..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

خذلان لا يضر

عبد العظيم عرنوس

٢٣ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 8334

خذلان لا يضر
14.jpeg

شـــــارك المادة

بُشراكم يا أهل الشام، باصطفاء الله واختياره لكم.. هذا الاصطفاء والاختيار نعمة من الله ومنّة تستوجب مزيد الشكر لله، كم حباكم الله من خيراتٍ ونعم، وكم حدّث النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته عن فضلكم وبركة دياركم، فطوبى لكم. ثم طوبى لكم بهذه الخيرات والبشارات والبركات والاختيار.


إنه فضل الله ينشره عليكم، الفضل الذي يهون في جنبه ما تلاقون من أذى لا يضركم، وخذلانٍ لا يصيب منكم. روى البخاري عن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يزال من أمتي أمّةُ قائمة بأمر الله، لا يضُرُهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك))، قال معاذ: "وهم بالشام". وفي تاريخ البخاري مرفوعاً قال: ((وهم بدمشق)).
هذا الحديث الشريف معجزة ظاهرة من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، وعلمٌ من أعلام النبوّة، نرى آثاره الظاهرة، ونوره المبين في واقعنا المعاصر، حيث تخلّى القريب والبعيد عن نصرة أهل الشام الذين ملأت أخبار نكبتهم الهائلة أرجاء المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، وتعرضوا للخذلان وترك المعونة والنصرة من المجتمع الدولي بأسره رغم شدة وطأة الحدث، وكثرة الدم المهراق، وصنوف أنواع الأذى بالدين والأنفس، وهتك الأعراض والاعتداء على الحرمات وتدمير المساجد، وهدم الأحياء السكنيّة؛ حتى وصلت حدّة الجريمة إلى ذبح النساء والشيوخ والأطفال، وإحراق الناس وهم أحياء.. كلّ هذا يحصل والعالم كأنّه أصمّ لا يسمع، أعمى لا يرى، أخرس لا يتكلّم. ولكن مع كل هذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشر ويفتح نافذة الأمل ويُقرر تقريراً جازماً بأنّ هذا الخذلان لا يضرّ، إنما هو الأذى، كما قال الله في سورة عمران: {لن يضروكم إلا أذى..}. قال سيّد قطب –رحمه الله-: "فلن يكون ضرراً عميقاً ولا أصيلاً يتناول أصل الدعوة، ولن يؤثر في كينونة الجماعة المسلمة، ولن يجليها من الأرض. إنما هو الأذى العارض في الصدام، والألم الذاهب مع الأيام..".
فتكفّل الله بإبعاد الضرر وآثاره، أما الضرر فهو أذى يؤلم وقت وقوعه، وتعقبه آثارٌ بعد ذلك، فالضرر الحاصل إذن لا يكون إلا أذى تتأذون به لا ضرراً يكون فيه غلبة واستئصال..
وفي هذا الحديث يطمئن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- أهل الشام أن سفاح الشام وشبيحته وبطانته المنافقة لن يضروهم إلا أذى، وهذا أقصى ما يستطيعونه، وسرعان ما يزول أثر الأذى، أما أن يستطيعوا الإضرار بكم فلا ثم لا.
وصدق هذه النبوءة ماثلةٌ للعيان، فمعظم العالم يتآمر على الثورة، والثوار ماضون نحو هدفهم الواضح برؤيةٍ ثاقبةٍ وإيمانٍ عميق لا يتزحزح رغم العقبات والمعوقات والأذى الذي لا يضرّهم.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله تعالى -: "ويشهد له الواقع، وحال أهل الشام، وأهل بيت المقدس من أزمنة طويلة لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر بعد شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه في القرن السابع وأول الثامن، فإنهم في زمانهم على الحق، يدعون إليه، ويناظرون عليه، ويجاهدون فيه، وقد يجيء من أمثالهم بعد بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق، والتمسك بالسنة، والله على كل شيء قدير..".
أقول: وها نحن نرى أمثالهم في هذه الثلة المباركة التي أُخرجت على قدر تحقق نبوءة النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ كما يقول النووي - رحمه الله -: "هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله - تعالى - من زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن، ولا يزال حتى يأتي أمر الله".
قال التوربشتي: "الأمة القائمة بأمر الله وإن اختلف فيها فإن المعتد به من الأقاويل أنها الفئة المرابطة بثغور الشام نضر الله بهم وجه الإسلام".
وقال الحرالي: "ففي طيه إشعار بما وقع وهو واقع وسيقع من قتال طائفة الحق لطائفة البغي".
وقال عبد العزيز الراجحي: "هذه بشارة للمؤمنين، وأن الحق لا يضيع، ولا تزال طائفة على الحق منصورة وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق".
فامضوا يا إخوتنا ويا أهلنا في بلاد الشام في ثورتكم على بركة الله، فثورتكم ثورة الحق على الباطل والطاغوت، ثورة النور على الظلام، ثورة الحرية على العبودية.. فأنتم منصورون منصورون، ولا تستهوينكم شياطين الإنس والجن، فخذلانهم لا يضركم ولن يضركم.. هكذا أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- الصادق الأمين وبشر.. وإنها لبشارة وأي بشارة.

المصدر: رابطة العلماء السوريين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع