علي حسين باكير
تصدير المادة
المشاهدات : 3017
شـــــارك المادة
يستطيع المتابع لما تنشره الصحافة العربية مؤخراً أن يلاحظ تزايداً في عدد المقالات التي تنشر عن إيران، والتي وصلت ربما إلى مستوى قياسي لم تكن قد وصلته من قبل على الإطلاق.
بعض المقالات التي كتبت من قبل باحثين أو محللين تشير إلى أنّ هذا الوضع استثنائي وأنّ التوسّع الإيراني غير المسبوق في العالم العربي هو بحد ذاته بداية نهاية هذا الانتشار على اعتبار أنّه يضغط على موارد إيران الذاتية ويؤدي إلى استنزافها ولا يخدم في المحصلة النهائية الاستراتيجية الكبرى لنظام الملالي.
هذا التشخيص أو التحليل وإن حمل معه بعض الصحّة، إلا أنّه "ليس دقيقاً كفاية"، كما أنّ بعض الدول العربية تحاول أيضاً الاستفادة منه في تبرير حالة التقاعس والاسترخاء التي تمر بها على اعتبار أن إيران ستخسر في النهاية في جميع الأحوال وأنّه ليس هناك من داعٍ لفعل شيء طالما أنّ الأمر كذلك.
إيران ليست في حالة استنزاف في العالم العربي. نعم هناك تكاليف تدفعها طهران نتيجة هذا التمدد، وهناك خسائر أيضاً تتحملها، ولكن هذا أمر طبيعي لأي دولة تريد فرض هيمنتها وسيطرتها وتعمل على توسيع نطاق حدودها واحتلال الدول الأخرى.
المراد قوله هنا هو أنّ هذا الطرح شيء، والاستنزاف الذي يتطلب وجود سياسة ووجود من يقود هذه السياسة الاستنزافية ويوجهها ضد إيران شيء آخر تماماً.
الذين يقولون إن إيران هي في حالة استنزاف في العالم العربي، يشيرون في الغالب إلى أنّ من مظاهر هذا الاستنزاف الإنفاق المالي الكبير، والاستدراج العسكري الأكبر، والتمدد الذي يفوق قدرات إيران على التحمل، وإنّ هذا ينعكس بالضرورة بشكل سلبي على الوضع الداخلي في إيران ولا يؤدي في النهاية إلى خدمة المصلحة الإيرانية.
الحقيقة أنّ التكاليف المالية التي تدفعها إيران والتي أدّت في المحصّلة إلى هذا التوسّع تكاد تكون تافهة مقارنة بقدرات إيران المالية أو مقارنة بالنتائج المحققة أو حتى مقارنة بما يدفعه بعض العرب في مجالات عبثية ولا يكون له أي مردود مالي أو سياسي أو عسكري أو حتى معنوي.
الميليشيات التي تموّلها إيران لا تتعدى تكاليف دعم الواحدة منها مئات الملايين من الدولارات سنوياً، ومع ذلك فإن العائد الجيو-سياسي والجيو-استراتيجي المتأتي عنها هائل جداً.
انظروا إلى حزب الله في لبنان على سبيل المثال. هذا الحزب هو الحاكم في لبنان منذ 15 سنة على الأقل، ويمكن استخدامه لتوجيه سياسة دولة بأكملها لخدمة مصالح إيران على الصعيد الإقليمي أو الدولي وفي جميع المحافل، ويمكن استخدامه أيضاً لعرقلة سياسة دولة، أو كرافعة للمصالح الإيرانية في المفاوضات الإقليمية والدولية، ويمكن استخدامه للابتزاز، وليس هذا فقط بل يرسل جنوده إلى سوريا والعراق واليمن ومناطق أخرى حول العالم بما يخدم الأجندة الإيرانية.
أمّا في سوريا، فمن الصحيح بمكان القول إنّ إيران دفعت المليارات، لكن محصّلة هذا الدعم المالي والعسكري أنها نجحت في الإبقاء على رجلها هناك حتى الآن، لا بل إنّها استطاعت بناء شبكات من الميليشيات والأحزاب على غرار حزب الله تضمن لها النفوذ هناك لسنوات قادمة حتى مع انهيار نظام الأسد. وبالمناسبة فإن جزءاً كبيراً من تمويل الدعم الذي ذهب إلى الأسد لم يأت من خزائن إيران الرسمية، وإنما من العراق الذي يسيطر عليه نظام الملالي أيضاً.
استطاعت إيران من خلال سيطرتها على العراق الحصول على مليارات الدولارات سواءً عن طريق الصفقات التجارية أو عن طريق استخدام البلد لتبييض الأموال أو لكسر العقوبات الدولية. بعض التقارير ذكرت مؤخراً أنّ بعض الشركات في الجنوب تبيع النفط لصالح إيران، ناهيك عن الأسلحة "الخردة" التي باعتها طهران لبغداد مؤخراً -في خرق واضح لنظام العقوبات الدولية عليها- وتبلغ قيمة هذه الصفقة لوحدها 10 مليار دولار.
ولا بد أنّ نشير هنا إلى أنّ طهران نجحت في الحفاظ على دعمها لـ"حلفائها" إن صح التعبير رغم نظام العقوبات المفروض عليها، فكيف سيكون وضعها إذا أزيلت هذه العقوبات تدريجياً كنتيجة للصفقة النووية المحتملة؟ هل هذا الوضع يشير بأي حال من الأحوال إلى حالة استنزاف؟
أمّا على الصعيد العسكري، فلا شك أنّها تفقد بعض جنرالاتها وجنودها، لكنّ العماد الأكبر لجيشها الخارجي الجرار المكون من عشرات الميلشيات الطائفية هو من أبناء هذه البلدان التي تتواجد فيها الآن، وهؤلاء محسوبون على إيران بقدر ما يخدمون أجندتها وفي اللحظة التي يموتون فيها أو يفنون لن تكون هي قد خسرت شيئاً من رصيدها الذي هو جيشها النظامي أو حرسها الثوري. الذي يتم استنزافه حقيقة هو هذه البلدان العربية التي يتواجد فيها الإيرانيون، إذ تقوم طهران باستنزافهم مالياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً واجتماعياً وتدمر البنية التحتية لما بقي من الدولة هناك بشكل يجعل هذه الدول غير قادرة على النهوض من جديد وبالتالي الاستفادة منها كحزام للدفاع عن الأمن القومي الإيراني و/أو لتحقيق أجندة التوسّع الإيرانية في المنطقة.
وعليه، فحتى لو افترضنا جدلاً بأنّ كل الاستثمار الإيراني في مشروعها الإقليمي من لبنان إلى اليمن ذهب أدراج الرياح، يكفيها أن تحافظ على حالة الشلل أو التعطيل أو الدمار في هذه البلدان، لكي تقول إنها ربحت، لأن هذا يخدم في النهاية أجندتها التفتيتية والتوسعية في المنطقة، خاصة أنها الأقدر على إدارة مصالحها في أجواء الفوضى الإقليمية نظراً للأدوات غير التقليدية التي تمتلكها وتخولها تحقيق ذلك.
من يعتبر أنّ إيران هي في حالة استنزاف في العالم العربي عليه أن يعي أنّ الاستنزاف ليس حالة عشوائية تحصل من ذاتها بذاتها لذاتها، وإنما هي استراتيجية عسكرية وسياسة مدروسة وموجهة وتتطلب ممن يخوضها أن يكون في حالة حرب. لا يعني ذلك أنّه يجب أن يعلن أنّه في حالة حرب مع إيران، ولكن من الممكن اتخاذ خطوات تدل على هذا التوجه من دون إعلان.
والحقيقة أنّه ليس هناك ما يشير إلى أنّ أي من الدول العربية تعتبر نفسها في حالة حرب مع إيران. لقد تم الإعلان عن حروب كثيرة مؤخراً، الحرب على الثورات العربية، الحرب على الأخوان، الحرب على تركيا، الحرب على الجماعات المسلحة "داعش والقاعدة"، حرب الدول العربية على بعضها بعضاً، لكن ليس هناك من بين هذه الحروب حرب على إيران.
أضف إلى ذلك أنّ الاستنزاف يعتمد على الهجوم وليس على الدفاع، وهو في غالب الأحيان هجوم دفاعي. صحيح أن إيران في حالة هجوم مثالية في العالم العربي لتطبيق حرب استنزاف ضدها، لكن ليس هناك هجوم دفاعي ضدّها آو ضد قواتها، وفي حال وجدت فهي عشوائية وغير منظمة وليس بناءً على سياسة وليس هناك من يوجه هذا الجهد آو هذه السياسة ضدها، وإنما هي مجرد رد فعل من بعض الجماعات المسلّحة غير التابعة لأي أحد.
الدول العربية ومعها دول إقليمية أخرى كتركيا هي في حالة دفاع سلبي منذ سنوات في المنطقة، هذا الوضع قد يصعّب من مهمة الخصم المهاجم من تسجيل الأهداف، لكنّه لا يخوّل هذه الدول تسجيل أي هدف على الإطلاق، ولذلك فإن اللاعب الإيراني يستمر في تسجيل النقاط والأهداف في مرمى العرب والأتراك منذ سنوات.
الفكرة الأساسية من سياسة الاستنزاف هي أن يتمّ جعل تكاليف الخصم أعلى من قدرته على الاحتمال، وأن يتم توسيع المعارك ضده في ساحات مختلفة لينزف عسكرياً، سياسياً، اقتصادياً، أمنياً، وعندها فقط يتراجع وينهار مخططه.
إذا كانت هذه الدول غير مستعدة أو غير قادرة أو لا تريد مواجهة مباشرة مع إيران لوضع حد لها ولمخططها، فما عليها إلا أنّ تتّبع سياسة استنزاف مدروسة ضد إيران، وما عدا ذلك هو كلام لا قيمة له.
بعضهم قد يسأل، وهل من الممكن لطرف ما أن يستنزف نفسه؟
بمعنى آخر هل ممكن لإيران أن تستنزف نفسها بنفسها؟ نعم هذا ممكن عبر اتخاذ قرارات خاطئة ينجم عنها كوارث تضعفها وترفع تكاليفها، لكنّ الجلوس والمشاهدة والانتظار إلى أن يتم ذلك، كمن ينتظر أن يربح في السحب دون أن يشتري البطاقة!، ناهيك عن أنّها مسألة لا يمكن التحكم بها وتوجيه مسارها والاستفادة من نتائجها طالما أنّها ليست سياسة موجّهة ضد إيران، وقد تأخذ وقتاً طويلاً وستؤدي في جميع الأحوال إلى استنزاف العرب قبل غيرهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً كما يحصل الآن.
السورية نت
أحمد بن فارس السلوم
مصطفى يوسف اللداوي
ياسر الزعاترة
أحمد أبو الخير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة