سلوى الوفائي
تصدير المادة
المشاهدات : 6544
شـــــارك المادة
سلامٌ على الأردن، جبلاً وسهلاً، شعباً، وحكومة، وسلامٌ على ملك عربيّ كان أول من قال لبشار الأسد: " لو كنت مكانك لتنحيت". فاجأنا بصراحته، و برؤيته، و أجزلنا له الثناء، وكم تمنينا أن يستجيب طاغية الشام لنصيحته. ودارت الأيام وتفاقم الوضع في سورية الصمود حتى لم يعدْ لأهلها فيها مأوى، فشرّدتهم رحى الحرب بعد أن طحنتهم وقصمت ظهورهم، فما كان منهم إلا أن استجاروا بأخوة لهم، و لاذوا بحماهم. فكان نصيب الأردن حوالي 26 ألف لاجئ سوري أكثرهم نساء وأطفالاً فقدوا المعيل، بين شهيد ومعتقل ومفقود ومجاهد. وليس أصعب على العزيز أن يهان، وليس أصعب على الغنيّ أن يفتقر.
ومن يتابع أخبار اللاجئين السوريين في الأردن يسمع عجباً، وتكاد الأذن لا تصدق ما تسمع. بدأت حيرتنا تتصاعد حين قرأنا أول بيان حكومي صادر في جريدة أردنية رسمية يصرّح أنّ الأردن تعتزم أن تقتطع نسبة 20% من المساعدات الإنسانية الواصلة للاجئين السوريين في الأردن لتردّها على فقراء الأردن، فكان ذلك التصريح بمثابة شرارة أشعلت نار الحزن في قلوبنا، وأجّجت آلاف الأسئلة التي تحار جواباً في عقولنا، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحدّ. فقد كثرت قصص المعاناة التي يعيشها اللاجئون السوريون في الأردن حتى لتكاد تملأ كتباً و مؤلفات. حدّثنا س. ك. أنّه دخل الرمثا هرباً من الموت المحتّم في سورية بعد تعرض بيته للقصف والدمار، وظنّ أنّ الحياة ستكون أفضل في مخيم الرمثا، فألفى السوريين هناك رهائن المحبسين: النزوح والذل، على ما انطوت عليه كلمة ذلّ من معاني. فالناس تكاد لا تجد ما تأكل، وتكاد لا تجد ما تشرب، ناهيك عن الظروف السيئة للمخيم، وانعدام الخدمات المقدّمة لهم، والأغرب أن حكومة الأردن ما تزال تصرّ على نفي وجود حالة النزوح، وما تزال تمنع دخول فرق وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى هذه المخيمات وتستلم معونات هائلة من الوكالة لتستأثر بحق توزيعها على السوريين بنفسها وإدارة شؤونهم بنفسها. تسأل الشاب (س. ك) ماذا قدمت لكم الحكومة الأردنية؟ ليأتيك الردّ " قدّمت لنا كيس نايلون فيه بشكير وفرشاة ومعجون أسنان، وقصّاصة أظافر ومشط" وما زال صديقنا يحتفظ بالكيس للذكرى! بالمقارنة تذكرت حملات الحجّ التي توزع مثل هذه الأكياس على حجاج بيت الله الحرام، مع فارق بسيط أن حملات الحجّ تضيف عليها " كتيب دليل الحاجّ والمعتمر" أمّا الأردن فلم تضفْ "دليل الذليل في بلاد الملك الجليل" . يروي "ل. ب" فصلاً جديداً في رواية "رحلة العذاب للنازحين الأغراب" فيقول : "ظنت المخابرات الأردنية أنّني ناشط سياسي، فلم يوفروا فرصة إلا واستدعوني للتحقيق وكلّفوا فريقاً من المخبرين لرصد تحركاتي ومراقبتي وإزعاجي كلّما حلا لهم التسلّي بأقدراي، وتتزايد حرب الاستفزاز والتجني على السوريين يوماً بعد يوم، حتى وصلت لدرجة احتجاز 62 مواطناً سورياً في مطار الملكة علياء الدولي والتهمة "سوري مع سبق الإصرار والترصد"، وتمّ منعهم من دخول الأردن وتخييرهم بالعودة إلى سورية أو إلى أي ّ بلد يختارونه، وتمضي أيام وهم يفترشون أرض المطار، أحذيتهم مخدة رأسهم، الأرض بساطهم، ورحمة الله غطاء لهم. بينهم شيوخ رُكّع أضناهم التعب، وبينهم أطفال رضّع نفذت حصّتهم المخصصة للسفر من الحليب، وبينهم حرائر تهان بدل أن تصانْ. وتصرّ الحكومة الأردنية على إنكار وجودهم أصلاً. سبق ذلك حالة شاع الحديث عنها، قصة السوري محسن عباس الذي طُرد من الأردن وبقي على الحدود لا يجرأ على دخول سورية ولا يسمح له بدخول الأردن حتى صعّد الإعلام السوري الثوري قصته، ووضعت المخابرات الأردينة تحت الضغط للسماح له بدخول الأردن مرة ثانية، وما يزال إلى الآن يعاني من مراقبة المخبرين الأردينين له، ومنع تحركاته دون بيان الأسباب، ودون ذنب اقترفه. وسبقها قصة 48 سورياً، طردتهم الأردن على الحدود، وأعادتهم رغماً عنهم إلى سورية. يضيق الحصار على السوريين ويمنعوا من الاحتكاك بالأردنيين لاسيّما أطياف المعارضة الأردنية، وكأنّ المخابرات الأردينة تخشى انتقال عدوى البطولة والصمود والفداء والثورة إلى الأردنيين، وما يزال السوريون يتعرضون لكثير من قصص التنكيل والذلّ، ليس آخرها خطبة الأردنيين للفتيات السوريات بلا مهر وبلا تقدير، مقابل لقمة العيش، والأهل تحت وطأة الفاقة والجوع والخوف من المجهول يوافقن على إهداء بناتهن مقابل لقمة العيش، إلى هذا الحدّ من الذلّ وصل السوريون وهم أهل العزّ والكرامة والنخوة والإباء والكرم والضيافة؟ السوريون الذين آووا الفلسطينين والعراقيين واللبنايين بصدر رحب، واقتسموا معهم رغيف الخبز، وآثروهم على أنفسهم، أهذه هي المعاملة التي تليق بهم؟ وقد نزحوا فاريين من القصف والذبح والاغتصاب بعد أن دّمرت بيوتهم وسلبت ممتلكاتهم، وجاؤوا يحملون جرحاهم وجراحاتهم لعلّ أخوة لهم يضمدونها، ويمسحون دموعهم، ويوقفون نزف وريدهم؟ هؤلاء الذين جابهوا الدبابات بصدر أعزل، وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل حقّ الحرية والعدالة والكرامة، فعلّموا العالم أبجدية النضال الثوري السلمي الراقي، أيعقل أن يهربوا من سطوة الرصاص إلى سطوة مسامير تدّق في عمودهم الفقري؟ لقد باتوا على جراحهم يتحسسون مواضع المسامير فينزفون وتنزف معهم العروبة. وليعلم الأردنيون وليعلم العرب وليعلم العالم قاطبة، حين اختار السوري أن يحيا بكرامة فقد حجز تذكرة ذهاب بلا عودة على متن طائرة طائرة الحرية. سيمضي وليس أمامه خيار سوى المضي حتى النصر. لن ينكفئ، حتى لو اضطر لجمع كسرات الخبز من الحاويات، حتى لو اضطر أن يأكل حشائش الأرض كالسائمة، حتى لو مرض، تشرّد، أو تاه في البراري بحثاً عن أمنية كانت تبدو بعيدة، فإذا بها نجمة قريبة آذن صبحها أن ينبلج. ويبقى سؤال برسم الإجابة: هل العروبة كلمة من أصل عربي لها مسرد في القاموس المحيط؟ أم أنّها كلمة مستعارة من اللغات الميتة والشعوب البائدة والضمائر الغائبة؟ كانت العروبة ... ويقولون: كانت : فعل ماض ناقص .... ...
نبيل جلهوم
علي إبراهيم
عباس عواد موسى
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة