أحمد أبازيد
تصدير المادة
المشاهدات : 3399
شـــــارك المادة
تعليق وسائل إعلام غربية على صورة الطفل الحلبي عمران، بأن بيته "تم قصفه"، أو أنها "لا تعرف مصدر القصف" -رغم أن احتكار النظام وحلفه للطيران الحربي ليس مسألة خفية أو تحتاج بحثاً وإثباتاً- هو خطاب سائد في تداول القضية السورية غربياً، ولكن يمكن القول أيضاً إنه أسلوب مكرر في التداول الغربي لقضايا "الآخرين"، حيث الحروب "أهلية" والكل ظالم والحق نسبي، فيما قبل قرار التدخل العسكري طبعاً، حيث يصبح الإعلام كله في خدمة المعركة.
ورغم أن تشريع الحروب الخارجية غربياً يتم ضمن شعارات وأهداف أخلاقية مثل "مبدأ التدخل الإنساني" كما تسميه الأمم المتحدة، أو نشر النموذج النيوليبرالي كما نظّر له المحافظون الجدد، أو "مشروع الحرية" كما حلم به جورج بوش.
الحروب بالنسبة للإعلام الغربي مجرد صراع عنيف بين أطراف كلها متوحش، والجنود لا ينتمون لحروبهم، وإنما هم مجنّدون قسراً أو قدراً في حروب الآخرين فإن فكرة "الثائر الشجاع" و"المقاومة العادلة" و"المناضل لأجل الحقوق" قيمٌ تتراجع عموماً لصالح "الضحايا" و "الشعب" الذين سينقذهم الغرب، والذين يتحكم بوقت ظهورهم مواعيد السياسة لا زمن المأساة، والتعاطف مع الشعب هنا هو مع كائنات "لا سياسية"، مجرد ضحايا يعطف عليهم الإنسان المتحضر، وليس مع قضايا أخلاقية وحقوق سياسية، ويصبح من الضروري أن يظهر الانتصار لقيم الحرية عبر أجساد النساء، وهي الثيمة السطحية والمكررة التي استعملتها شركات الدعاية المتعاقدة مع وحدات حماية الشعب الكردية في منبج.
وخطاب تعزيز الحياد، الذي يستعمله الإعلام الغربي -شبه الرسمي- أمام قضايا الآخرين، يمكن ملاحظته حتى لدى الطرف المعارض (من تيارات اليسار الغربي أو النزعة الإنسانوية أو منظمات المجتمع المدني) بما يخص قضية الحرب عامة، حيث الحروب مجرد صراع عنيف بين أطراف كلها متوحش، والجنود لا ينتمون لحروبهم، وإنما هم مجنّدون قسراً أو قدراً في حروب الآخرين، ويتكرر هذا الخطاب في السينما المعادية للحروب، خاصة بالنسبة للحرب الأمريكية في الفيتنام.
عن الحياد في السينما: حروب الآخرين في فيلم heaven and earth المأخوذ عن سيرة ذاتية لشخصية الفيلم، للمخرج الأمريكي أوليفر ستون، الذي صنع عدة أفلام ضد حرب فيتنام، يمثل تومي لي جونز دور ضابط أمريكي في فيتنام، ولكنه ضابط يظهر الشفقة والتعامل الإنساني مع السكان المحليين، كما ستكتشف "لي لاي" الهاربة من أهلها ومن الثوار الفيتناميين ومن الحكومة وأغنياء المجتمع معاً.
حيث اعتدى عليها الجميع، سجنتها الحكومة واغتصبها الثوار وتبرأ منها أهلها ونفاها المجتمع، ويظهر الضابط كملاك الرحمة المنقذ، ويتزوجها ليأخذها إلى جنة الحلم الأمريكي، حيث ستتفاجأ الفتاة الفيتنامية بالوفرة العادية في الأسواق وبالأمن ونظافة الناس والمدن، قبل أن تعتاد الحياة وتعارض زوجها وأهله، الضابط الذي تزوج الفتاة الفيتنامية ليكفّر عن ذنوبه تلاحقه كوابيس جرائمه في فيتنام، إلى أن ينتحر محترقاً في سيارته.
الثوار الفيتناميون والحكومة العميلة لأمريكا والمجتمع الفيتنامي والجيش الأمريكي هي كلها أطراف تتوزع الجريمة فيما بينها، ولا يوجد بريء في منظومة الخطيئة العامة هذه، والحياد هو البراءة الوحيدة.
في فيلم avery long engagement للمخرج الفرنسي المبدع جان بيير جونيه وبطلة أفلامه أودريه تاتو، حيث التركيز -كعادة سينما جونيه- على غباء الشخصيات المبهج والتفاصيل الصغيرة التي تصنع المعنى والقصة الخاصة بكل فرد، تظهر الحرب كقصة كبرى معادية لهذه القصص الصغرى وصراعاتها الجميلة.
"ماتيلدا" فتاة فرنسية أخذوا حبيبها الشاب للحرب العالمية الأولى، وتبدأ مغامرة معرفة مصيره مع ورود أنباء عن مقتله، تظهر لنا الكاميرا على الجبهة خمسة أشخاص كانوا مجموعة حبيب ماتيلدا، هم جميعاً محكومون عسكرياً لأنهم حاولوا الفرار من الحرب، وجميعاً في حرب لا تعنيهم، ومشغولون بقصصهم الصغرى وذكرياتها.
البطولة الوحيدة التي سنراها في حرب الآخرين هي مشهد انتحار أحد أفراد المجموعة، حين يفقد صبره فيخرج من الخندق أمام الجنود الألمان ويصرخ بهم ليقتلوه إن شاؤوا ولكنه "يريد أن يتبول واقفاً كالرجال"، ويغني للوطن بينما يفعل قبل أن يرديه الرصاص، وهذا المشهد بكوميدياه الحزينة أقصى سخرية ممكنة من الحرب.
في النهاية ستجد ماتيلدا حبيبها جالساً بهدوء وسكينة في حديقة وقد نسي ذاكرته ونسيها وتجلس أمامه مبتسمة، حيث النهاية الممكنة للحرب في تصورات الرفض الرومانسي للحرب هي الانتحار أو النسيان، إنه قتل الذاكرة كانتقام من الحرب.
يمكن ملاحظة موجة النقد العامة لفكرة الحرب والإنسان الوحش الذي تصنعه في معظم الأفلام الأمريكية المشهورة الناقدة لحرب فيتنام، مثل: full metal jacke وthe deer hunter وplatoon.. وهو النقد الذي عبّر عن انتفاضة تيار أخلاقي عريض كردة فعل ضد الحجج الأمريكية المدعاة في حروبها الدموية ضد الشعوب، ولكن نقد منظومة الحرب نفسها، يلغي فكرة الحرب العادلة أو العنف الأخلاقي، ويصبّ في تعزيز الحياد.
بالمقابل ظهرت نماذج سينمائية تتبنى الحرب العادلة عبر المحارب الغربي الذي ينشق عن المنظومة وينضم للسكان المحليين المضطهدين ضد دولته المستعمرة، ولعلّ أشهرها:the last samurai و the blood diamond. ولكن هذا المحارب ينقل التفوق الغربي معه لمعسكر المضطهدين ويكون الغرب سبب انتصار الخير أيضاً. في القضايا الأخلاقية العادلة الواضحة كقضية الثورة السورية ضد نظام الأسد المجرم، فإن هذا الحياد ليس وقوفاً إنسانياً في منتصف نار "الطرفين"، وإنما هو تفويض مفتوح للسفاحين بينما قدّم كلينت إيستوود مقاربة مزدوجة لمعركة جزيرة إيو جيما اليابانبة في الحرب العالمية الثانية، حين نقل رواية المهزومين والمنتصرين، كلّ منها في فيلم مستقل: letters from iwo jima وflags of our fathers.
تغطية الثورة: خارج السينما، وداخل الحرب، وبالتوازي مع الإعلام الغربي، كان جهد المنظمات الدولية في سوريا منصباً على تعزيز قيم الحياد لدى فئة الشباب النشطاء، تحت اسم المجتمع المدني وشعارات التعايش الأهلي، وعبر صدمة الرفاه الجميل في حياة المنظمة، بدءاً من غرس مصطلحات المعارضة المسلحة والشعب الذي يعاني بين "الطرفين" و "بكفي حرب"...الخ، وصولاً للتعايش داخل المنظمات مع محايدين ومؤيدين لنظام الأسد.
لم يستطع الإعلام والسياسة الغربية أن تعلن صراحةً تأييد نظام الأسد، بالنظر إلى فداحة مجازره اليومية المعلنة، فكان البديل هو هيمنة صورة حرب الإرهاب حيناً، واللاجئين حيناً آخر، أو الكلام عن إيصال المساعدات للمناطق المحاصرة، والتي نادراً ما نعرف الشبح الذي يحاصرها.
وعبر سنوات الثورة السورية ببطولاتها وتضحياتها وأهوالها الدموية، جرت بشكل ممنهج ومستمر عملية "تغطية الثورة" لصالح حرب الإرهاب أو قضية الإغاثة أو المأساة المحايدة للضحايا المجردين عن قضاياهم.
ولكن في القضايا الأخلاقية العادلة الواضحة، كقضية الثورة السورية ضد نظام الأسد المجرم، فإن هذا الحياد ليس وقوفاً إنسانياً في منتصف نار "الطرفين"، لقد كان الحياد في سوريا منذ البداية كما هو الآن: تفويض مفتوح للسفاحين.
الجزيرة نت
ميشيل كيلو
محمد صالح المسفر
وائل عبد الرحيم
طارق الحميد
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة