بسام بربندي وتايلور جيس تومبسون
تصدير المادة
المشاهدات : 5262
شـــــارك المادة
في آذار عام 2011، بعد بدء الثورة في سوريا بثلاثة أيام، زار سكرتير المجلس الأعلى للأمن في إيران، سعيد جليلي، دمشق، في زيارة غير معلنة، حاملاً معه رسالة واضحة: لا تستسلموا للربيع العربي في سورية. قابل جليلي بشار الأسد وكبار مستشاريه ليقترح عليهم إقامة ما أسماه (الستار الحديدي) مع إيران وروسيا ضد المؤامرة الغربية في المنطقة. وافق الأسد على العرض. عكس سياسة والده القائمة على الحفاظ على مسافة من هذا الحليف الإيراني. يتفرّج العالم، الآن، كيف يزداد التأثير إيرانياً على سورية ولبنان و على تحسّن موقفها المساومة مع الغرب. وحسب المخطط الإيراني فإن هذه العملية ستؤدي إلى استغناء جميع الأطراف عن بشار. في أثناء عملي كدبلوماسي في الخارجية السورية حضرت في بداية عام ٢٠٠٨ عشاء عمل مع أمير موسوي الذي كان نائب الرئيس أحمد نجاد والذي سيعين لاحقاً سفيراً لإيران في سورية، قال لي آنذاك: “نحن رجال الثورة الإيرانية زهور زرعها محمد ناصيف”، كان ناصيف المستشار الأقرب لحافظ الأسد، وحتى وقت قريب، كان مساعد نائب رئيس الأمن. لقد أشار السفير الموسوي بكلمته هذه على التعقيدات في العلاقة الإيرانية السورية في السنوات الخمسة والأربعين الأخيرة. يفرض الدستور السوري على رئيس الجمهورية أن يكون مسلماً. ولكون حافظ الأسد من المذهب العلوي، كان عليه أن يضع حداً لأي سؤال حول شرعيته الدينية. وجد الفرصة في موسى الصّدر، وهو عالم شيعي إيراني له تأثير كبير في لبنان. لقد دعم الأسد صعود الصّدر، وفي المقابل، أعلن الصّدر أن كل العلويين هم أخوة للمسلمين الشيعة في إيمانهم وأصدر فتوى عام ١٩٧٣ تنص أن العلويين جزء من الطائفة الشيعية. و لاحقاً، اقترح الصدر على الأسد أن يلتقي شخصاً إيرانيّاً شيعيّاً ذو تأثير كبير، وهو الخميني، الذي كان منفيّاً آنذاك في العراق، رأى الأسد مصلحة استراتيجية في دعم حليف مستقبلي في المنطقة، فدعمه و مجموعته بما يحتاجونه من معلومات و تدريب و مال ودعم. كانت سورية الدولة العربية الأولى التي اعترفت بحكومة ما بعد الشاه في إيران ودعمتها في صراعاتها في الثمانينات وخاصّة في صراعها ضد صدام حسين في العراق. ومنذ ذلك الوقت تم بناء حلف شيعي علوي جديد غير معلن في المنطقة وتمت التغطية عليه بشعارات العروبة و المقاومة والممانعة. برهنت الأزمة اللبنانية أن هناك خطوطاً حمراء لهذا التحالف بين إيران وسورية. إن التطلعات الإيرانية للهيمنة الإقليمية، تعني المساعدة على إنشاء حزب الله في لبنان لبناء نفوذ تابع لإيران حصراً هناك، و بنفس الوقت قام الأسد على تأسيس أقطاب تابعة له وتأتمر بأمره من كل الطوائف والميلشيات ليبقى هو اللاعب الأوحد و الأقوى هناك، و الباقي تابعون له. وبلغ ذروة التجاذب الإيراني السوري في لبنان إلى درجة الغليان في العام 1986 ولأول مرة في تاريخ لبنان الحديث يندلع صراع شيعي- شيعي بين حركة أمل و قوات حزب الله. انتصرت حركة أمل في حربها ضد حزب الله بمساعدة ودعم مباشر من القوات السورية في لبنان بينما تحالفت قوات القدس الإيرانية مع حزب الله. رسم النصر العسكري لحافظ في هذا الصراع الشيعي الحدود التي فرضتها سورية لسياسة ونفوذ إيران التوسعية في لبنان. منذ ذلك الحين، عمد حافظ إلى إبقاء مسافة بينه وبين حزب الله وإيران، اللذين لم يكلّا من السعي وراء نفوذ في المشرق العربي. واستمر هذا التوازن حتى تدهور الحالة الصحية لحافظ و بدء بترتيب الخلافة لابنه بشار، كانت هذه المرحلة هي الفرصة الذهبية التي ساقها القدر لإيران؛ حيث أصبح حسن نصر الله صديق بشار الشخصي و تخطت العلاقة بينهما كل الحدود التي وضعها حافظ أسد. وقدّمت لحزب الله الفرصة للتقرب من مركز السلطة في سورية من خلال ابنه بشار. كان “سراً” علنيَاً بيننا في الحكومة، افتقار بشار للثقة في قدراته القيادية، كان يتعلم طب العيون في لندن، وتمت تهيئته للقيادة، عقب موت أخيه في العام 1994، الكثير منا شعر بضعف استعداده لاستلام دفة القيادة في البلاد. أنشأ الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، علاقة وطيدة مع بشار الأسد، سنوات قبل موت والده في العام 2000، وتقرب من بشار بطريقة كان يرفضها والده.
في اليوم الأخير للحداد الوطني بعد موت حافظ الأسد، ذهبتُ إلى اللاذقية ضمن فريق عمل وزارة الخارجية لاستقبال الزائرين الأجانب و من ضمنهم كان مجموعة كبيرة من مقاتلي حزب الله، الذين ساروا في موكب التأبين، كان عرض التضامن العسكري هذا رسالة لبشار مفادها أن حزب الله سيكون موضع ثقة في المستقبل و رسالة لمن يهمه الأمر من الدوائر الطامعة بالسلطة في سورية والتي ترى بشار غير مؤهل للسلطة، وأن إيران تدعمه. عانت الحكومة الإيرانية من محاولتها التقرب من بشار الأسد، صعوبة أكثر من وكيلها حزب الله. لقد شاركتُ في عدة اجتماعات مع مسؤولين إيرانيين و سوريين سعى خلالها الإيرانيون لإقامة قناة اتصال مباشرة بين طهران ودمشق بحيث تمكن المرشد الأعلى علي الخامنئي من التنسيق مع بشار.
محمد ناصيف، ومن منطلق علمه أن حافظ الأسد ما كان ليوافق على ذلك، رفض الفكرة حتى قبل أن يُعلم بشار بهذا العرض. وكمحاولة أخرى، وضعت إيران بأيدي رجال الأعمال الشيعة السوريين ، إمكانات مالية هائلة للمحافظة على المزارات الدينية بالإضافة لشراء أراض لبناء مدارس دينية في مختلف أرجاء سورية و نشر التشيع. ضمنت هذه السياسة تدفقاً مستمراً للنفوذ الموالي لإيران في سورية وتم شراء ولاءات النخبة السياسية و الاقتصادية و الأمنية. العديد من وكلاء إيران في سورية كانوا قد عملوا تجار حرب لصالح إيران في حربها ضد العراق بمشاركة كبار ضباط الأسد الذين استفادوا مالياً وأصبح لهم مصلحة بإبقاء العلاقة مع إيران في تطور وساعدوا في الحصول على عقود مع الحكومة السورية ضمن خطوط الحمر التي وضعها حافظ أسد، وطوال هذا الوقت، كانت إيران لا تزال تسعى للسيطرة على بشار. قدّمت ثورة آذار 2011، فرصة لا تعوض لإيران لتثبيت هيمنة دائمة عبر أرجاء سورية الكبرى. سرعان ما تصرّفت إيران، أرسلت السكرتير (الجليلي) إلى دمشق، أياماً قليلة بعد ما بدأ المحتجون بالتظاهر في درعا.
عرض الجليلي خطة (الستار الحديدي) على الدائرة المقربة من بشار مؤكداً لهم أن لديه طريقة فعّالة لإضعاف المحتجين. شجع المسؤولون الإيرانيون بشار على تجنب القيام بأي تنازلات و ذكروه كيف قضوا على الثورة الخضراء في إيران وأن المجتمع الدولي يقف مع القوي طبعاً بشار لم يكن بحاجة لأحد لإقناعه بضرورة قمع الشعب و سريعاً؛ ولكن الإيراني أعطاه الشعور أن قراره صائب.
عندما انتقلت الثورة السورية من حالة السلمية إلى قتال عسكري، أرسلت إيران فوراّ مستشارين وقناصين وقوات خاصة لدعم بشار. و لكي يعوض عن الانشقاقات في صفوف ضباطه، قام بشار بتعبئة مقاتلين من المعسكر الموالي ومخططين استراتيجيين من إيران وحزب الله. قضى حافظ عقوداً يحمي بها نفسه من توغل كهذا، إلا أنه في أواخر العام 2011، كان ابنه يائساً للحصول على صديق. مع تصميم إيران على نهج (عدم التنازل)، كان الأسد حذراً من الدول الأخرى التي تستميله نحو الخيارات الإصلاحية.
في منتصف العام 2011، تلقت سورية من قطر والإمارات العربية المتحدة، اقتراحات عديدة بشأن القيام بإصلاحات رفضها الأسد كلها (تضمنت الاقتراحات الإماراتية المنسقة مع الولايات المتحدة قيام الإمارات بدفع مبالغ تتجاوز 10 مليار دولار لتحديث الاقتصاد السوري و القيام بإصلاحات سياسية و إعادة العلاقات مع إيران وحزب الله إلى حجمها الطبيعي والتعهد الخليجي بدفع عملية السلام مع إسرائيل) أما المقترح القطري فكان يتمثل بعودة الأخوان المسلمين لسورية و تقاسم السلطة مع حزب البعث. وتم رفض المقترحين. مع ارتفاع عدد القتلى، بدأت تركيا في عرقلة (الستار الحديدي) باقتراحها في 27 كانون الثاني، 2012، حل سياسي يقوم على تغيير الدستور بحيث يصبح نظام الحكم السياسي برلماني، و رئيس الوزراء هو صاحب الصلاحيات الكبرى بالإضافة إلى إشرافه على جهازي الأمن العسكري و المخابرات الجوية و منصب رئيس الجمهورية يصبح له صلاحيات شرفية مع إشراف على جهازي الأمن السياسي و المخابرات العامة وأن يصبح فاروق الشرع رئيساً و الأسد رئيساً للوزراء وآصف شوكت وزيراً للدفاع، ويتم إنشاء لجنة لإعداد دستور جديد و انتخابات نيابية جديدة. رفض الإيرانيون الخطة، إذ لا يمكنهم أن يثقوا بأي إصلاح يطال المنصب الرئاسي أو منصب شوكت، وكذلك لم يثق الأسد بالأتراك، ولكنه كان ينوي دراسة الخيار إذ كان الصراع في تصاعد مستمر وخرج عن السيطرة من تحت (الستار الحديدي).
في حلول شهر شباط، تداول بشار مع الأتراك خطتهم في محاولة منه لتخفيف ضغط الغرب. في شهر آذار 2012، عقد الشرع اجتماعات مصالحة مع المعارضة و اعتبر أن كل القتلى هم شهداء الوطن بطريقة تتناقض مع الرواية الرسمية بوجود إرهابين، وحصل خلاف و مشادة كلامية بين بثينة شعبان و فيصل مقداد من جهة و الشرع من جهة ثانية حول مضمون كلمته، عطلت إيران هذا الاجتماع واستخدمت تأثيرها لإيقاف أي اجتماعات قادمة. كانت المصالحة تشكل تهديداً مباشراً لاستراتيجية (الستار الحديدي) الإيرانية، تهديداً بتوحيد البلاد خارج الغطاء الإيراني. في 18 تموز، حصل انفجارٌ في دمشق، قُتل على أثره آصف شوكت، وعدد من الأشخاص الرئيسيين في الأجهزة الأمنية. استخدم الإيرانيون هذا التفجير ليقنعوا الأسد أن المصالحة لن تجرّ إلا هجمات أخرى تستهدف دائرته المقربة. في المقابل، أصبح بشار أكثر تعنتاً، وتجنب أي إعادة هيكلية قد تحدّ من سلطته. في هذه الأثناء، أثبت حزب الله لبشار أنه قوة مقاتلة فعّالة. شكّلت معركة القصير في العام 2013 بصمة مهمّة في العلاقة بينهما، لثلاث مرات، حاولت القوات السورية أن تأخذ المدينة ذات الغالبية السنية – والمحاطة بمناطق علوية – من أيدي المتمردين، ولكنها فشلت، دخل حزب الله إلى المناطق المحاصرة ومن خلال حملات إعلامية ودعائية، أقنع حزب الله العلويين أن الأسد لم يعد يستطع حمايتهم. عندما تمكن حزب الله من دخول مدينة القصير، تبنت المجتمعات العلوية المحيطة هذه الدعاية وتأثرت بها، استفادت إيران من هذا التفوق من خلال تأسيسها لحزب الله السوري، باستثمار كثيف في الميليشيات الموالية للحكومة المعروفة باسم قوات الدفاع الوطني. من خلال حزب الله وقوات الدفاع الوطني، أسست إيران لجماعات مسلحة فعالة في المستقبل في سورية. إن هذه المجموعة من المقاتلين بالإضافة إلى السكان المدنيين في هذه المناطق يمثلون معقلاً جديداً من النفوذ الإيراني في سورية. كما دفعت براميل الأسد المتفجرة عدداً كبيراً من السكان السنة إلى ترك البلاد لتغير التركيبة الطائفية لسورية، أجج حزب الله وقوات الدفاع الوطني بأعمالهم الشنيعة الطائفية و أقنعوا الشيعة والعلويين أن بشار لا يستطيع حمايتهم وإنما إيران. إن هذه الاستراتيجية الآن، وضعت إيران كوسيط رئيسي للسلطة، بغض النظر عن مصير بشار الأسد. إن توغل إيران في دائرة الأسد الداخلية يجعلها قادرة على التسبّب في انهيار نظامه. في شهر آب وفي مقابلة مع محطة (العربية)، أعلن حسين شيخ الإسلام، وهو سفير سابق لإيران في سوريا وأحد مؤسسي حزب الله، أنه لطالما ناشدت طهران بشار ضد نهجه الوحشي ضد الثورة. جاء هذا البيان متناقضاً تماماً مع توجيهات إيران للحكومة السورية،.، يكشف مثل هذا الخطاب بإمكانية التوصل لاتفاق دولي تتنازل فيه إيران عن بشار مع بقاء نفوذها المتمثل بسيطرتها على حزب الله وقوات الدفاع الوطني، مما يعني الحفاظ على نفوذها في البلاد. والآن مع اقتراب الولايات المتحدة من إعلان استراتيجيتها أنه لا يمكن التخلص من داعش بوجود الأسد يبدو أن الاتفاق الإيراني الأمريكي بشأن سورية أصبح قريباً، وتحالف إيران مع بشار في زمن الحرب ودعمه بكل ما يريد عسكرياً ومالياً ليس له أي علاقة بقرابة دينية أو ببقاء بشار في السّلطة، وإنما للسيطرة على سورية، مع أو بدون بشار. لقد حذّر حافظ ابنه من هذا التهديد قبل موته، أي قبل الثورة بزمن طويل ولكن الله متمّ نوره.
مصدر المادة باللغة الانجليزية atlanticcouncil
كلنا شركاء
ترك برس
ريتشار سبينسر
وول ستريت جورنال
مراد يتكين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة