هاني بن عبد الله آل ملحم
تصدير المادة
المشاهدات : 3465
شـــــارك المادة
إنْ كان لا يوجد شرٌّ محض من جميع الوجوه، وأنّ الخير والشرّ أمران اعتباريّان كما عبّر به العلماء والحكماء، فإنّ محنة سوريا وشعبها الذي يدفع فاتورة الظّلم الاستبداديّ من جهة، والمطامع البراجماتيّة من جميع وجوهها من جهة أخرى جعل المتأمّل والمستقرئ للواقع الضّبابي يستوقف كثيرًا مفكّرًا في المنح والولادة الجديدة التي تخرج من رحم العدالة، وما الوَقَفات الإنسانيّة من العالم/ والتي تضافرت الجهود لها على جميع الأصعدة ما هي في الحقيقة إلاّ ولادة لغربلة عالميّة لربيعنا الجديد.
إنّ ما خلّفته همجيّة الحكم بسوريا على أحرارها لا تستطيع مقالتي ذكر عدد محدّد لضحاياها، ولو أنّها تجاوزت (6000 و400) من الأطفال، فهذا العدد الوحشيّ هز ضمائر الإنسانيّة، وأثبت أنّ المشترك الإنسانيّ بجميع قنواته الإعلاميّة والصحفيّة والمؤسّسيّة يجب أن يحمل رسالة، ولا يمرّ مرّ الرّياح، وأن يُصاغ في صالح الأهداف النبيلة والمصالح المشتركة التي تخدم وتنقذ الإنسان؛ فانتفاضة الشّارع الإسلاميّ والعربيّ والإنسانيّ واستنكاره وشجبه برسائل واضحة بعيدة عن التحيّز العنصريّ أو المذهبيّ الطّائفيّ وبعيدًا عن الصّراخ والهيجان العاطفيّ، وإيقاظ العقل والحسّ الذي أصابه الهزال والوهن، وتفاعله مع الحدث بكل زواياه وأبعاده هي منحة، خاصّة وأنّ العدوّ تكشّف، فأصبح كتابًا مفتوحًا يقرؤه الجميع، ويفضحه السيّد تويتر. فما يمرّ على شعب سوريا الرافض للظّلم من محن ففي ثناياه المنح -بإذن الله-..... ولو لم تظهر في سماء الأفق القريب، فسياسة التّدمير والتّخريب والتّخويف والقتل هي انتصارات في الحقيقة، انتصار لقيم العدل والعدالة، وانتصار آخر للصفّ الدّاخليّ؛ فالوحدة العربيّة والإنسانيّة التي تريد إيران وأذنابها أن تتزلزل هي انتصار، وهي فرصة لمراجعة زوايا الضّعف للانطلاق بقوّة لو أخذتها الجامعة العربيّة تحديدًا بعين الجديّة، ولو أنّ شعري قال: في كلّ صِقع تُستباحُ ديارُنا *** ويُداس طهر والعدالةُ تُظلمُ فالمنح الإلهيّة التي قصّها القرآن في آياته ودستوره لمن سبقوا تكشف منحًا عظمى. فقول الملك الحقّ: {وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}. لفتة قرآنيّة إلى سنّة الله الحادثة في المكذّبين ليقول لأهل الحقّ والعدل إنّ انتصار الباطل والظّلم ليس هو السنّة الثّابتة إنما هو حادث عابر وراءه حكمة خاصّة، وفي المقابل هي دعوة للصّبر والاستعلاء بالإيمان؛ فإن يكن في إصابتهم جراح وآلام فقد أُصيب المشركون بمثلها في المعركة ذاتها، وإنّما هنا حكمة وراء ما وقع يكشف لهم عنها، وهي من أهم الحكم، وهي تمييز الصّفوف وتمحيص القلوب واتّخاذ الشّهداء الذين يموتون دون عقيدتهم ومبادئهم، ووقف المسلمون أمام الموت وجهًا لوجه وقد كانوا يتمنونه لماذا؟ ليزنوا وعودهم وأمانيهم بميزان واقعيّ، وليراجعوا قلوبهم وصبرهم على الشّدائد. لذا فغزوة أحد نصر لا هزيمة -وإن قُتل فيها من قُتل-، وهي في الواقع زاد ورصيد لتتعرّف الأمّة على مواضع ضعفها ونقصها ومداخل شهواتها لتحاول أن تصلح وضعها، وتغربل أوراقها من جديد، وفي المقابل لفتة للنّظر في عاقبة المكذّبين والمندسّين وسرّاق النّور على مدار التّاريخ ومداولة الأيّام بين النّاس، وبعبارة أخرى كما في لغة العصر: غربلة المجتمع، وهي أعظم منحة، وذلك لتربيته وتهيئته لما يأتي لها من مصائب. كما إن من أعظم المنح الخفيّة هي أن يتربّى المجتمع والأمّة على أن يكون مصدر تلقّيها هو شرع الله الذي هو من أخصّ خصائص العبوديّة لا من الغرب، ومن مصادر قوّتها لا من الرّعب، متمحورة حول شعبها بالحبّ، حامية نفسَها وشعبَها أن يتسرّب إليه اليأس والوهن والضّعف بسبب محنة أو ابتلاء. كيف يكون ذلك وقد تعرّف كلٌّ على أخطائه، ومحّصت القلوب والسّرائر، وكان الذي حصل من المصائب والحزن تسلية وتقوية لقلوب المخلصين والوطنيّين منهم، وبانت بوضوح قبائح أعدائهم! أليست هذه منحًا لا محنًا وولادة جديدة؟
المصدر: الإِسلام اليوم
أسرة التحرير
عمر الخالدي
ميمونة جنيدات
محمد مصطفى عبد الرزاق
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة