ماجد محمد الأنصاري
تصدير المادة
المشاهدات : 6442
شـــــارك المادة
القطع على رقعة الشطرنج السورية تتحرك بسرعة هذه الأيام من قبل جميع الأطراف، الروس يصعدون مع تركيا، تركيا تنبئ بمعركة جديدة على الأرض، التحالف الغربي يدعم الموقف التركي نظرياً بينما لا يحرك ساكناً عملياً، المعارضة تجتمع في الرياض وتتوجه لمفاوضات مباشرة مع النظام، وهكذا، حالة من الفوضى المتصاعدة في المواقف التي تتجه بشكل ما نحو حلحلة الأزمة السورية، أو على الأقل تحديد المواقف بوضوح فيها، ما زال مخرج النفق بعيداً، ولكن في ظل زحمة الأحداث هذه يتوه السؤال الأهم، ماذا بعد انتهاء الحرب؟
سوريا الآن هي عبارة عن 4 ملايين لاجئ خارجها و7 ملايين من المشردين داخلها، مدن مدمرة، بنية تحتية مقطعة الأوصال، وعدد لا حصر له من الميليشيات والكتائب المسلحة، هذه هي صورة سوريا حالياً وبغض النظر عن نتيجة الحوارات السياسية والعمليات العسكرية سيكون على الشعب السوري ونظامه الجديد التعامل مع هذا الواقع من اليوم الأول بعد نهاية الصراع، ليس هناك سيناريو تنتهي معه الأزمة السورية برحيل الأسد ونظامه وإيران وروسيا، فأي سيناريو يحدث سيتضمن بلداً مدمرة بحاجة إلى إعادة تشكيل في كل مناحي الحياة. لا شك أن المؤسسات الدولية في حال انتهت الأزمة ستدخل بثقلها في عمليات إعادة البناء، وستقدم الدول المانحة العربية منها وغيرها دعماً للحكومة الجديدة للتصدي للحرائق التي يكتوي بها السوريون ولكن لا يمكن تخيل أن حكومة ناشئة في ظل الحالة السورية ستكون قادرة على التعامل مع ما سيواجهها من أزمات متتابعة، هذه الحكومة في حقيقة الأمر ستكون مشلولة أمام احتياجات المدن المختلفة ولن تكون محتكرة للسلاح مما يعني أنها ستواجه تحديات أمنية قاسية في الأيام وربما السنوات التالية للحرب في محاولة ضبط الأمن وفرض سلطة القانون، فهل يعني هذا أننا لا نملك إلا أن ننتظر المأساة كتلك التي حلت بأفغانستان بعد انسحاب الروس؟ هناك بعدان أساسيان لمشكلة ما بعد الحرب، البعد الأول أمني سياسي والثاني اجتماعي اقتصادي، البعد الأول يكمن في تعدد الجبهات والمكونات العسكرية الممثلة للثورة السورية والتي لا يتصور أن تتفق جميعاً على الحل المرتقب للأزمة، فلا بد أن ترفض العديد من هذه المكونات تسليم السلاح وربما يعبر البعض منها عن معارضته للحل النهائي عسكرياً، وعليه فإننا نتكلم عن استمرار للحرب الأهلية بإعادة توزيع جديدة للأطراف ليس إلا، تنظيم الدولة الإسلامية على الأقل لن يضع السلاح لصالح أي اتفاق سياسي في سوريا فهو غير معني بالحالة السورية من الأساس، ولذلك فهناك حاجة لأن تبذل القوى السياسية المعنية بالصراع في سوريا جهداً مضاعفاً لاحتواء أكبر قدر ممكن من هذه المكونات ضمن الاتفاق على نظام جديد لحكم سوريا قبل أن تنتهي الأزمة وإلا فإن سيناريو كابل الذي بدأت فيه الحرب الأهلية بعد انسحاب السوفييت بأيام وارد وبقوة، وبعيداً عن المستوى الرسمي بإمكان الجهود الشعبية الخالصة المتمثلة في الرموز الاجتماعية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني أن تنشط في هذه الفترة لتقريب وجهات النظر بين حملة السلاح، خاصة أن هؤلاء من الأسهل أن يتعاملوا مع أطراف النزاع باعتبارهم محايدين ودون أن يكونوا محسوبين على أجندات خارجية أو داخلية، ونتمنى أن تتوافق القوى الاجتماعية السورية على جهاز ينسق فيما بينها ويتولى مصالحة استباقية قبل الخلاف بين الأطراف، على الأقل تلك التي تنتمي إلى الثورة السورية. على المستوى الاجتماعي والاقتصادي هناك احتياجات مباشرة للمدن المنكوبة في سوريا لا بد من التعامل معها بشكل فوري من قبيل إطعام الجائعين وإيواء المشردين وتقديم الخدمات العلاجية لأولئك الذين حرموا منها طويلاً، ولكن هناك أيضاً أعمالا استراتيجية لا بد أن تبدأ من اليوم الأول، أهمها هو شبكة المواصلات والاتصالات وخدمات الكهرباء والماء التي تعاني من ضعف شديد نتيجة الحرب، وجود هذه الخدمات سيمكن الدولة الجديدة من معالجة الأزمات المتتالية وفقدانها سيتسبب في شلل كامل لجهود إعادة الإعمار وتنظيم الدوائر الحكومية، وعلى المستوى الثاني هناك التعليم والخدمات الرسمية التي ستعود بعد انقطاع طويل بالنسبة لكثير من المواطنين السوريين، واليوم تقوم قوى اجتماعية ومؤسسات مجتمع مدني في المدن السورية المحررة بهذه الأدوار بشكل استثنائي ولك بنتائج مبهرة، بعض هذه المدن على الرغم من انقطاعها عن أي كيان رسمي استمرت في تقديم الخدمات وصيانة الطرق والمنشآت ورعاية المحتاجين والمشردين من خلال مجالس محلية نشأت للتعامل مع الواقع، الخيار الأمثل للقائمين على إعادة الإعمار وتأسيس الدولة الجديدة هو استثمار هذه الكيانات الاجتماعية وعلى المجتمع الدولي توزيع مساعداته بين تلك التي ستذهب للحكومة الجديدة، والتي لا شك ستكون ساحة صراع معطل بين القوى السياسية خاصة في المرحلة الأولى، وبين الأجسام الاجتماعية المحلية التي تقوم حالياً بدور الدولة حتى تصل الدولة إلى مرحلة تمكنها من تقديم خدمات متكاملة. باختصار، الحل لا بد أنه سيمر عبر دهاليز السياسة وفوهات المدافع ولكن المجتمع السوري بمكوناته الثقافية ومؤسساته الاجتماعية لا بد أن يكون حاضراً وإلا ستضيع إنجازات الثورة في عراك سياسي لا ينتهي، مؤسسات المجتمع المدني والقيادات الاجتماعية السورية الآن هي حصان السبق في معادلة إحياء سوريا بعد الحرب، وعلى من سينفق المليارات على إعادة الإعمار أن يمر عبر هذه المؤسسات والجهود الاجتماعية للوصول إلى مجتمع سوري نابض بالحياة ومتعاف بعد سنوات من الحرب المدمرة، هذه الثورة التي بدأها المجتمع بمطالبات اجتماعية لا بد أن تنتهي من حيث بدأت، على أبواب المجتمع السوري.
العرب القطرية
أحمد أبو مطر
أحمد حمزة
وسام الدين العكلة
أنور مالك
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة