرب من الشعوب العربية المستعبدة تحت يد اليهود أو من هم أشد من اليهود علينا.
عندما تعتقل وتقاد إلى فروع التحقيق الأمنية هناك حيث تكون وحدك لأول محنه، هناك حيث مكر المحقق وذكاؤك، وقسوته وصمودك فمن المنتصر؟ إن إخوة نضالك ينتظرون صمودك البطولي، فإن كان التعذيب فهو أجر وشرف لك ولمن بعدك، وإن كان الموت فهو مكتوب وهو نهاية كل حي وهو هنا الشهادة، فإياك أن تساهم فيما يريده النظام من إسقاط رايتنا على الأرض، فكن عند حسن ظنهم أن صمودك في الشارع وتحت التحقيق ضريبة عن من لم يشاركوا من جار وقريب، وكم ستفرح -كما فرحت أنا وغيري بعد زمن-، وكم ستفخر بذالك. (عندما صفعني النقيب/ عارف معاون غازي كنعان -مسؤول المخابرات العسكرية في حمص سابقاً-، قلت في نفسي: هذا هو أول أجر من الله ألقاه تحت يد المخابرات، إنها المعنويات فحافظ عليها في نفسية الثائر، وإنها لأمانة عظيمة أنت تحمل الأسرار فلا تبوح بها، (الآن لن تخاف إلا إذا وضعت أسرارك عند من لا تلزمه، أو لم تحمل معلوماتك من المخبأ للمخبأ). إنهم سيوهموك أنهم يعرفون كل شيء فلا تصدقهم؛ (لأنهم أوسخ من في المجتمع)، بأنهم يعرفون كل شيء؛ (فلا تخفي وألف أم تبكي ولا أمي، وحافظ على كرامتك وتكلم، وشو بتحب تشرب والعشاء -كما قال لي المنحور غازي كنعان-). وأعطاني النقيب بيجامته لأنام بها فرفضتها.. وفي الصباح أحضروا لي كدس كبير من الورق كضغط نفسي، وقال لي النقيب: هل يكفي هذا لما عندك من معلومات؟ اتصل المساعد وقال: بدنا كيبلات للتعذيب، احتياط.. لكن أظن أنه سيتكلم الحقيقة، قال الرائد الطائفي السلطوي: غازي كنعان -مساعد سابقاً- انتبه!! أحرمك الأطفال. -لكني في داخلي كنت أقول والله لو تذبحوني، فاقض ما أنت قاض-. وما هي إلا نصف ساعة وبدأ التعذيب حتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل بالضرب والكهرباء.. لكن أفخر أمام نفسي وضميري وأولادي بأني كنت صامداً-وأنا أقول ذالك ليس تباهياً-. وصمدت فترة لأعرف ما يريدون إلى أن تكونت عندي فكره عن التهمة، ولا تصدق جهاز كشف الكذب.. فلقد رأى صديقي أن من مصلحته في التحقيق أن يقول الصدق وقتها، فلسعه الجهاز إنه شكل من أشكال الخداع، وكذالك وضعوا صوتاً مسجلاً بصوت الشيخ محمود الحامد، وتبين أنه كذب، وأنهم استعملوا جهاز تغيير تردد الصوت، وقد يضعون لك مخبراً في الزنزانة أو يدخل قبلك الزنزانة على أنه سجين، فتبث له حزنك وهمك، فينقله بالكلام أو بالتسجيل كما غرفة العصافير. ليس الضرب من ينتزع المعلومات، فالضرب يعني إصراراً أكبر في نفس المعتقل على مقاومة وكره النظام. لكن التخويف هو الأهم، فقد يضعون لك على باب الزنزانة من يتكلم عن أنك ستعدم غداً أو تعصب عينيك وتربط للعمود للإعدام، والمعلومات مطلوبة للعفو عنك -كان هذا مع المعتقل أيمن حداد، وقد أعادوها مرتين-. وكذالك الإيحاء بقدوم معذبين أو التوصية بإرسال كليبات للتعذيب -كما حصل معي-، لكن المعلومات شيء منفصل عن الألم بقرار داخلي يقرره السجين في نفسه. إن بداية التنازل بالبدء بإعطاء المعلومات سيورطك بتعذيب أكثر، (فحصاد الزيتون بضرب الأغصان سيستمر مادام الزيتون ينزل ويقف الضرب بعد مرات من الضرب الذي ليس معه نزول للثمار، فلماذا لا نصمد بعد الضرب في البداية، وهو أفضل وهو قطع لطريق التعذيب). أما إذا ثبت عليك تقاطع المعلومات كشهود عده بما لا يدع مجالاً للشك فضع المسؤولية والمصدر والصلة باسم متوفى أو شهيد أو مغادر، مثال: اعترف ثلاثة أنهم أخذوا منك المال، فمن أين أتاك؟ هنا تضعها باسم شخص غادر البلد، أو استشهد بدل شخص موجود داخل البلد. أعد التحقيق في ذاكرتك إذا كنت قد أعطيت معلومات كاذبة. اهتم خلال التحقيق برفع معنويات نفسك بالقرآن والشعر والنداءات الخفية -كنت أنا أردد في نفسي خلال التعذيب: والله ولو تذبحوني-. وفي صباح العيد كنت أمشي مشية على وقع نشيد:
أخي أنت حر وراء السدود *** أخي أنت حر بتلك القيود أخي قد رموك بسهم ذليل *** وغدراً رماك ذراع كليل ستبتر يوماً فصبر جميل *** ولم يرم بعد عرين الأسود
بينما كان أحد أطباء الجيش -المتهم بالرشوة واسمه/ غسّان معسعس الشريك الحالي لبشرى الأسد- يبكي أمامي. وكنت لا أسمح لنفسي بالاسترسال في العاطفة. سجل صمودك على جدران الزنازن بالآية أو الشعر أو الوصية، بثرة عظم، أو بحيدة السحاب لبنطالك. إن الصمود والثبات على المعلومات المقدمة سيجبر المحقق على تغيير قناعته كذالك. ماذا لو عرضوا عليك التعاون مع المخابرات فور خروجك؟ الأخ الشهيد مأمون كاخي رفض وأعدم وقال لي: إنه إعطاء الدنية. أما أنا فقد وافقت مع غازي كنعان ثم لم أتواصل معه. ماذا لو كان هناك عنصر أبدى تعاطفه معك واستعداده للخدمة؟ لا تعطيه سرك، ولكن لا مانع من تقديم خدمات شخصيه لك، وممكن إرسال رسالة بما سألوك، وما ذا أجبت -دون الإشارة إلى ماذا تكتمت عليه-، على أن ترسل لأهلك فقط ومن ثم فإن أهلك سيعطونها لرفاقك تلقائياً. إن المعلومات لا نعطيها في التعذيب، فلا نعطيها بالرخاء خارج السجن من أجل المباهاة أو الثرثرة. لغة الزنازن: في ضربات ثقيلة وخفيفة لا يسمعها السجان يمكنك التكلم مع جارك. كيف؟ كان الإخوة معنا في سجن المزه عام 1978م مثقفين في غالبيتهم، لذا اخترعوا لغة الضرب على الجدران. إن مجموعات الأحرف: (أبجد هوّز حطي كلم قرشت سعفص سخذ ضغظ)، ويكون عدد الضربات بالقبضة يرمز للمجموعة، والنقر بالإصبع المغلقة يرمز تكراره لرقم الحرف في المجموعة. مثال: كلمة (لا)، تكون أربع ضربات بالقبضة، ثم ضربتين بالإصبع، ثم ضربة واحده بالقبضة، وضربه واحده بالإصبع. كيف تقضي وقتك في السجن أو الزنزانة: اخرج للتنفس كلما أمكنك ذلك، واعمل الرياضة اليومية مره أو مرتين، اقرأ مما تحفظه من كتابك المقدس، أو احفظ مجدداً منه من خلال القراءة أو بالتلقين من صديق آخر، اقرأ أدعيه مأثورة مرتان عند الفجر وعند الغروب، تعلم اللغة العربية والإنكليزية ممن يمكنه ذلك. الخط الأساسي في التعامل مع المحقق: اتبع الشهيد حسن عصفور أسلوب: هذا كل ما عندي ولزم الصمت، وقتل بالسحل ولم يتكلم بحرف. اتبع الشيخ مروان حديد أسلوب: الضرب بالضرب حتى يغمى عليه، وعندما دعي للتحقيق خلال وجوده في الزنزانة من قبل مكتب الأمن القومي الذي يرأسه حافظ الأسد قال لهم: من يريد الآخر هو الذي يأتي إليه، وعذب في ذلك كثيراً. وكذلك جاري في السجن الشيخ/ عرفان المدني بنفس العزّة، عندما قال له العميد علي المدني: أنت هنا ولا تعرف ماذا تفعل زوجتك بسبب اعتقالك؟ أجاب: أن أعرف زوجتي، لكن عليك أنت أن تعلم ماذا تفعل زوجتك يا مسكين. وكان بعزته وكرامته يغيظ الجلادين حتى رموه من سطح سجن تدمر للأرض فاستشهد، وكان مسعف سلامه يصرخ: يا كلاب، رغم تعذيبه بالضرب وتعليقه من رسغيه، ثم كسر الرجل تلو الأخرى وهو يصيح: يا.. يا كلاب. أما أنا؛ فكنت أصرخ بصوت عالي جداً خلال التعذيب، وأتظاهر بأنني غير معني بأحد، وهمي كان فقط بأن لا تؤخذ مني المعلومات. واليوم أثمرت دماء وصيحات ونداءات الشهداء والمعتقلين، وقام الشعب السوري في كل مكان، فما أجمل من ذلك إلا النصر القريب -بعون الله-. إن الشعب السوري يدفع ضريبة الصمت لعشرات السنين، فلنصمد ولا نتنازل للعدو الطائفي السارق القاتل الخائن حتى ننتصر. فإن كان النصر فالشرف للصمود، وإن كان الشهادة فهي أفضل نهاية لحياة لا بدّ أن تنتهي؛ وسيعلم اللذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
أبو عبد الله عثمان
الدعم التقني للثورة السورية
جديع دواره
عبد الرحمن عبارة - عبيدة فارس
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة