..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

رؤية شرعية واقعية حول "الدعم غير المشروط"

أبو محمد الصادق

١٠ يونيو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4737

رؤية شرعية واقعية حول
098.jpg

شـــــارك المادة

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين و على آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فقد كثر الكلام عن مسألة الدعم وتناولها أصناف متعددة من الناس فمنهم الناصح المشفق ومنهم مسيء الظن بإخوانه ومنهم متتبع للعورات فرح بالزلات، مما دفعني إلى الحديث عن هذه المسألة تبادلاً للنصح مع أهله وسداً لأبواب الفتنة مع مبتغيها وعلى الله الاتكال وهو الأعلم بالحال. فأقول مستعينا بالله:
تطلق عبارة (الدعم غير المشروط) في زماننا على دعم لم يقترن بإملاءات ولا يفهم منه انتفاء تقاطع المصالح بين الداعم والمدعوم، إذ لابد لمن ولي أمر المسلمين أن يتقن فقه تقاطع المصالح المشروعة في السياسة والعسكرة وغيرهما والتفريق بينها وبين الولاء والعمالة الممنوعة.
فإن ترك المباح والمتاح عند الحاجة والاضطرار تعلقاً بالظنون والأوهام مزلة للأقدام ومضلة للأفهام وعليه دلت الأصول والنصوص والآثار، لايخفى على طلاب العلم أن مسألة الاستعانة المنثورة في كتب الفقه مسألة خلافية معتبرة لايصح فيها التهويل أو التقزيم.
إذ أنّ مقام المسائل الخلافية المعتبرة مقام تقليد أو نظر وترجيح واختيار لاتشهي فيها ولا إنكار ولا إجبار، فقد أجازها أبو حنيفة وأصحابه والشافعي للحاجة وبشروط وهي رواية في مذهب أحمد اختارها ابن القيم.
وحاصل الشروط عند من أباحها للحاجة تحقق النفع وأمن الغدر وأن يكون الظهور للمسلمين لا للمشركين بعد الغلبة على عدوهم، وذهب المالكية وهو المعتمد في مذهب أحمد إلى منعها وتحريمها إلا للضرورة وهذا اختيار ابن تيمية.
ومعنى الضرورة عند من حرمها، اشتداد الخطر وقلة العدد وخوف الاستئصال وحفظ بيضة أهل الإسلام مع اتفاقهم إذ ذاك مع المبيحين في شروطهم المذكورة أعلاه، فمدار الحظر عند القائلين به مطلقا هو القدرة والاختيار وتيسر ما يغني عنه في زمن التمكين الحقيقي وظهور المسلمين ولا يخفى أن لكل حال أحكامه.
والملاحظ أن الخلاف في مسألة الاستعانة يقل حجمه كلما ابتعدنا عن مباشرة القتال إلى ما دون ذلك مما يعرف في زماننا بالدعم اللوجستي والمعلوماتي، فقد استعان النبي ﷺ بأريقيط للدلالة على طريقه في الهجرة واستعار ﷺ سلاحاً من صفوان بن أمية للقتال، كما أنّ هناك فروقاً أخرى بين الحالتين في زماننا بسبب شدة تعقيد الوضع ومحدودية اغتنام ثغرات المنظومة الدولية وشراسة الحرب على أهل الإسلام، مما يوجب بحث واقع كل بلد بحسب حال المسلمين والدول المحيطة بهم ووجود المنافذ والعمق الاستراتيجي لهم إذ لا يجوز إهمال هذه الأمور في زماننا.
وانظر على سبيل المثال إلى حال إخواننا مسلمي الروهينغا الذين تقطعت بهم السبل وطردتهم الدول وأعرضت عنهم العدالة المزعومة للمؤسسات الدولية، فالسنن الشرعية والكونية كلاهما ينتظم في سلك واحد يعرف ذلك من غاص في غور الشرع وتتبع كافة شرائعه وتلمّس مقاصده.
ولئن كانت دفة القيادة للسنن الشرعية فجسم المركب هو الأسباب الكونية، ومع اعتقادنا أنّ التجارب المعاصرة ليست دليلاً شرعياً على مشروعية تلقي الدعم المشروط أو غيرالمشروط كما حصل مع بعض قادة الجهاد في حرب السوفيت وغيرها، إلا أنها تصلح كمثال على اعتبار أصحابها لتلك الأسباب وتعاملهم معها وفق رؤيتهم الشرعية بناء على حال تلك البلاد علما أنّ بعض ذلك الدعم كان مشروطاً.
ومن المعلوم في أبواب السياسة أنّ تلك الشروط تتأثر بجملة عوامل تتعلق بحال المانح والممنوح وحجم تقاطع المصلحة ووجود بدائل لكل منهما. فصورتها ليست هي الإملاء دوماً بل تخضع لجملة متغيّرات وظروف يخلقها الله عز وجل و يغيّر بها موازين القوى كما يشاء.
والثابت قطعاً أنّ الدعم بأنواعه لم يؤثر على قراراتهم المصيرية ولم يجعلهم خونة أوعملاء بل ازداد خطرهم في عيون الأعداء وقضى أكثرهم بحوادث اغتيال، وإننا نذكر ذلك بعد التأصيل الشرعي للمسألة من باب إلزام المخالف بمرجعيته العلمية أو الحركية مع عظم مكانتهم وليس استعاضة عن النصوص ودلالاتها، فكما أنّ تقاطع المصالح دفع بجيش الملحمة إلى التحالف في قتال عظيم ضد عدو مشترك مع الروم الذين سيغدرون لاحقاً وتكون الملحمة الكبرى معهم، كذلك يكون تقاطع المصالح في كل زمان ومكان مجرداً عن وصف الكافر وعقيدة المسلم لأنها أسباب كونية يخلقها الله عز وجل، وهو الذي يدفع اليوم دولاً إلى دعم الثورة للوقوف في وجه الصفويين مع كونها تقف ضد مصالح الأمة في ملفات وأماكن أخرى، بل قد تدعم جماعات وهي لها كارهة ومنها متوجسة نكاية بنظام بشار ورغبة في إزالته وعندنا من الأمثلة ما لا يحسن نشره.، ومع الاتفاق على وجوب الحذر البالغ من الانجرار إلى فخ العمالة والوكالة للغير بدلاً من تقاطع المصالح ومعرفتنا بصدق وغيرة بعض من يتناول هذا الأمر. لكن ينبغي الاستذكار أنّ الفرق بينهما واضح جلي يظهر على الأرض بأمور واقعة وليس بتخرصات وظنون واتهامات عن بعد.
فكما أنّ السياسة الشرعية لا تسبح في فضاء دون قيود لكنها في الوقت نفسه تمتاز بسرعة ملء أي حيز مباح دون مبالاة بتنطع المتنطعين وهواجس المتهوكين، ومن الملاحظ وجود من تلبس بازدواجية المعايير وخلط في التأصيل وطفف في التنزيل ورمى أخاه بالشبهة، وتردد في اعتبار أهل الشام مضطرين بعد كل ما وقع عليهم من ظلم واضطهاد وقد أباح الشرع أكل الميتتة للمضطر، بل قد أباح الشرع النطق بكلمة الكفر عند الإكراه الملجئ فكيف يكون الدعم غير المشروط محرماً لوقف جرائم أشرس الصائلين على الدين والنفس والعرض، ولسان حال من يحرّم على أهل الشام أخذ الرخصة ويحملهم مالا يطيقون بعد إجرام النصيريين والخوارج: "لا أرضى لكم بغير الاستئصال أو النكوص جملة"
وهب أنّ الدعم لإسقاط النظام النصيري مشروط فكيف يكون حكمه التحريم ابتداء دون مناقشة الشروط وقدرة أهل الشام على رفضها أو تجاهلها، لاسيما وأنّ من الفقهاء من أجاز ضمن شروطه اﻹستعانة بذوات المشركين في القتال وليس فقط اﻹستعانة بأسلحتهم وأموالهم، وما ندين الله به عدم دخول تلقي الدعم في دائرة التحريم ابتداء حتى نقول أنه أبيح اضطراراً وإلا فأين دليل حرمته من غير شرط أو مع شرط لم يخالف الشرع، وأما إن وجدت شروط تخالف الشرع فهي مردودة ابتداء ولكن لا يمكن مواجهتها إلا برؤية موحدة وخطة واضحة، يشارك في وضعها الشرعيون الراسخون والخبراء الثقاة وتتضمن الحلول الشرعية للمقدور عليه والحكم الشرعي في غير المقدور عليه، فليست جميع التكاليف بمنزلة واحدة فمنها ما يباح مطلقا ومنها ما يباح للحاجة ومنها ما يباح للضرورة ومنها ما يباح للإكراه الملجئ ومنها ما لايباح بحال.
ومع الاتفاق على أفضلية استغناء المسلمين بأموالهم وإمكاناتهم عن أي دعم يضعهم تحت سيف الابتزاز والمفاوضة ولزوم السعي إلى ذلك في خطة استراتيجية. إلا أنّ ذلك في كثير من الأحيان أمر نظري مجرد خصوصاً في الظرف الراهن ولئن أمكن تحقيقه في بعض الجوانب فهو متعذر في أخرى ويعرف ذلك أهل الاختصاص.
وههنا تساؤل مشروع:
لماذا لا يتم الرجوع إلى الثقات من أهل الخبرة في مسائل نجزم أن كثيراً من مراجع التنظيمات لايتقنها ويصرح بعضهم بذلك عن نفسه؟! فالجوانب الاستراتيجية من سياسية واقتصادية وإعلامية لشعب مضطهد لن يغطيها خطاب حماسي مجرد عن خطة شاملة تجمع بين الضرورات الشرعية والمعيشية.
وإن أردت مثالاً على ذلك فتفكر في حال أهل الشام إن اكتمل حولهم طوق حصار الدول وأغلقت في وجوههم ما تبقى من منافذ على قلتها كيف سيكون حالهم؟!
وهل يصح أن نعيش سكرة مؤقتة لنصر لم يكتمل ثم نغفل عن مآلات تحاك ضدنا سراً وجهراً لم نمتلك بعد أدوات مجابهتها وأقلها اجتماع كلمتنا على رؤية موحدة، والمأمول أن تكون جميع الفصائل الشامية على قدر تحمل المسؤولية في إنهاء معاناة أهل الشام من أذى الباطنيين والخوارج وهم أهل لذلك بحول الله.
                                                                    والحمد لله ربّ العالمين

 

 

-----------------

حزمة تغريدات للشيخ : أبي محمّد الصّادق
الشرعي العام لحركة أحرار الشام الإسلامية - حفظه الله

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع